تكتظ الذكريات،تعوم بعضها على سطح من اسطح هذا العقل الدوار وتعاند ان تذهب بعيدا وبعضها ينزوي في تلفوفة من تلافيف هذا المخ المتعب.
ماذا سأفعل يا الهي وشرذمة الذكريات لاتفارقني حتى في المنام،لست ابغي الا السلام يلف هذا المخ حتى ولو اضطر الامر لأسكاته بالقوة.
يريدون ان اتذكر “تومان”صاحب الفيفرا التي يعزف بها من انفه ذلك الرجل الذي سبق كل ابداعات الاعلان السينمائي وهو يتقدم طفلين يحملان (مانشيت) الفيلم الذي سيعرض اليوم وغدا.يجوب الطرقات عازفا وغير عابىء للقوم وهم يتطلعون اليه،كان يعزف لنفسه مارا بدكاكين سوق الهنود ثم شارع ابو الاسود الدؤولي وبعدها شارع الكويت.
انه يعرف البصرة شبرا شبرا ويعرف ناسها عن اب وجد ولكنه لايبالي بكل هذا يريد فقط ان يعزف بنايه وهو يترنح على الجانبين بملامح وجهه الغارقة باللون البني.
كنا نتمنى ان نراه ذات يوم يعزف بدون (المانشيت) وتعبنا ونحن نحاول ذلك،لم يرد علينا بل كانت معزوفته تقول دعوني وشأني فانا والناي وكأسي لانفترق.
ويرحل تومان وتغيب عن البصرة ابهى حللها ولم نصدق ماسمعناه وكنّا نترقب طريق قدومه من سوق حنا الشيخ داخلا الى سوق الهنود ولكن دون جدوى.تسدل الستار على رجل هام عشقا بنايه وهام الناس بحبه لمحبوبته البصراوية.
ينفتح الستارعن تلك القطعة الألهية التي تنزوي في الجبايش حيث الورود تنبت تحت الماء وتعيش تحت الماء وترمي بلونها الى المياه هنا وهناك وكأني بها تغضب حين ترى بقربها السمك الكبير وهو يأكل السمك الصغير.عذراوات لم يعرفن بعد ماهي غريزة البقاء،ويأتي ذلك العامل الهندي ويجلس بقربي بعد انتهى عمله في فندق الجبايش السياحي ؟
(كيف حالك رفيك)
(مافي زين)
(ليش رفيك)
(دنيا تعبانة)
(زين رفيك خلي اقرالك مستكبل مال انت
وامد يدي اليه،يتطلع بها لدقائق وينظر بعدها الى السماء ثم يحني رأسه الى الارض واسمعه يقول:
أي رفيك انت واجد تعبان،بس راح تروح مكان بعيد بعيد واجد ويصير عندك اربعة (بجا)،اطفال، وتاخذ حرمة ثانية.
واضحك في سري رغم اني تساءلت كثيرا عن هذا الشاب الهندي خريج معهد قراءة الكف في نيودلهي الذي رماه القدر ليعمل في فندق الجبايش السياحي.
كان مرحا كلما التقيت به،احس به يشع حبا بالحياة رغم غربته في الجبايش،وفي يوم ما اراني رسومات لبيته الجديد في نيودلهي،شرح لي كيف سيبني هذا البيت ليعيش به مع زوجته واولاده.
لم تكن لدي أي امنية في الحياة في ذلك الوقت سوى ان اكون هذا الهندي الذي ينام في الثامنة مساءا ويصحو في السادسة ويشرب (الشاهي)ثم يهرول الى عمله وهو يبتسم.
واسأل ،ماهي راحة البال.جاءنا المسيح ذات يوم ليقول انها حب الآخرين وقبله طاغور قال انها في القلب فكلما كان قلبا ينبض بالحياة فانت سعيد مع الناس الذين تحبهم.ثم جاءنا من يعكر صفو مياه الجبايش ويدعونا لقتل الآخر ونسمعه يقول :اذا اردت ذلك فيجب ان يطاع من هم حولي.
وسالت دماء وغرقت الانهار باللون الاحمر واصبح للاسماك اسنانا تلتهم فيها بقايا الجثث ولم ينفع حب المسيح ولا قلب طاغور.
وتظهر كوة من بين اجنحة الستار عن ليلة موصلية رقص لها كل الذين لايعرفون ان يرقصوا.كان يوسف عمر حاضرا بين يدي هذا الشيخ الذي وضع كفيه على اذنيه وبدأ يصدح في نادي الموصل.
بزغ الفجر ولكن الراقصين ابوا الا ان يكملوا رقصتهم التي فاقت رقصة زوربا اليوناني وكأنهم وضعوا عقولهم خارج مدار الرأس وقالوا لنرقص للحياة فهي اجدر من كل شيء حولنا.
لم تكن اربيل تبعد كثيرا عن ذلك المكان وفي احدى مناحيه كان الغجر يرقصون ايضا تحت خيمهم البيضاء.
بكت احدى الغجريات وركضت نحو اباها الذي مازال ممسكا بالدف،احتضنها هو الآخر وبكى معها.
هذا قدرنا ولاسبيل للخلاص منه.
كانت تريد ان تكون زوجة وامّا وتعرف ذلك هو عين المستحيل “فلا يمكن ان نأتي بمولود يتشرد كما نتشرد نحن”.
هذا ماقالته لي.
قال صديقي المجند لقد نجوت من الموت باعجوبة حين تلحفت بجثتين مرميتين على مقربة مني وحسبوا اني فارقت الحياة.
وهمس مرة اخرى ونحن في باص رقم 30 العائد الى الباب الشرقي ،لن اعود الى الجيش ابدا ،لااريد ان اموت بلا سبب.
ومنذ ذلك اليوم لم اسمع له صوتا،كان غارقا في رسوماته التي يحملها معه دائما.وتشاء الاقدار ان التقيه ذات يوم بالقرب من تمثال السياب على شط العرب،جلسنا تحت قدمي السياب،كان صاحبي صامتا وحين اردت ان امازحه بكى كما المرأة الثكلى.
هل لدينا ما نعيش لأجله بعد كل الذي فات،لماذا كل هذا الشر بهذه الارض،لايسوع ولا محمد ولا سليمان الحكيم ولا حتى مظفر النواب استطاعوا ان يقتلعوا هذا الشر البشري،فاين نذهب بعد ذلك.
مازال السياب يومىء بيده اليمنى نحو شط العرب ويضحك صاحبي حين يرى الحفارات في وسط الشط وهي تحفر في الاعماق حتى تمر باخرة ابن خلدون.
في اليوم التالي وجدت صاحبي متلحفا يديه تحت السياب وحين اردت ان اوقظه عرفت انه فارق الحياة فاخذت رسوماته لتبقى معي الى الابد.
وتذكرت ان صاحبي كان يكن حبا خاصا الى صديقه كريم العامل في بار آسيا في شارع ابو نواس ببغداد ،وحين التقيته بكى بحرارة،كان صديقي الوحيد،كنا نحتسي العرق آخر الليل انا اشرب وهو يغني مرة لعفيفة اسكندر ومرة للميعة توفيق ولكنه في اغلب المرات كان يغني بصوت شجي لفؤاد سالم (ياعشكنا).
مرة ذهبنا الى سلمان باك وجلسنا تحت شجيرة ارضها تراب ناعم وسمعته يقول لي ،اتمنى ان اكون مثل هذه الشجرة لاافكر الا بالبحث عن الماء.ضحكت في حينها وقلت واذا اتاك الفلاح وقص جذعك ووضعك حطبا للنار.
انا الان مقصوص الجذع فهل يزيدني الما ذلك الفلاح.
في كوة اخرى يصيح مدرس الدين الاعمى بالطلاب ان يلزموا الهدوء حتى يكمل شرح الآية ولكن هيهات فهم يعرفون انه اعمى ولا يعرف من هم الطلاب المشاغبين،ويروه يخرج من الصف غاضبا ويأتي بعدها المدير بصحبة مدرس الرياضة المشهور بضربات الكف القوية ويصيح بنا: انصاع الشيطان لأمري فهل انتم اقوى منه.
ونضحك في سرنا لأننا نعرف انه يخاف الشيطان كما قال لنا ذات مرة.
كانت مقهى ابو مضر تطل على نهر العشار ويحلوا لبعض الزبائن ان يجلسوا على دكة النهرالاسمنتية الا واحدا كان ينزوي بعيدا ليجلس تحت جسر المقام الذي لايبعد كثيرا عن هذه الدكة.
ويسمعه بعض المارة وهو يصيح متى تكون لي صديقا ياالهي،متى ارى وجهك واتنعم بنورك وتقص علي حكايات لم اسمعها ابدا،متى تسمعني واسمعك ،اناجيك وتناجيني ،احبك وتحبني.انت تعرفني جيدا فانا اود القرب منك حاملا معي سطور رابعة العدوية.
احبك حبين حب الهوى وحب لأنك اهل لذاكا.
ولكن هيهات فانت قاس ومعروف عنك الجفاء خصوصا للفقراء.لماذا انت هكذا،اما قلت وضعت شيئا من قدسيتي فيك ايها الانسان،اين هي القدسية اذن؟الاترى انك تكيل بمكيالين كما يقول ابناء الارض الشرفاء؟مكيال للاغنياء تمد لهم يدك وتحتضنهم ومكيال آخر للفقراء تشيح بوجهك عنهم وتتركهم للجوع والفقر والعذاب.
هل انت رب الجميع؟اذا كنت كذلك فلماذا لاتساوي بين ابنائك؟لست الهي اذن وسأبحث لي عن صديق آخر يبتسم لي حين يراني ويحضنني حين ابكي ويمد لي فراشه الوحيد حين اطلب النوم.انه ليس انت ،لم تكن كما عرفتك قبل خمسين عاما عند نهير الومبي في البصرة.لم تكن انت،لقد غيّرك المنافقون وسيطروا عليك وعذرا لتطاولي عليك فانت الذي ارغمتني على ذلك.
اواه لو تعلم كم احبك رغم جفاءك،اواه لو تعلم كم اكن لك من الود وانت تشيح بوجهك عني،لابأس فانا عنيد في هذا الحب وسأظل احبك مادمت اتنفس الهواء عسى أن يأتي اليوم الذي تنظر فيه الينا نحن اولادك الطيبون.
لماذا سمحت لهم ان ينسجوا القصص والخرافات عنك،لماذا تركتهم يقولون مالايطاق بحقك وانت اروع ما في هذا الكون؟هل تقبل ان يقتل اولادك على مرأى ومسمع منك وانت لاتحرك ساكنا؟كنت رائعا وشهما حين اراد ابراهيم ان يذبح ابنه فداء لك واستبدلته بخروف،وكنت قدسيا حين صلبوا المسيح وعذبوه فامرت بانتشال روحه لتذهب اليك فانت بارئها وصانعها،ولكنك لم تكن كما انت مع الرسول محمد فقد تكالبت القوم وتقولت على لسانه اشياء كثيرة ولم تتدخل.
هل كنت تضحك وانت تسمعهم يقولون ان بول البعير يشفي من السرطان،هذا المرض الذي فتك باولادك بالعراق واولهم حبيبتي احلام.
حين ارسيت القمر في كبد السماء قالوا وهم لايشعرون ان القمر ليس هناك والذين صعدوا اليه انما نسجوا كذبة،فكيف تسمح لهم بذلك؟
احتار في امرك وانت الكبير الكبير، من انا حتى ترميني في هذه الحيرة؟ما انا الا عبد من عبيدك وافتخر بذلك، انا العبد ولكن لا كما يتصور هؤلاء الامريكان،فانا سعيد بعبوديتي لأني احبك حد الجنون.
لا أحد يقدر على مضاهات حبي لك فانا الموله فيك ليس حد الجنون فقط وانما حد الجنون ايضا.
سلبوك حتى اسمك وجعلوا من بعض البشر مكانة فوقك،كانوا حين يقومون يقولون ياعلي وحين يجلسون يقولون ياعلي بدلا من ان يذكروا اسمك،في الطرف الآخر يظن البعض ان عائشة زوجة الرسول هي أم المؤمنين ومادروا انها طفلة لم تبلغ سن الرشد بعد،وبايعوها وبايعوا قومها وحللوا دم من يسبها او يسب من يدخل في قرابتها،لماذا تسكت عن هؤلاء؟لماذا لاتضع حدا لقصص الغيبة الاولى والثانية؟نحن نحتاجك ولا نحتاج الى سيف المنتظر،لماذا؟لأنك شعارنا في الحب والسلام.
تماما مثل ما خلقت الحمامة وهي ترمز الى السلام خلقتنا نحن ولكنك تركتنا بيد هؤلاء الاوغاد،وغد منهم ينظر الينا شذرا وما ان تقع عيناه على صبية لم تتجاوز العقد الاول من عمرها حتى تنبسط اساريره ويقودها الى بيته لتكون زوجة وهي لم تزل تحتضن لعبتها بيديها.
هل نحن فعلا كما نبيك يقول :انتم خير امة اخرجت للناس أم تريد ان تسخر من عقولنا؟.
اذا كنت صديقي فعلا فعليك ان تجيبني على سؤالي:ماهو الخير الذي قدمناه؟قل لي مايريحني علي اعاود النظر في حبي اليك رغم اني فقدت الامل في ردك.
لم تبق لي الا سنوات قليلة واغادر عالمك،هذا العالم الذي وجدته نقطة صغيرة جدا في الكون فهناك كما اخبرني “غوغل”شموس اكبر من شمسنا بمئات المرات واقمار اكبر من قمرنا الذي تغزلنا فيه طيلة قرون،وهناك نجوم اكبر من نجماتنا الآف المرات.
ضحكت علينا حين قلت ان نجمة “فرقد” هي احلى وابعد النجوم عن الارض وجاء من يتصدى لك ويقول انها نجمة مثل كل النجوم ولكن هناك نجوما اكثر جمالا منها وسنكتشفها في الوقت المناسب,
لماذا تدع البشر يقررون عنك وانت صامت؟هل يعجبك الصمت؟هل يعجبك حالي وما آل اليه مصيري؟لااريد ان اصدق ذلك فانت الاعظم وانت في داخلي اروع ماجنيت.
في يوم ما وقبل سنوات اخرجوا قلبي ووضعوه على الطاولة ثم اخرجوا احشائي كلها من اجل ان يمدوا انبوبا بلاستيكيا من القلب الى بقية انسجة الجسم وحين صحوت صحت بهم:ماذا فعلتم وأين الهي.لم يفهموا قولي وتركوني معك الا من طبيب قلت له هل استطيع ان احب مرة ثانية وانا احمل هذا الانبوب البلاستيكي،قال يمكنك ذلك،فشكرته لأني مازلت اكن لك الحب كل الحب وبدونك تبدو الحياة كما لو انها بدأت للتو مع آدم.
حين تغّرد العصافير يقولون انها تسبّح باسمك وانا واثق من ذلك ولكني لم اثق بعد بهذا الانسان الذي يصلي لك ويقتل اخيه الانسان.
كيف رضيت بذلك؟. انك تجعل من حياتي جحيما في صمتك هذا،اخرج الى القوم وانبأهم من انت حتى يسكت الناعقون ويبتهج الفقراء.
كثيرون هم امثالي لاينتظرون يوم الحساب حتى يروا ماذا انت صانع لأنهم حينها قد نفذ صبرهم وماعادوا يرون الصح من الخطأ.
هل اعود الى حمامة السلام التي صنع رمزها البشر وليس انت؟لم تزرع الزيتون ولكنهم زرعوه ورفعوه رمزا للحب وانت كنت بعيدا عنهم ومشغول بماذا لانعرف.
سأقول لك سرا هو بيني وبينك،ما اروع الصداقة في هذا العالم ولكني سأتنكر لصداقتك اذا تماديت بما فيه الان,اعرف انك لاتريد صلاتهم ولا دعائهم ولكنهم جعلوا من بعض الناس خير كليم باسمك وانت تعرف ذلك ولكنك صامت كعادتك.
قالوا ان لديك جبرائيل وهو ساعي بريد بلا نقاش،وهو يطيعك في كل شيء ولكن هل فكرت انه سيتمرد عليك في يوم من الايام كما فعل الملاك ابليس؟ماذا ستفعل حينها؟هل ستلطم مع الشيعة العراقيين ام مع السنة الجحودين؟.
فعلت ما فعلت بالبوسنة والهرسك ورأيت المذابح في بث حي ومع هذا لم تصطف مع خير أمة اخرجت للناس.
ماذا تنتظر اذن؟هل تنتظر سيف المنتظر ليحز رقاب القوم في زمن فيه الطائرة تساق بلا طيار؟ام انك تنتظر ان يولد نبي آخر يعلن للقوم انه بدأ عهد السلام والمحبة؟أي سلام وأي محبة تتحدث عنها وقومي يموتون كل يوم، الفقير منهم يموت بدون كفن والغني يرّصع قبره بالاوراق الخضراء.
أي مهزلة تريدنا ان نعيشها يارب العالمين؟لست بصدد محاكمتك فانا اصغر من ان افعل ذلك ولكن لي الحق ان استثير قدسيتي التي وضعتها في داخلي لأقول لك:حرام ان تتركنا وحيدين في هذه المعمعة.
هل اختم حديثي بالغزل اليك؟تعرفني جيدا اني اكن لك ودا لامثيل له وانت تكن لي صمتا لامثيل له.