بقلم سناء العاجي/
.. وفعلتها تونس! قامت بالخطوة الأولى في اتجاه مجتمع مدني حداثي يساوي بين مكوناته في الحقوق والواجبات.
لنكن واضحين صرحاء مع ذواتنا: بغض النظر عن أي قناعات دينية، فإن تقسيم الإرث في النظام الإسلامي يجب أن يستفزنا بشكل جدي.
في مجتمعات كمجتمعاتنا اليوم، تشتغل فيها المرأة وتساهم في إنتاج القيمة المضافة، كيف يعقل أن ترث نصف ما يرثه الذكر، لا لوجه حق بل لمجرد انتماء جنسي لم يختره أحدهما ولا يعتبر إنجازا في حد ذاته؟
بإلغاء نظام العبودية، لم نصبح أقل إسلاما. فهل سنفقد إسلامنا إن جعلنا نظام الإرث يتماشى مع تطورات الواقع؟
في المغرب مثلا، وحسب المندوبية للتخطيط (وهي هيئة رسمية)، فإن خمس الأسر المغربية تنفق عليها امرأة فقط؛ هذا دون احتساب الأسر التي ينفق عليها الزوجان معا أو أخ وأخته أو ما دون ذلك. خمس الأسر المغربية تنفق عليها امرأة فقط… حوالي 20 في المئة! لكننا، حين تقسيم الإرث، نعود لمنطق قديم يمنحها النصف فقط، ولا يأخذ بعين الاعتبار مساهماتها المالية في الواقع.
كذلك، فإن المرأة المسلمة لا تدفع نصف التأمين الصحي، ولا نصف سعر الحافلة، ولا نصف ثمن الدواء. فلماذا تأخذ نصف إرث؟ ما دامت تؤدي نفس الواجبات في الضرائب وفي مختلف مشترياتها، فلماذا تأخذ نصف إرث؟ وإلا، فلنفكر في حلول اقتصادية تجعلها لا تدفع في كل مرة إلا نصف السعر المحدد! يبدو هذا عبثيا؟ بالتأكيد… لكن ليس أقل عبثية من حكاية نصف الإرث!
و كلام الله؟ بالتأكيد… تماما كتدبير العبيد والإماء والسبايا، وغيرها من التعاليم التي حدد القرآن كيفية التعامل فيها. لكن أغلب المجتمعات الإسلامية قررت في لحظة معينة أن تنخرط (إلى حد ما) في مجتمعات عصرية، بإلغاء نظام العبودية والسبي.
نفس الأمر ينطبق على تقسيم الإرث الذي كان، بشكله الحالي، ينطبق على واقع اقتصادي واجتماعي معين. واقع تغير اليوم كثيرا. نحن، بإلغاء نظام العبودية، لم نصبح أقل إسلاما. فهل سنفقد إسلامنا إن جعلنا نظام الإرث يتماشى مع تطورات الواقع؟
إنه ببساطة منطق لا يزال يعيش بعقلية قديمة كان الرجل فيها، في معظم الحالات، ينفق على زوجته وابنته وأخته. عقلية لا تقبل تحولات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية. عقلية تعتبر المرأة كيانا ناقصا وكل دفاع عن حقوقها يعتبر تهديدا للهوية الإسلامية، مدعوما من التيارات الليبرالية الغربية الصهيونية. بينما السؤال بكل بساطة هو: هل كل البشر سواسية أم أن المرأة كائن من الدرجة الثانية؟ متى سنقتنع بأن كل الناس (رجالا ونساء، سودا وبيضا) يتساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين، علنا نستعيد بعض إنسانيتنا؟
لا يمكننا أن نستمر في التفكير بمنطق يؤمن بتعدد الزوجات للرجل الواحد، وبالسبايا وما ملكت اليمين
لا يمكننا أن نستمر في التفكير بمنطق يؤمن بتعدد الزوجات للرجل الواحد، وبالسبايا وما ملكت اليمين، وبالنفقة والمتعة والصداق ونصف الإرث وكل الممارسات التي تجعل من المرأة كائنا قاصرا تحتاج الوصاية ممن هو أسمى منها؛ ثم نتحدث بعد ذلك عن تكريم الإسلام للمرأة. أي تكريم نختزل عبره المرأة في جسد عليها أن تحجبه؟ أي تكريم ونحن نشرعن تقييم علاقاتها الإنسانية والعاطفية ماديا؟ أي تكريم ونحن نبخسها حقوقها، ونفرض عليها في نفس الوقت الواجبات القديمة والجديدة؟
طبعا، سيخرج علينا من يقول إن مشكل الإرث يطرح أيضا في الديانة اليهودية فلماذا “لا نملك جرأة التطرق له؟”. ببساطة لأننا في بقعة من العالم تطبق علينا الشريعة الإسلامية لا اليهودية. هناك الكثير من أشكال الحيف في مختلف بقاع العالم وفي مختلف الثقافات. لكننا، بالضرورة، نناقش تلك التي تعنينا بشكل مباشر في حياتنا اليومية. أما أشكال الحيف لدى اليهود أو البوذيين أو الإغريق القدامى، فهي تعنينا كمعطى معرفي، لا كواقع حقوقي يمسنا يوميا وبشكل مباشر.
أضف إلى ذلك كل المغالطات التي يطرحها البعض في كل نقاش عن الإرث، من قبيل أن هناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل. لكن من يقولون هذا الكلام يغفلون، جهلا أو تجاهلا، أن يحددوا أن الأمر يتعلق بنساء على درجة قرابة وطيدة بالمتوفي، يرثن أكثر من رجال يوجدون على درجة قرابة أبعد بكثير؛ في حين أن النقاش هو حول المساواة في نفس درجة القرابة (الأخ والأخت/ الابن والابنة/ الزوجة والزوج).
المغالطة الأخرى تعتبر أن “الشعب فقير، فماذا سيرث؟”. رغم أننا نعرف جميعا أن حالات الصراع على الإرث لا تفرق بين فقير يتصارع ورثته حول تركة هزيلة وبين غني يترك الملايين. لكن الأصل.. أصل السؤال وكله ومركزه، هو مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات.. مهما كان حجم التركة!
شبكة الشرق الأوسط للإرسال