أمس٬ العاشر من يونيو (حزيران) ٬2016 مرت الذكرى السادسة عشرة لموت حافظ الأسد وتولي ابنه بشار مقاليد السلطة في سوريا. ورغم الفوارق بين الأب والابن٬ فإن حكم الابن هو امتداد طبيعي لحكم الأب٬ حيث السياسات ذاتها٬ والبنى نفسها٬ والأشخاص موجودون ممن لم تأكلهم الأيام٬ أو تأخذهم مسارات الموت٬ وكل ما يحصل ثمرة عيش الابن في حضن الديكتاتور٬ والتعلم في مدرسته على يد المقربين وضباط المؤسسة الأمنية العسكرية٬ التي بناها الأب لتكون أداة نظامه وقوته.
ففي سنوات حكم الأب الثلاثين مضت الحياة السورية تحت الحد الأدنى. نظام استبدادي ديكتاتوري فاسد مقوى بالجيش وأجهزة المخابرات٬ تحت يافطة حزب البعث العربي الاشتراكي٬ أضيفت على هامشه أحزاب خانعة منضوية في إطار الجبهة الوطنية التقدمية٬ أعطيت حصة متواضعة في مؤسسات السلطة من الوزارة إلى مجلس الشعب إلى مجالس الإدارة المحلية٬ وفي معظم النقابات والاتحادات للمساهمة في أكبر عملية ضبط مجتمعي لصالح طغمة طائفية على رأسها طاغية٬ جعل من سوريا مزرعة له٬ ومن السوريين عبيًدا وسدنة٬ يعيشون في كنفه وتحت رعايته.
وسط السنوات الثلاثين لعهد الأسد الأب٬ تمرد السوريون في مناطقهم وجماعاتهم السياسية٬ وعبر تنظيمات مسلحة٬ أقاموها لمواجهة سياسة النظام٬ وقابلهم الأب بالقمع الدموي٬ كما حدث في حماه وحلب ودمشق وغيرها في الثمانينات٬ وارتكبت قواته العسكرية والأمنية مجازر كثيرة ضد السوريين٬ ومات كثيرون في أقبية المخابرات وفي سجون مثل تدمر والمزة وصيدنايا٬ وأمضى عشرات آلاف السجناء المعارضين مدًدا٬ قاربت ربع قرن موقوفين أو سجناء.
وسط تلك اللوحة السوداء من عهد الأب٬ كانت بطانته تستبيح مفاصل الحياة السورية٬ وخصوًصا أخويه رفعت وجميل٬ وأولهما بدأ حياته رقيًبا متطوًعا في الجيش٬ ثم تحول ضابًطا٬ وتسلم مع صعود أخيه إلى سدة الرئاسة قيادة تنظيم عسكري أشبه بالميليشيا والمعروف باسم سرايا الدفاع٬ التي نفذت مجزرة تدمر٬ وتدخل رفعت في كل صغيرة وكبيرة في الشؤون السورية٬ وكان من ثمار تدخلاته٬ أن كون ثروة تبلغ مليارات الدولارات٬ يستثمرها اليوم في المنفى.
وثاني الإخوة جميل٬ وكان موظًفا صغيًرا في «الريجي» باللاذقية٬ قبل أن يغرق في الوساطات والسمسرة والتهريب٬ وصار عضًوا في مجلس الشعب عام ٬1973 ونظم جيًشا من المساعدين الذين صاروا أول تنظيمات الشبيحة٬ ثم أسس عام 1981 جمعية الإمام المرتضى بواجهة اجتماعية ومهمات طائفية بالتزامن مع مساعيه إلى تعزيز مكانته في سلم التشييع٬ فانتزع لنفسه صفة الإمام آية الله جميل الأسد٬ قبل أن يموت مخلًفا مئات ملايين الدولارات ومئات العقارات٬ وكميات كبيرة من المصوغات الذهبية.
ومثال الأخوين في «مملكة الأسد»٬ تعبير فج عما قام به المقربون والضباط من ارتكابات في سنوات حكمه الطويل٬ وبين هؤلاء أبناء الإخوة ومنهم منذر وفواز ابنا جميل٬ وأبناء العمة من آل شاليش وبينهم ذو الهمة ورياض٬ وأبناء شقيقة زوجته فاطمة مخلوف وأبرزهم عاطف نجيب الذي فجر سلوكه الإجرامي ثورة السوريين في درعا.
لقد أحاط الأسد الأب أسرته الصغيرة بالتستر٬ فمنع تسريب أية معلومات عنها٬ وسط إشاعات بتربية أفرادها بطريقة مثالية بعيًدا عن الفساد والنفوذ. غير أن الصورة تبدلت مع دخول الأبناء بوابة الحياة العامة مع سنوات الدراسة٬ وأول تعبيراتها حظوة الأبناء في التعليم٬ إذ اجتازوا مراحل الدراسة بامتياز بمن فيهم المريض مجد الذي تخرج في كلية الحقوق٬ فيما اجتاز الآخرون امتحانات الصيدلة بالنسبة لبشرى والهندسة بالنسبة لباسل والطب بالنسبة لبشار والهندسة الميكانيكية لماهر٬ وانخرط الثلاثة في الجيش٬ وحصلوا على ترفيعات استثنائية رفيعة ومواقع قيادية لم تتوفر لأقرانهم.
وبخلاف ما كان شائًعا من أن الأسد وأولاده غير مهتمين بالمال٬ فقد كشف مقتل باسل الأسد عام 1994 عن فضيحة حساب له بالمليارات في سويسرا٬ تم جمعها عبر صفقات وسمسرات ناجمة عن نفوذه ومكانته٬ وقد سار بشار وماهر على طريق مماثل٬ وتتجاوز ثروة العائلة٬ حالًيا الأربعين مليار دولار.
ولم تكن بشرى٬ الابنة الوحيدة للأب٬ خارج منظومة الفساد٬ التي تعيشها العائلة وخصوًصا لجهة استغلال علاقتها بأبيها٬ فكانت مفتاح كثيرين في الوصول إلى مناصب ومواقع في النظام٬ وتحقيق مصالح مادية أو مهنية٬ كما في موضوع دورها في ترقية ضباط في الجيش وفي جهاز الأمن على نحو ما صار إليه حال آصف شوكت الذي تزوجته ونقلته من ضابط مغمور إلى الصف الأول في الجيش والمخابرات العسكرية.
وزوجة الأب أنيسة مخلوف٬ لم تكن خارج قوس ما يجري٬ رغم أنها أمضت عمرها خارج الأضواء٬ فقامت بإقناع الأسد بتوريث السلطة لابنه باسل٬ وساندت صعود بشار إلى الرئاسة٬ وشجعته على المضي في الحل العسكري الأمني لمواجهة ثورة السوريين٬ وعملت على دعم أقاربها وصعود أبنائهم في السلطة.
ومما لا شك فيه٬ أن بشار فاق الجميع؛ فبعد عشر سنوات قارب فيها نهج والده الاستبدادي في السلطة٬ وزاد عليها بعًضا من خصوصياته بالانخراط في مسلسل نهب سوريا٬
انتقل في السنوات الأخيرة إلى ممارسة الإرهاب والقتل والتهجير لملايين السوريين٬ وتدمير قدرات بلدهم٬ التي سلمها للنفوذ الإيراني والروسي.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”