اختارت طائرات النظام السوري أهدافها عمدًا، المستشفيات والأحياء المدنية المجاورة لها، تقصفها بعنف ومن دون مقاومة حيث لا توجد عند الأهالي دفاعات أرضية بسبب الحظر الدولي. وكرر النظام قصفها خلال الأيام الماضية، وقد أرهق عمال الإنقاذ من رفع الأنقاض بحثًا عن أحياء تحت المباني التي قصفت. الضحايا هم أطباء، وممرضون، وعمال إغاثة، ومن أهالي الأحياء، ومعظمهم من نساء وأطفال لم يتمكنوا من النزوح إلى الحدود التركية القريبة. على مدى أيام يستمر القصف، ومئات المدنيين يموتون في المدينة، التي تركت تحت رحمة نظام الأسد وميليشياته والقوات الروسية، في وقت لا أحد في المجتمع الدولي يفعل شيئا، رغم أن سوريا، ومدينة حلب تحديدًا، يفترض أن تكون مشمولة باتفاق الهدنة المشروط للتفاوض الذي تعهدت الأمم المتحدة برعايته!
هل يعقل أن ترتكب كل هذه المجازر، ويتكرر حدوثها كل يوم، دون أن تتحرك الأطراف الراعية لمفاوضات جنيف إلا من بيانات تدعو للتهدئة لا قيمة لها؟
ما يحدث لحلب مرعب، يفترض أن يدفع المعارضة لرفض الهدنة الكاذبة، ومسرحية المفاوضات، كما يفترض أن يحرك الدمار الهائل الدول التي وقفت سنوات الحرب الظالمة في وجه تصفية الشعب السوري، وضد عملية التطهير المذهبي. ولا يعقل من دول الخليج، هي الأخرى، أن تسكت وتهادن على ما نراه من تصعيد خطير لا مثيل له من قبل! لم يبقَ للشعب السوري أحد بعد أن تخلى عنهم الأتراك، واختصر الغرب محنة أربعة وعشرين مليون سوري في تنظيم داعش فقط.
مدينة حلب تحديدًا، ومنذ دخول الروس في الحرب، وهي تستهدف بالتدمير في مشروع لإخلائها من غالبية سكانها، التي تعتبر أكبر المدن السورية، وأكثرها استهدافًا من قبل طائرات النظام، ومن قبل الروس. هناك عمليات قصف للمدن الأخرى مستمرة بلا تحدٍ، في غوطة دمشق وريف اللاذقية وغيرها، وكل ما يتم من نشاط دولي هو إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية للمناطق التي يوجد فيها تنظيم داعش. الولايات المتحدة أرسلت مائة وخمسين عسكريًا إلى الحسكة، والأتراك يهددون بدخول الحدود لملاحقة المتمردين الأكراد، أما الشعب السوري فقد ترك لقوات نظام الأسد يقوم بعمليات قصف هدفها تدمير ما تبقى من أحياء المدن الرئيسية، حيث أصبحت حلب خرابًا، قطعت عنها الإمدادات الإغاثية، وسدت الطرق في وجه أهلها الذين يحاولون الفرار شمالاً، حيث الحدود التركية.
لم تحترم الأمم المتحدة تعهدها بأن تتم المفاوضات بالتوازي مع الهدنة، والسماح لعمال الإغاثة بإيصال المساعدات، بل إن ارتكاب المجازر في أيام الهدنة فاق أيام الحرب نفسها، مما يؤكد أن المفاوضات ليست إلا محاولة لدعم النظام السوري، الذي يعيش عملية إنعاش واسعة من قبل حليفيه الإيراني والروسي على أمل أن يحقق على الأرض خلال فترة وقف إطلاق النار المرافق للمفاوضات ما عجز عن الحصول عليه من أيام المواجهات المسلحة السابقة.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”