كان الباهي الأدغم سياسيا دبلوماسيا قديرا وفاضلا من القلائل الذين ورد ذكر اسمهم لخلافة الحبيب بورقيبة. وعندما وقعت الحرب في الأردن بين الدولة ومنظمة التحرير عام 1970 عُيِّن وسيطا في النزاع، فصار يأتي إلى عمّان ويذهب من دون تحقيق أي خطوة. يومها كتب الشاعر الفلسطيني كمال ناصر قصيدة ساخرة مطلعها: ترلم ترلم ترلم / قد جاء الباهي الأدغم!
يُشكر السيد بان كي مون على تعيين السنيور ستافان دي ميستورا مبعوثا خاصا إلى سوريا. هذا هو الوسيط الثالث الذي يكلِّفه سعادته حل هذه المشكلة البسيطة. زوده بتوجيهاته وقال له – بأسلوب علي سالم – اذهب يا ستافان يا دي ميستورا وهات لنا حبّتين حلول من سوريا.
يُلاحظ حرص السيد بان على المفهوم الكوني لعمل منظمته: المبعوث الأول كان أفريقيا، الثاني كان عربيا، والآن دور أوروبا. الأول كان برتبة أمين عام سابق، الثاني كان برتبة وزير خارجية سابق، السنيور دي ميستورا لا تغيير في الرتبة والراتب: مبعوث سابق في أفغانستان وفي لبنان، الطريق الذي قطعه الأخضر الإبراهيمي من قبله.
عرفنا السنيور ستافان مبعوثا دوليا في بيروت أوائل الألفية الثالثة – أواخر الألفية الثانية. كان إيطاليا (سويديا) بكل ما توحي به الكلمة: قيافة وأناقة ولسان ذرب وحضور غنائي على طريقة أهل روما. وكانت تحتفي به الأوساط المخملية في عشاءات نهاية الأسبوع، حتى أصبح مشهدا مألوفا في صفحات المجتمع. والسيدة التي تقيم حفلا لا يظهر فيه الأمين العام متوسطا ضيوفها، كانت تُعتبر محلية إقليمية ينقصها الإشعاع الأممي. لذلك، كانت الحاذقات منهنَّ تدرس بعناية برنامج دي ميستورا المزدحم، قبل أن توجّه دعواتها أو تعد لائحة الطعام.
سوف يواجه المبعوث الجديد في دمشق بأصوات المدافع في جوبر والمليحة. وتنتظره لائحة بإخفاقات سلفيه في أعقد قضية سياسية في التاريخ الحديث. وسوف يجد في انتظاره لاءات الدكتور وليد المعلم، الذي اشتهر بتقريعه للسيد بان كي مون في جنيف، لأن «أبو المون» حاول أن يطبّق على الدكتور وليد قوانين الدول الأخرى.
لطيف تعيين السنيور دي ميستورا، فهو يعني أنك يا سوريا في البال، وليس صحيحا أن العراق أزاحك عن اهتمامات الضمير العالمي ونشاط باراك أوباما الحيوي المتسارع المتأهب أبدا في معالجة مآسي العالم. لا بد أن المستر أوباما سُئل رأيه في تعيين السنيور دي ميستورا (اسم يعني الخلاط، أو الخفّاق). وإلاَّ كيف كان الاختيار في سبيل وقف النزاع ورد البراميل الجوية؟ لقد فكر هذا الراعي الحنون المعروف بلقب «المجتمع الدولي»، طويلا في حل عاجل يضمن بقاء شيء من سوريا، وثمّة عبقري جاء باسم المبعوث الإيطالي (السويدي) من دفاتر الأمم المتحدة. راجَعوا سجلّ الرجل فهتفوا جميعا مثل أرخميدس: وجدتُه. وجدتُه، بدل من وجدتها! وجدتها! لذيذ، المجتمع الدولي، وعنده ما يمكن أن تسمِّيه «جناح طوارئ». مثلا، تقول له 200 ألف قتيل في سوريا، فيهتف سريعا: هات دي ميستورا يا ولد. هكذا هتف صاحب «المحطة» في المسرحية الرحبانية.
نقلا عن الشرق الاوسط