ما هي الوصفة السحرية لترجمة الحرية والإبداع ؟
الحرية أسمى هدف تنشده المجتمعات
هل هناك حرية فارغة ؟
عصمت شاهين دوسكي
الجزء السابع
إن ترجمة الحرية وتشخيصها من اكبر المؤثرات لأنها تمثل أجل الصور وأجملها ، فالإيمان فيها هو الأمل الذي لا يفارق الإنسان للخلاص من المعاناة ، فتوحيد الأفكار والسبل للخلاص من أي نكبات تعاقبت عليها القرون والدهور ولم يتغير الحال إلا قليلا ، ولا تزال ترجمة الحرية عبر عجلة التاريخ من أشد التنقلات والتصورات الفكرية التي تغير سياق الواقع ناهيك من تجار الحرية الذين يعتبرونها لقمة سائغة ، يتاجرون فيها كما يرغبون ومن الناحية الأخرى دم الأبناء يسفك والجراحات تكبر بلا تضميد وفي كل الحوادث التاريخية كتشييد أركان المسيحية والإسلام وكإغارة الأفكار الاشتراكية المزعجة في هذه الأيام إنما هي نتائج لترجمة قريبة أو بعيدة لتأثرات شديدة على أرض الواقع ، فالحرية هي أسمى هدف تنشده المجتمعات والشعوب والأفراد ، فعندما يشتد الظلم والانكسار والضعف تهون قيمة الوجود أمام الحرية ، العلة في أن أقطاب السياسات والإدارات في كل عصر وفي كل أمة حتى أشدهم استبدادا اعتبروا تخيل وجودهم أساسا لتقوم عليه أممهم وقوتهم وما فكروا بشكل جدي وسليم بكسب الناس ، الشاعر إبراهيم يلدا داهم معترك ترجمة الحرية بطريقته الخاصة ليجسد لها بنودا وصورا وتخيلا تاريخيا وعصريا .
((ا : ايها الذي يؤمن بان لنا الأمل بالخلاص
وحان الوقت لنصطف مع البشر
ب : بصوت عال يسير إلى الأمام ويقول :
لأفدي نفسي من اجل خلاص أمتي
ج : عجلة التاريخ تدور وتعبر بلا رحمة
على التجار الذين يبحثون عن لقمة سائغة للبيع
د : دم الأبناء يسير ويسفك من الشريان
وقلب آثور يتعذب ويضيع بلا تضميد
ه : لا بالعمل بل الإيمان بالآباء
أو على بركات الرب وعليه نتكل )) .
وهي طرق وبحث وتأويل بأسلوب مميز بدليل الحروف كمرشد يهيج النفوس بقوة البديع والبيان ، فكرة الحرية ومدى الاستعداد لترجمتها في سبيل عناقها وتذوق شهدها يحتاج بالضرورة إلى استعداد مسبق ، فما هو ثمن الحرية ؟ في ثقافتنا تتجسد مرة في الاضطهاد والاغتيال وسجون وقتل برصاصات نستهين بالبشر ، كل ضغط واغتصاب للحرية هو لحظة حداد عليها يقول نيتشه : ” علامة الحرية هي ألا يخجل الإنسان من نفسه ” فإن التاريخ يظلم الناس فلا يذكر إلا الطغاة غالبا ، ولو سألنا من بنى الأسوار التاريخية العظيمة والأهرام والمساجد والكنائس الراقية ؟ فهم البسطاء إن كانوا عبيدا أو مضطهدين فلا أحد يذكرهم خاصة التاريخ ، فبعض الحضارات العصرية تحارب بمعارك كونية أما نحن فمنقسمون أجزاء ، وكل جزء منقسم على نفسه أي تجزئة المجزأ حتى أصبحنا غير قادرين على السير في الطريق الصحيح للمدنية والإنسانية والثقافة ، حتى أصبحت الحرية فارغة تكمن في تغيير شكل السجن الحياتي والاجتماعي من صغير إلى أكبر .
(( و : لا الفخر بالتاريخ ولا بالعلم
نتحرر ونحن عبيد لتاجر ما
ز : السلاح المناسب أيها المقاتلون الأحرار
هو ان يفور دمك ويسفك كفدائي
ح : حياة العبيد المنحطة تشبه الاكال
الذي يأكل ويشرب ويترك العظام بلا جدوى
ط : الطائر المسجون يئن ويبكي كالطفل
من اجل الحرية التي وهبتها له الطبيعة
ي : البحر التي تولد وتسبح كل سمكة
لو تركتها سيتلقفها الموت المعظم )) .
عندما نستحضر المبدعين الذين دفعوا أرواحهم وأجسادهم من أجل الحرية علينا أن نستحضر الإبداع الفني للحرية بوصفه أرقى تعبير للإبداع نفسه حينما يتمكن الشاعر إبراهيم يلدا من ترجمة الحرية التي ترتبط بالدفاع عن الحق والكشف عن أشكال الظلم والفساد والحيف والهيمنة على بسطاء البشر وغيرهم ، يقول كنفيوشيوس : ” حين تفقد الكلمات معناها يفقد البشر حريتهم ” ينتج من هذا عن تصور الحرية مؤثر بذاته لكن المؤثر الأكبر كيفية وقوعه وتمثيله لكي تكون صورة أخاذة للفكر ، للوعي ، للواقع حينها يحصل على كيفية القيادة السليمة للحرية وترجمتها مع البشر من دون المساس بالبشر ومن دون المساس فيها أو رفضها لأنها تذوب في الإدراك الإنساني وسرعان ما تنتقل من التأثر إلى الفعل الجميل لها .
(( ك : كم يلزمك أنت يا ابن ادم لترى في عينيك
اسماك البحر وطيور السماء لتحيى بسلام
ل : لا الاحترام ولا المجد لهما سلاح
بإمكانك أن تنال منهما باسم الحرية أو الشجاعة
م : من كل جنينه من جنائن الآباء اقطف منها شتلة
ولتكن قوية ازرعها في قلب كل ولد
ن : الهدف السامي والثمرة الطيبة ستعطيك بلا حدود
وسيحيى أولادك حياة بلا احتياج
س : المزينين والموشحين بإكليل المجد في كل وقت
سيحيون ويسيرون في طريق مستقيم ومنير )) .
لو عدنا ونظرنا إلى أزمنة الثورات السياسية الكبرى كالتي حصلت في القرن الماضي رأيناها ترتدي خصوصية الشعور الديني بتخيل تتفرع من أغصانه ثمار طازجة وتحت ظلاله يكون الكنز الوجودي الكبير ولكن أين يستريح المعذبون والمشردون والمغتربون والمتعبون والحائرون ؟ ومن يسقي شجرة الحرية ؟ ومن يجدد ويقلب تراب الحرية لتعطي ثمارها من جديد بكل ثبات لمن يستحق ؟
((ع : الجذع الذي منه تتفرع فروع مثمرة
تحت ظلاله يستريح المتعبون والمحتاجون
ف : أعطهم مجانا وان طلبوا منك روحك
فافديها واسق تلك الشجرة بدمائك
ص : عطشى تبحث عن ثمار جيدة لتعطيها لمن يسأل
وفي أعماق التراب ترسل جذورها بكل ثبات )) .
لم يبتعد الشاعر إبراهيم يلدا عن الرمزية في النص الشعري في توظيفه ” الثور المجنح ” كقوة وصلة فوق الذوات البشرية وعدم الخوف من السيف والعظمة المخفية في مكان ما ” تعلم ، زلزل ، دعهم ، تشرق ” هذه الأفعال الحوارية إيحاء توجيهي للابتعاد عن الخضوع الأعمى واستحالة الركود والرغبة في الإرادة الحرة الكريمة والنضال المستمر من أجل شروق شمس الحرية ، يقول بريكلاس : ” ليس لنا غير حرية واحدة هي حرية النضال من أجل الحرية ” فلا إبداع ولا عيش كريم ولا إنسانية كونية بلا حرية .
(( ق : قم أيها الثور وتعلم من سيدك الرحيم
على الأعداء يمتشق سيفه المفترس
ر : لتزلزل شموخ وعمق العالم الساذج
ودعهم يهزوا ويصرخون لحياة حرة كي أحيا أنا
ش : شمس الأحرار تشرق وتجول في الإرادة
وفي الزمن الغابر العابر
ت : الثور المجنح رمز مفيد منذ الأزل
وهو ذكرى من أجدادك ائتمنت عليه )) .
الشاعر إبراهيم يلدا وظف الحروف المتناغمة ، المنحنى الإدراكي العالي للحرية متناغم ، وهي علامة عافية وقدرة على الحلم الكفيل باحتضان الحرية واستيقاظ العبيد العصري بكل الأشكال العصرية ، وهناك قول مأثور في ثقافتنا عن عمر ابن الخطاب : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ” وهي صرخة مدوية ضد العبودية والسلطوية والوصايا الخارجية في كل مكان في العالم بل في تاريخ الإنسانية ، الشاعر إبراهيم يلدا وضع وصفة سحرية لترجمة الحرية والإبداع وهو اكتشاف لقدرة بالغة من الدقة والتمكن والوعي الناضج والخيال الخلاق حيث ينظم قصيدته المملوءة بالروح والفكر والفلسفة الحضارية العصرية وقادر على كيفية انبثاق أفكاره الغنية بالخيال الناشط والحلم الفعال والواقع المليء بالمعاني الإنسانية التي تشع بنور شموع الحياة والتي تعد أنموذجا للإبداع والإلهام والتجديد والحب والجمال والحياة .
*************************************************
الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد – الجزء السابع – طبع في أمريكا وفي مدينة
Des Plaines
دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة
Press Teck .. بريس تيك . 2018 م