حشيشٌ وسكّر للهروب من مرارة الواقع السوري.. هل أصبح النسيان سهلَ المنال؟
دمشق، سوريا (سي ان ان) — يكثر الحديث عن رواج تعاطي “الحشيش”، بسوريا بين أوساط الشباب في الآونة الأخيرة، بالتوازي مع صدور إحصائياتٍ رسميّة أواخر العام الماضي، نشرتها وسائل إعلامٍ محليّة تفيد بأنّ 2015 كان “من أكثر الأعوام التي شهدت فيها تجارة المخدرات نشاطاً ملحوظاً، حيث ضبطت إدارة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية السورية ما يزيد على الثلاثة أطنان حشيش، ونحو مليوني حبة كبتاغون”.
لكنّ هذه الأرقام قد تعتبر قليلةً قياساً بحجم مضبوطات دولٍ عربيّةٍ أخرى من المواد المخدّرة خلال الفترة ذاتها، وربما لا تعكس جهوداً حثيثة تبذلها السلطات السوريّة المختصّة للحيلولة دون هذا الرواج، وبالمقارنةً أيضاً مع ما كشفه شبّان سورّيون لموقع سي ان ان بالعربية، عبر لقاءاتٍ تحدثّوا فيها عن وفرة “الحشيش” بالأسواق، وأسعاره، وأصنافه، ودوافعهم لتدخينه، وهي دوافعٌ تتسم بالطرافة، والمرارة بآنٍ معاً، وتتقاطع عند فكرة الهروب من الواقع.
(ز.د) 25 عاماً، بدأ بتدخين “الحيشش” منذ عاميّن، وكان وقتها في سنته الجامعية الأخيرة، اقترحها عليه صديقه ليلة الامتحان، وقال له إنّها تساعد على الدراسة، يقول: “فعلاً شعرت بعد تدخينها لأوّل مرّة بتركيزٍ عالٍ، وقدمّت امتحاني خلال اليوم التالي، وأجبت عن كل الأسئلة، وتوقعت نتيجةً ممتازة بالامتحان”… ويتابع ضاحكاً: “لكنني رسبت في هذه المادة.”
أعاد التجربة مراراً، إلى أن اضطّر للإقلاع عنها لفترة طويلةٍ نسبياً بعدما أسعفه أًصدقاءه لأحد المشافي، وكان على وشك الموت “نتيجة هبوطٍ حاد في ضغط الدم”، لكنّه عاد لتدخين “الحشيش” بين الفترة والأخرى، قائلا: “باعتدال، وحينما أجد نفسي بحاجة لبناء عالمي الخاص، بعيداً عن تشويش مشاكل الحياة اليومية.”
يتحدث (ز.د) لـسي ان ان بالعربية عن مدى سهولة الحصول على “الحشيش” في دمشق، قائلا: “من خلال أصدقاء موثوقين لهم علاقاتهم مع الموزعين الصغار المنتشرين بكثرة، وأحياناً رسالة صغيرة عبر “واتس آب” قد أقول فيها (بدّي شوية غراض)، تكون كافية لأن تصلني الكميّة المطلوبة، ومقابل سعرٍ معقول.”
(أ.خ) ينتمي للجيل ذاته 26 عاماً، لكنّه يبدو أوسعَ إطلاعاً على عوالم مدخني “الحشيش”، وساهمت نشأته في إحدى مدن الريف الدمشقي المحاذية للحدود اللبنانية، حيث يعتبر تدخين “حشيشة الكيف” أمراً شائعاً، ولطالما ساهم في طفولته في توصيل “كرات الحشيش الصغيرة”، لأًصدقاء عمّه، دون أن يدري ماهي، لكنّ فضوله الطفولي قاده لاكتشاف السر يوماً ما، وبدأ تدخينها بعمر الـ13 عاماً، ولم ينقطع عن ذلك إلا لمدّة عامٍ واحد، حينما شعر بأنّها تسببت برسوبه في سنته الجامعية الأولى، وفقدانه لعمله بحجّة أنّه “حشّاش”.
يبغض (أ.خ) هذا الوصف كثيراً، ويرى أنّه ظالم، وغير منطقي، فـ”الحشيش” يساعده من وجهة نظره بالتركيز على القيام بأشياءٍ إيجابية، يتناول سحبةً من سيجارته ويقول بعيونٍ ذابلة: “هكذا أبني الأتموسفير الخاص بي، وأركزّ في مشروعي الفنّي بمعزلٍ عن منغصّات الحياة، أنا لست حشّاشّاً، بل الحشّاش هو الذي يدّخن لكي يتناسى فشله في الحياة، ويتسلى بالثرثرة، ما يقوده إلى العجز والاكتئاب.”
يبدو الشاب العشريني متصالحاً مع ما يعتبره “أسلوبه الخاص في الحياة”، ولكن هل يتقبّل أهلك، أو محيطك هذا الوضع؟ يجيب على سؤالنا: “لا يعنيني الأمر كثيراً، بالنسبة لأهلي أظّن أنهم يعرفون عنّي تعلقّي بالحشيش، ويتغاضون عن ذلك، حينما اكتشفوا الأمر للمرّة الأولى نصبوا لي ما يشبه المحكمة، حرصت بعدها على إيهامهم بأنّي أقلعت عنه، لكن حينما حوصرت حارتنا لفترة بسبب الحرب، عدت للتدخين مع أصدقائي علناً، ولم يعترضوا، أعتقد أنّهم وجدوا ذلك أهون من أن يفقدوني على مبدأ (معلش يحشش بس خلي قدام عيني).”
بحكم خبرته، يسهب (أ.خ) في حديثه لنا عن أسعار أصناف الحشيش المتوافرة في السوق، والتي تتراوح بين الـ 6000 و8000 ليرة سورية (15 إلى 20 دولار أمريكي)، لـ “الوزنة الواحدة”، “هكذا اسمها، وتعادل 25 غرام، مالم يسرق منها الديلر، فغالباً ما يضاعف ربحة من سرقة الوزن”، ويتم تشكيل “الوزنة” على شكل كرات: “معجون يخلط فيها مسحوق نبتة الحشيشة مع عقاقير منشطّة، أو مسكنّة كالترامادول، أو البنزغكسول، أو الكبتاغون، أودواء السيمو المسكن للسعال، والمعروف بتأثيره المخدّر، أمّا الحشيش الصافي فيبدو أقل توفراً كما أنّه مرتفع السعر، حيث يصل سعر الـ 25 غرام إلى 13000 ليرة (قرابة الـ33 دولار).”
بالنسبة لـ (أ.خ) تكفي “الوزنة حينما يكون الوزن صحيحاً، لـ 40 سيجارة يتم لفّها يدوياً بعد خلطها بالتبغ” ويفيض لنا الشاب الخبير، في الشرح عن طقوس تدخين الحشيش، مشيراً إلى ضرورة: “الإكثار من شرب الماء مع التدخين، وتناول الحلويات، لأن المدخن يشعر بجفاف ريقه، بسبب هبوط نسبة السكّر بالدم.”
والتقينا بشخصٍ ثالث أيضاً، بدا ملفتاً أنّه ينتمي للمرحلة العمرية ذاتها، (ج.ي) وهو شاب تخرّج من كليّة الإعلام حديثاً، ولم يجد حرجاً لمكاشفتنا بأنه يلجأ لتدخين “الحشيش” بين الفترة والأخرى لأسبابٍ يلخّصها بـرغبته في الانفصال عن الواقع، قائلاً: “حينما أدخّن الحشيشة، أشعر بانعدام الوزن، ويصبح تركيزي منصبّاً على أفعالٍ بسيطة، تتطلب تحت تأثير الحشيش مجهوداً أكبر من المعتاد، هكذا أغرق نفسي في التفاصيل الصغيرة، كاستراحة، أصبح بعدها أكثر قدرةً على مواجهة الضغوط.”
ورغم تصالحه مع الفكرة يدرك (ج.ي) أن “ثمن الانفصال عن الواقع بهذه الطريقة قد يكون كارثياً”، ويخبرنا عن قصّةٍ شهدها قبل سنوات، حينما كان يرتاد صالة “بلياردو” في إحدى ضواحي دمشق حيث تسكن عائلته: “الصالة كانت بمثابة ملتقى لمدخني الحشيش، وصاحبها موزعٌ معروف بين أوساط الشباب هناك، ويتعاطى الحشيشة دائماً، بحيث يكون تركيزه منصبّاً فقط على نزالات البلياردو التي يخوضها، كلاعبٍ يأبى الهزيمة، وذات مرّة التهم حريقٌ والدته بالطابق العلوي، وأسعفها الجيران الذين فشلوا في إقناعه بترك اللعبة واللحاق بأمّه لإنقاذها.” يضحك الشاب ويتذكرّ نكتة رائجة عن محشش شاهد أمّه تحترق فقال لها “منوّرة ياحجّة”، ويعلّق قائلاً: “تجسّدت هذه النكتة أمامي بشكلٍ كارثي.”
ولكن ألا تخشى من أن تهتز صورتك اجتماعياً، حينما يعلم محيطك بذلك؟ لا يتردد (ج.ي) بالإجابة مختتماً حديثه لـ سي ان ان بالعربية: “عن أي صورةٍ تتحدث، الحرب نالت من الأعراف الاجتماعية بقوّة، وحينما لا يحترم أحد خياري بأن أحيا بسلام، فليدعوني وشأني، أليسَ من حقيّ تناسي كل هذا الخزي، والدم، والقهر، ولو لبعض الوقت؟.”
تساؤلٌ يعكس محدودية الخيارات أمام الشباب السوري الذي تستمر معاناته بسبب الحرب، وبعضهم يعتبر رواج الحشيش بينهم، فلسفةً، ووسيلةً للهروب من واقع مرّ.