طلال عبدالله الخوري 25\1\2016 © مفكر حر
في الوقت الذي يتلهف به المحللون السياسيون لتلقي الإشارات القادمة من البيت الأبيض, ومن تغريدات الرئيس الأميركي الجديد “ترامب” لكي يستطيعوا بلورة فكرة محددة عن السياسة الأميركية القادمة, سنقوم بمحاولة بلورتها مسبقاً من خلال المعطيات التي بحوزتنا.
أولاً: يخطأ من يظن بأن السياسة الأميركية يرسمها الرئيس المنتخب, لانه ليس بإستطاعة اي كائن بشري القيام بمثل هذه المهمة, لأنها أكبر بكثير من القدرات البشرية الفردية, فالمخططات الاستراتيجية الديناميكية المستقبلية يضعها بضعة آلاف من الباحثين الأكاديميين, قبل عشرات السنين, ويتم مراجعتها وتنقيحها وتطويرها في كل فترة, بناءا على ما تم انجازه في كل مرحلة, وردود الفعل عليها, ولهذا السبب هي ديناميكية متغيرة, والرئيس الأميركي هو أحد أعضاء الفريق التنفيذي لهذه المخططات فقط لاغير .. ففي فترة اوباما, على سبيل المثال, كانت أميركا بحاجة للتراجع للخلف بعد فشلها في العراق وليبيا والشرق الاوسط ككل, لهذا السبب تم انتخاب أوباما الذي هو الانسب لتسيير سياسة ” القيادة من الخلف”, وقد انتهت هذه المرحلة وجاءت المرحلة اللاحقة التي تم انتخاب ترامب على أساسها, ولا ندر ماذا سيطلقون عليها ولكننا سنسميها نحن مؤقتاً سياسة” ترويض العارهرات”! (مع الإعتذار لرائعة شكسبير” ترويض الشرسة” عن التشابه بالمسميات فقط).. ومن هو افضل من ترامب الملياردير الذي أمضى حياته يروضهن للقيام بهذه المهمة؟ والعاهرات هنا هي الحكومات التي تستفيد من الاقتصاد الأميركي ومن المعونات الأميركية المادية والسياسية والعسكرية, ولكنها تعادي السياسة الأميركية وتساومها بفجور لكي تحصل على المزيد والمزيد تماما كما تفعل العاهرات الفاجرات, وهنا يأتي دور المروض ترامب.
قلنا في مقال سابق ( للاطلاع عليه هنا: هل يجب ان نلوم أميركا لدعمها الأنظمة الاستبدادية العربية؟) بأنه اثناء الحرب الباردة كان التنافس على اشده بين المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفييتي, والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة, وكان على أميركا ان تدعم حلفائها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بسخاء خوفاً من ان ينجروا الى المعسكر الاشتراكي المعادي .. ققد دعمت اميركا كل الدول الاروبية ودول الخليج ومصر وايران وباكستان وتركيا واليابان والهند ودول المغرب العربي … وجميع البلدان التي لم تنضم لمعسكر حلف وارسو المعادي, وكان معظم هذه الدول يعرفون نقطة الضعف هذه لدى اميركا! فساوموها وطالبوها بالمزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري تماماً كما تفعل العاهرة التي تتغنج على قوادها وتطلب المزيد ( ومن هنا وضعنا عنوان المقال ترويض العاهرات), فعلى سبيل المثال كانت جميع العاهرات من زعماء الدول العربية تضغط على أميركا من اجل التساهل في انتهاكاتها لحقوق الإنسان العربي, وسرقة الاقتصاد في بلدانهم وعدم الاستثمار في التنمية وبناء الإنسان, وكانت اميركا تخضع لابتزازهم من اجل منع انجرارهم للمعسكر الشرقي المعادي,.. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي لم يعد هناك منافسون لاميركا, وشعرت انها تستطيع ترويض العاهرات, وخاصة ان التكنولوجيا تطورت كثيرا ولم تعد بحاجة للقواعد العسكرية بكثير من البلدان, فعلى سبيل المثال عندما ساومت السعودية اميركا على قواعدها العسكرية في الخبر بعد احداث سبتمبر, روضت اميركا عهرها ونقلتها بكل بساطة الى دولة صغيرة بحجم قطر, وعندما اظهر الرئيس التركي اردوغان عهره بسبب القواعد العسكرية الاميركية في بلاده وساومها على امتيازات اكبر له ولبلده اقتصادية وعسكرية, روضته اميركا ودعمت الاكراد ونقلت قواعدها الى مناطقهم في شمال سوريا تمهيدا لحصولهم على نوع من انواع الاستقلال السياسي كالحكم الذاتي او اللامركزي.. وهذا ما سيحصل الى كل الدول التي ستبتز اميركا للحصول على المزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي, في اوروبا واميركا والشرق الاوسط.. وقد لاحظنا ان اول ما قام به ترامب هو الغاء جميع المعاهدات الاقتصادية مع جميع بلدان العالم, لأنها كانت مفيدة لجميع هذه الدول على حساب الاقتصاد الاميركي الضخم.. اي ان الاقتصاد الاميركي كان يضخ في جميع اقتصاديات العالم تقريبا من دون استثناء, وكانت اميركا راضية عن هذا, فقط لكي لا ينجروا الى المعسكر المعادي ومن اجل الاستقرار والسلم العالمي… وكذلك الامر هو يريد ان يلغي الاتفاقيات العسكرية, مثل حماية الحلف الاطلسي ودول الخليج, فهو يقول بانه مستعد لحمايتهم ولكن يجب ان يدفعوا لقاء هذه الحماية .. طبعا هناك استثناء لدولتين هما كندا وبريطانيا (كاتب المقال يعتقد بان هذا هو سبب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي البركست, لكي لا تتأثر بسياسة ترويض العاهرات) اي باختصار ما نتوقعه من سياسة ترامب بانه سيروض العاهرات والمقصود هنا هو السياسيين المعادين لاميركا بالعالم.. نحن لا نعتقد بانه سيكون قاسيا عليهم بشدة ولكن سيلجمهم قليلا من التمادي بمطالبهم.. وخير من يعبر على سياسة ترامب هو الكاريكاتير المرفق والذي كان منشورا على النت : والذي يقول ترامب سيفعل الفاحشة بالعالم.