بخروج جماعة الإخوان المسلمين المصرية من تركيا تكون الحركة قد انتهت كقوة وحزب سياسي. الآن تعيش زمنًا يماثل زمنها في عهد جمال عبد الناصر كفكر وحركة محظورين. فقد أفرج عن قيادات جماعة الإخوان وسمح لهم بالعمل في عهد الرئيس أنور السادات، منهيًا حظر سلفه الرئيس جمال عبد الناصر الذي دام عشرين عامًا، منذ عام 1954 حتى وفاته.
المفارقة أن الجماعة الإسلامية هي التي أردت السادات قتيلاً. جاء حسني مبارك رئيسًا ومنح الإخوان مساحة لا بأس بها من الحركة، فسمح لهم بالعمل السياسي، والنشاطات الاجتماعية والنقابية والاقتصادية، وهم في المقابل رضوا بالعمل في إطار سياسي متفق عليه، وبلغت مكاسبهم 88 مقعدًا في البرلمان. عند اندلاع ثورة الربيع المصري في 2011 لم يشاركوا في بداياتها، لكنهم دخلوا بعد أن تأكدوا أنها نهاية مبارك. وكان الربيع ربيعهم، فازوا في الانتخابات لكنهم فرطوا في الحكم بسبب تعجلهم السيطرة على مؤسسات الدولة، خاصة القضاء والإعلام وحاولوا كتابة الدستور وفق رؤيتهم. وخلال عام واحد في الحكم، خسروا حلفاءهم، بمن فيهم الناصريون واليسار، وأخافت شهيتهم لتوسيع صلاحياتهم الجيش الذي بادر إلى إسقاطهم مستفيدًا من المناخ الشعبي الغاضب من سوء الخدمات وغياب الأمن.
من هذه المراجعة أهدف لتوضيح احتمالات مآل الجماعة بعد الانتكاسة الخطيرة نتيجة الموقف الحكومي التركي بالتخلي عنهم.
من المستبعد تمامًا أن يسمح لـ«الإخوان» بالعودة للعمل السياسي إلى وقت طويل من الآن.
ومع أن سلوك قيادة الإخوان في إدارة رئاسة الجمهورية كان سيئًا جدًا، ولا يتمتع بأي شيء من الحنكة، فإن الأسوأ منه كانت سياستهم الخارجية الاستفزازية. انقلبوا على مواقف مصر الخارجية، فتقاربوا سريعًا مع النظام الإيراني مما أخاف بقية الدول العربية التي على خلاف مع طهران، مثل دول الخليج. السعودية مثلاً، رغم توجسها من الإخوان، قدمت دعمًا ماليًا لحكومة مرسي كعربون على رغبتها في علاقة جيدة معها، لكن كوفئت بالأسوأ حيث أصبحت الوفود الإيرانية تجيء للقاهرة، بما فيها الأمنية، في وقت كانت علاقات الرياض بطهران في غاية التوتر.
وانحدرت أكثر عندما دعا الرئيس الإخواني محمد مرسي الرئيس الإيراني حينها أحمدي نجاد لزيارته، كانت تلك أسوأ رسالة يمكن أن توجه للحلفاء. لهذا عندما قامت المظاهرات الغاضبة في 3 يوليو (تموز) 2013. التي فاقت مظاهرات ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، اعتبرها الجيش تفويضًا له بالتدخل، ولا شك أنها استقبلت بالارتياح في العواصم المجاورة.
ولم تتوقف الجماعة عن ارتكاب الأخطاء، فبدل أن تقرأ الوضع الجديد بعد خروجها وبشكل صحيح وتتعامل معه بواقعية، دخلت معركة خاسرة منذ البداية.
في رأي أحد المقربين من الجماعة، أن الإخوان أصبحوا بعد اعتقالات قياداتهم مثل الأيتام، وأنه تم استغلالهم في الصراعات الإقليمية. سألته: هل الإخوان هم من استغلوا الخلافات العربية، وتحديدًا الخليجية الخليجية، أم تم استخدامهم؟ يرى أن الإخوان كانوا ضحية برغبتهم. يقول إنه تم استغلال وضعهم البائس، وقبلوا أن يكونوا طرفًا في المعارك الإقليمية مقابل المأوى والدعم الكبير بهدف إسقاط النظام الجديد في مصر.
هل فعلاً كان الإخوان يصدقون مثل هذا التحليل البسيط؛ إسقاط حكم العسكر في دولة الجيش فيها مؤسسة قوية ومتمكنة؟
يفسر اقتناع الإخوان بمثل هذه الاستراتيجية غير المنطقية بأنه لم يكن لديهم ما يخسرونه بعد أن تم إقصاؤهم من الرئاسة، وأن القيادات في الخارج تم إغراؤها خليجيًا، وإغواؤها غربيًا، فالحكومات الغربية ظلت تتحدث عن شرعية مرسي وعدم شرعية ما وصفته بالانقلاب، وقامت بسلسلة قرارات عقابية ضد القاهرة. إنما أي خبير في العلاقات الدولية يعرف جيدًا أن الدول تبدل مواقفها حسب مصالحها، هكذا فعلت الحكومة الأميركية وقبلها الحكومات الأوروبية، وهذا ما تفعله اليوم حكومة الطيب رجب إردوغان التي وجدت مصلحتها في التخلص من الإخوان والتصالح مع حكومة عبد الفتاح السيسي. خيار الإخوان في مصر مراجعة أخطائهم وفكرهم السياسي والتحول الحقيقي، لا الدعائي، نحو المشاركة السياسية التي تؤمن بالآخر، دون استخدام الدين في عملها السياسي.