الشرق الاوسط
كان أمام النظام العربي نموذجان: الأول ألمانيا الغربية، التي نهضت من ركام الحرب العالمية الثانية في أقل من عقد، لتصبح إحدى القوى الاقتصادية الكبرى. والثاني ألمانيا الشرقية، التي حققت شيئا واحدا: الشتازي. المخابرات.
وكان أمامه نموذجان: كوريا الجنوبية التي تحولت من حقول جرداء باردة إلى قوة صناعية تنافس اليابان. وفي المقابل كان هناك بلاد كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل، وكيم قرة العيون.
وكان هناك نموذجان: بورما التي تكمم الأفواه وتعمر الفقر والتخلف، وسنغافورة التي تطور المستنقعات وتعمر التقدم والازدهار.
وكان هناك نموذجان: البرازيل ونيكاراغوا. وكان هناك نموذجان، رومانيا تشاوشيسكو وتشيكوسلوفاكيا دوتشكه، صاحب الربيع الأول. وكان وكان وياما كان.
النظام العربي اختار، دائما، النموذج الأسوأ. أهمل خبراء الاقتصاد في ألمانيا الغربية، واستورد من الشرق خبراء التعذيب النازي. تحالف مع بورما ورفض حتى التطلع إلى تجربة سنغافورة. رفض كوريا الجنوبية وثمّن عاليا تجربة المبجلين في الشمال. رفض السلاح الفرنسي الذي ربحت به إسرائيل حرب 1967، وأصر على الشاحنات السوفياتية التي تسير ميلا وتتعطل عشرة أميال، أو الطائرات التي أبدعت في قصف حلب.
اختصاص متفرد تميز في الخيار المتخلف. نيكولاي تشاوشيسكو رفضته موسكو وأوروبا الشرقية، وتعلق به النظام العربي بسبب خبرته في قمع البشر. جميع الخيارات العربية سقطت، وكان طبيعيا أن يسقط الذين اختاروها. الحليف القريب الآخر لتشاوشيسكو كان إسرائيل.
كانت الدول الحالمة أو القادرة أو الواعية ترسل طلابها إلى هارفارد وأوكسفورد والسوربون، وكان النظام العربي يرسل طلابه إلى جامعة باتريس لومومبا. دكتوراه في الهتاف، واختصاص في المراقبة والرقابة ومجتمع الوشاية والرعب والعقاب.
لذلك تهاوى النظام العربي كما تهاوت نماذجه. نتيجة حتمية لمسار فاضح التخلف. اختار النظام العربي نماذجه، لا لتحرير فلسطين ولا لتقدم شعبه، بل لأن النمط المتخلف يساعده على البقاء. زرع الجهل وغرس التخلف، وهذا في النهاية هو الحصاد.
مسار طويل من رفض التقدم، خوفا ورعبا من آثار العلم. أعد النظر الآن في تلك النماذج ولاحظ ما هي القواسم المشتركة: جهل وفشل وقمع وصديق واحد: النظام العربي. هذا أسوأ ما فعله النظام بالشعوب. منع عنهم العلم وسلاح التقدم. وأعطاهم تشاوشيسكو وخبراء الشتازي. وكان يقول دائما إن كل هذا القمع والتخلف في سبيل فلسطين.