فجأة وبعد أقل من أسبوعين على انتخاب السيد ” أنستاذايسس ” ” يمين ” رئيساً للجمهورية القبرصية ، فجر الرئيس القبرصي قنبلته الإقتصادية ، التي وحسب وجهة النظر الروسية ، كانت خطوة متفق عليها مع الترويكا وألمانيا بصورة خاصة من خلف ظهر الروس الحليف الإستراتيجي لقبرص سياسياً واقتصاديا طيلة السنوات الماضية.
وتقضي الخطة الأوربية بضرورة فرض ضرائب على الإيداعات المالية والمصرفية للمبالغ التي تتجاوز عشرين ألف يورو ، ثم جرى تعديل الاقتراح الى فرض إيداعات على المبالغ التي تتجاوز مائة ألف يورو . تلبية لطلب الإتحاد الأوربي بخفض العجز في الموازنة وتسديد القروض الحكومية القبرصية . وهذا يعني أن تخسر الإيداعات الروسية أكثر من ثلاثة مليار دولار من حساباتها البنكية ، إضافة الى صغار المودعين سواء المواطنين أم الأجانب .
وتطالب الترويكا الحكومة القبرصية بسداد نحو خمسة مليارات مقبل الحصول على حزمة مساعدات . إضافة الى إجراءات تقشفية أخرى.
ومن المعروف أن قبرص هي أحد البلدان الأوربية القليلة التي لا زال يعمل قطاعها المصرفي بنظام شركات ” الأفشور ” الخاصة المعفية من الرسوم الضرائبية. بغض النظر عن بعض الاتهامات لها بأن قبرص أحد البلدان التي تسهل عملية غسيل الأموال.
رد الفعل الروسي كان حاداً جداً فقد عبرت عن موقفها بأنها في هذه الحالة سوف تسحب كافة إيداعاتها المصرفية. كذلك العديد من الشركات الأخرى بدورها عبرت عن حالة فقدان الثقة بالسياسة القبرصية مهددة بنقل أموالها الى دولة أخرى خارج الحزام النقدي الأوربي . وهذا يعني إعلان إفلاس قبرص الإقتصادي . وما يتبعه من نتائج أبرزها انعكاسات الوضع الإقتصادي المتعثر على الجماهير القبرصية . مع احتمال خروج قبرص من الإتحاد الأوربي . وهو ما يفتح الباب على الجحيم .
البرلمان القبرصي رفض بصورة قاطعة الإجراءات الأوربية 36 نائباً صوت ضد و19 نائباً أوراق بيضاء . ولم يصوت بنعم حتى مجرد صوت واحد . هذا التصويت الذي أعتبر صفعة قوية لمراكز رأس المال. نقل الحالة القبرصية الى النقطة الحرجة سياسياً واقتصاديا . في مواجهة المؤسسات المالية الأوربية . من جهة وفي مواجهة روسيا التي اشترطت خطة جديدة مقابل بقاء استثماراتها في قبرص. فقد اقترحت الحصول على 20% من عائدات قبرص النفطية في البحر الأبيض. إضافة الى عرضها شراء البنوك المتعثرة. وحتى لحظة كتابة هذه المادة لا تزال المفاوضات جارية بين قبرص وروسيا في موسكو. وقبرص بالمقابل تدرك ماذا يعني الوجود الروسي في قبرص في مواجهة شهية العثمانية الجديدة. التي أسرعت الى إرسال فرقاطة عسكرية في عملية استعراض عضلات في المياه الإقليمية اليونانية . رغم اللقاء الذي جمع مؤخراً بين رئيس الوزراء اليوناني ونظيره التركي. وبالتأكيد تشكل الأزمة القبرصية لتركيا خبراً ساراً للبز نسس التركي كما هي الحالة في سورية. لأن عين تركيا على المخزون النفطي السوري والبحر الأبيض بالتقاسم مع فرنسا وبريطانيا التي تحاول وقف الاعتماد على النفط الخليجي والروسي معاً
المهم ، ما يحصل في قبرص الأن من تطورات دراماتيكية ، هي حالة حرب اقتصادية.
البنوك القبرصية الثلاث أغلقت أبوابها ومنعت عمليات سحب الأموال حتى في حدود مبالغ صغيرة. الأمر الذي أدى الى خلق ضائقة معيشية خانقة . حيث امتنعت المحلات عن التعامل بنظام البطاقة المصرفية . وطالبت المواطنين بالدفع نقداً . وهو غير متوفرا لدى المواطنين.
خطوة البنوك هذه هدفها الحيلولة دون عمليات سحب واسعة تهدد أرصدة البنوك. ومن المفترض ان تبقى البنوك مغلقة مبدئيا حتى يوم الثلاثاء القادم 26 – 3 . لكن بذات الوقت فقد خلقت مشكلة اجتماعية – اقتصادية حادة للمواطن الذي عبر عن موقفة من خلال بعض الأصوات الداعية الى العودة الى نظام الباوند القبرصي . أي الخروج من الحزام النقدي الأوربي .
أثينا في هذا الإطار تقدمت باقتراح يقضي بشراء فروع المصارف القبرصية في اليونان والحفاظ على عامليها البالغ عددهم 5000 موظف . أي 5000 عائلة. بيد أن الموقف الأهم هو موقف الكنسية القبرصية التي أعلنت على لسان رئيسها أستعدادة لتحويل ممتلكات الكنيسة وعقاراتها لصالح الحكومة مساهمة بخطة إنقاذ الحالة المتعثرة . وهو ما اعتبرته مختلف الأوساط خطوة ايجابية .
التطورات السياسية ، تطرح سؤالاً خطيراً هو مدى انعكاس ذلك على بقية بلدان الإتحاد الأوربي المتعثرة والتي قالت نعم لخطوات التقشف التي دفع فيها المواطن ثمن تكالب الرأسمال المالي على مقدراته الإقتصادية . كحالة البرتغال وايرلندا وايطاليا واسبانيا ، عدا عن صعوبات أخرى مثل بلغاريا ورومانيا ..الخ
ترى هل المطلوب من الاتحاد الأوربي إعادة مراجعة نتائج سياساته التعسفية المالية ضد البلدان المتعثرة..؟ وما تأثير ذلك لاحقاً على موقع السيدة ” مركيل ” في الانتخابات الألمانية القادمة . وما هو ناظم العلاقات الروسية – الألمانية القادمة . لاسيما أن روسيا ترتبط مع ألمانيا بأحد أهم العقود النفطية في العالم.
وهذا بطبيعة الحال لا يمنع من الحديث همساً حول مستقبل الصراع في سورية. من الناحية الجيوبلوتيكية. وما يقال في الغرف المغلقة لا علاقة لها بعمليات التو زير والمناصب الوهمية.
على كل حال التطورات في قبرص سريعة جداً وحادة. ونتائجها ستكون تسونا مي اقتصادي ضد مصالح الشعب القبرصي . سواء أبقيت قبرص داخل الإتحاد أو خارجه.