في ضاحية قدسيا بدمشق كانت اجتماعات الجولاني الأولى لتشكيل خلايا «جبهة النصرة» في دمشق، ساند الجولاني في تشكيل المجموعات بدمشق قياديين عراقيين من «تنظيم الدولة» أحدهما ينتمي لعشيرة البوعيسى في الأنبار وقد قتل لاحقا، كما ساهم جهادي أردني كان مرافقا للزرقاوي بتشكيل نواة لمجموعة قادت مجلسا عسكريا من خلايا لجهاديين سوريين في أنحاء العاصمة، وقد نجح الجولاني في تنظيمها بسرية خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية إلى ان تمكنت من تنفيذ عمليات اغتيالات وتفجيرات استهدفت الأفرع الأمنية للنظام السوري كفرع فلسطين .
وبحسب قيادي سابق في «تنظيم الدولة» عايش تفاصيل خلية دمشق فإن الجولاني كان قد اتفق معهم على عدم إعلان بيعته لـ»تنظيم الدولة» على الملأ لحين اشتداد عود التنظيم، ويقول القيادي ان علاقة الجولاني بالبغدادي في بداية تأسيس «النصرة» كانت متينة، وكانت تصله رسائل مكتوبة في بعض الاحيان ، وأن الجولاني كان مطيعا بشكل مطلق لتوجيهات التنظيم و»أمينا» في تطبيق توجيهات البغدادي.
وتلقى الجولاني مساعدات مالية من «التنظيم» على قاعدة اقتسام المداخيل المالية بين العراق والشام والتي نشر الكثير عنها، ويوضح الجهادي العراقي ان جزءا كبيرا من تمويل التنظيم في هذا الوقت (عام 2011) كان يأتي من التجار السنة في الأنبار والموصل.
الجولاني كان حريصا على عدم تكرار أخطاء لتجارب جهادية سابقة وآخرها العراق، وهو ما جعل قيادة «تنظيم الدولة» تثق بأنه سينجح في قيادة «التنظيم» في الشام، بعد أخطاء عدة وقع فيها «التنظيم» في السنوات الأخيرة، لذلك كان الجولاني يفضل اتباع منهج أقل تشددا، خصوصا انه كان يكرر ان السوريين «اصابتهم غفلة كبيرة وابتعدوا عن الجهاد» بسبب نظام الأسد.
ويسرد القيادي لأول مرة تفاصيل إشراف الجولاني على العمليات العسكرية الأولى ضد النظام في دمشق، ابتداء من عمليات اغتيال للضباط وصولا لتفجير الأفرع الامنية ومنها فرع فلسطين، ويقول «في ضاحية قدسيا كنا نعقد الكثير من اجتماعتنا في البداية، حيث كان يقيم جهاديون عراقيون متخفين عن أعين النظام، ومنهم القيادي من عشيرة البوعيسى في الأنبار، ومع بداية اشتداد المظاهرات والتوتر الأمني منتصف 2011، بدأت أعين النظام والأمن تلاحقنا، فقررنا الانتقال لمنطقة يسكنها أبناء الطبقة الغنية بحيث نصبح بعيدين عن الأعين، فذهبت إلى مشروع تدمر واستأجرت منزلا بمبلغ 65 ألف ليرة شهريا، وهناك واصلنا اللقاءات مع الجولاني، وبدأنا من خلال المجلس العسكري المنتشر في عدة مناطق بدمشق وريفها كمخيم اليرموك الاعداد لعمليات اغتيال للضباط ، واستخدمنا العبوات اللاصقة كثيرا، وكنا نصنعها بأنفسنا، نشتري المواد من السوق ونصنعها، واستخدمنا عدة شقق في جرمانة كمقرات سرية لنا، مستفيدين من انتشار العراقيين هناك، وبعد عدة عمليات ناجحة باغتيال ضباط، قررنا انه يجب البدء بعمليات لهز هيبة النظام، باستهداف أفرع الأمن، فتم إعداد شاحنة مفخخة لاستهداف فرع فلسطين، واختير شاب جزراوي (سعودي) لتنفيذ العملية، وقمنا برصد الموقع لأيام طويلة، وإرشاد المنفذ للطريق، وبعد إكمال التحضيرات، قمنا بتفخيخ شاحنة في مزارع قرب جرمانة، وعقدنا اجتماعا أخيرا، وكان الجولاني حريصا على عدم إيقاع قتلى مدنيين، خصوصا وان هناك جامعة قرب فرع فلسطين، وباصات مدرسة تمر صباحا أمام الفرع، وأكد الجولاني على تجنب المدنيين، وقمنا باختيار توقيت يكون فيه الشارع فارغا، فجرا، وعند التنفيذ، انطلق منفذ العملية بالشاحنة حسب الخطة، وكنا ننتظر، لكن تأخر التنفيذ، لان الانتحاري ضل الطريق وأضاع موقع الفرع!! وكان القيادي من الأنبار هو المشرف على العملية، فخاطر بنفسه وذهب لاقتياده بسيارته، وأرشده للطريق الصحيح، وتمت العملية، كان انفجارا هائلا، وقتل عدد من الضباط فقد كان وقتها موعد لاجتماع لمكافحة الإرهاب، وفتحت أبواب السجن وسقط الفرع فعليا، وهرب العناصر الأمنيون، وفتحت أبواب المشجب، وعرفنا لاحقا ان كثيرا من السجناء كان بإمكانهم الهرب ولكنهم خافوا الهرب، فأصابنا الإحباط، وروى لنا بعض المعتقلين الذين كانوا وقتها في فرع فلسطين ان شدة خوفنا كسوريين من الأفرع الأمنية جعلتنا لا نجرؤ على الهرب حتى والفرع ساقط ومشجب السلاح مفتوح أمامنا والعناصر هاربة.
لكن من شدة الانفجار تضررت بعض البيوت قرب الفرع، وايضا حصل ما كنا نخشاه، فبهذا التأخير بموعد التفجير عن الفجر بسبب ضياع المنفذ بالطريق، تزامن الانفجار مع موعد باصات المدارس التي كنا نريد تجنبها، وفعلا أصاب الانفجار باص طلاب وقتل بعض الأطفال.
وفي اجتماعنا الأول بعد الانفجار، جاء الجولاني حزينا، كان يردد .. «باص مدرسة راح، هذه دماء سفكت، إسألولي شرعا ما الحكم؟» فقلنا له انه «قتل خطأ» والحكم دفع الدية والصيام، وقال الجولاني انه سيصوم شهرين متتابعين، وأمر ان يذهب اشخاص من «التنظيم» ليلتقوا الجرحى ويعطوهم أموالا، ولدفع الدية لأهلهم، وهكذا أبرينا ذمتنا وفق الشريعة.. ومعظم العمليات اللاحقة التي استهدفت الأفرع الأمنية واغتيال الضباط لم يقع فيها قتل للمدنيين إلا نادرا».
ويصف القيادي العراقي الجولاني بالشرعي «الوقاف»، أي الملتزم الأمر الشرعي بدون جدال، ويضيف «كان يسمع لمن أكبر منه، صاحب مشورة، مؤدب، خلوق»، !!!!… ويبدو ان اقامة الجولاني الطويلة بالعراق لم تكسبه فقط العقلية التنظيمة للجهاديين بل ايضا بعض صفات أهل العراق ولهجاتهم، وفي هذا يوضح القيادي السابق بتنظيم الدولة «صفات أهل الموصل تغلب عليه، التدبير بالأمر، كان يقول عن نفسه، انا مصلاوي، وكنا نضحك، حتى اللهجة الشامية نساها، لدرجة انه عندما يقف عند حواجز النظام كان يستحضر اللهجة الشامية» .
وائل عصام
القدس العربي