فريد هيات: الشرق الاوسط
«وسوف تنتهي الحرب مع نهاية العام المقبل».
في إطار بحثي المحير عن منهج أوباما، أدهشتني عبارة ذات دلالة سمعتها من الرئيس الأسبوع الماضي، حينما كان هو ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون يتلقيان الأسئلة من صحافيين.
كان أوباما يتحدث عن انسحاب الولايات المتحدة وقوات التحالف من أفغانستان بنهاية عام 2014. قال أوباما: «سوف تستمر قواتنا في العودة إلى أرض الوطن، وسوف تنتهي الحرب». في واقع الأمر، ليس من المرجح أن تنتهي الحرب. بل ربما تتسارع وتيرتها، مع استغلال حركة طالبان الفرصة لشن هجوم من دون مواجهة القوات الأميركية.
إن القول إن الحرب سوف تنتهي نظرا لانسحاب القوات الأميركية لهو أشبه بطفل يحبو يتخيل أن لا أحد يراه لمجرد أنه يغمض عينيه. لكنه اعتقاد يتماشى مع السياسة الخارجية لقائد يسير، على نحو مذهل، على الطريق صوب تزعم تحول حاد إلى الداخل.
أقول بشكل مدهش إنه نظرا لكون أوباما خاض الانتخابات عام 2008، فقد أظهر نفسه في صورة رجل سيضطلع بقيادة الولايات المتحدة نحو حقبة جديدة من المشاركة الدولية والمثالية والتعاون.
«نحن ورثة الكفاح من أجل الحرية»، هكذا تحدث إلى حشد ضخم مفعم بالحماسة في برلين في يوليو (تموز) 2008. «نحن أناس يحدونا أمل بعيد الاحتمال. ومع استشرافنا المستقبل بقلوب تملأها روح العزيمة والتصميم، دعونا نتذكر هذا التاريخ، ونستجيب لمصيرنا ونعيد بناء العالم من جديد». الآن، تحدث الرئيس لصحافيين من مجلة «نيو ريبابليك» في بداية فترة ولايته الثانية قائلا: «إنني أكثر وعيا ربما ليس فقط بمواطن قوتنا وإمكاناتنا المذهلة، بل أيضا بحدود قدراتنا». يتفاوض الرئيس على اتفاقيات تجارة حرة في آسيا وأوروبا. وقد أبقى على دعم الولايات المتحدة لمبادرات صحة عالمية، مثل المعركة ضد مرض الإيدز. وقد سافر لعدة دول وتفاوض مع روسيا حول تقليل أسلحتها النووية وكثف الغارات بالطائرات من دون طيار ودعا إلى توجيه الولايات المتحدة «التركيز» إلى منطقة المحيط الهادي.
غير أن الانطباع السائد بين المسؤولين الأجانب يتمثل في انتهاج أوباما سياسة تقوم على خفض النفقات. إنهم يرون انخفاضا مطردا في حجم القوات المسلحة، الأمر الذي سيعني تقليل القدرة على التدخل والتأثير. لقد شاهدوا أوباما يسحب كل القوات من العراق، عاجزا عن التفاوض على اتفاق كان من شأنه أن يترك للولايات المتحدة دورا في تلك الدولة المفككة في الوقت الراهن. إنهم يرونه يعد لسحب معظم القوات – أو كلها، حسبما ذكر المتحدث باسمه؛ ولم يتم الإعلان عن حجم أي قوة متبقية – قوات من أفغانستان.
يتفاخر الرئيس بتدخله لإنقاذ شعب بنغازي من هجوم وقع في عام 2011 والإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي، ولكن اتضح أن العملية الليبية كانت مثالا في سياسة حدود القدرات. فأوباما لم يتخذ إجراء إلا بعدما تعرض لضغط من قوات التحالف الفرنسية والبريطانية، ثم أصر على الانسحاب بدلا من الالتزام بمد يد العون لحكومة جديدة في تأسيس نفسها. وتتمثل النتيجة المتوقعة في دولة غير مستقرة، تمزقها الميليشيات وتشكل تهديدا متزايدا لدول جوارها، عبر انتشار الأسلحة. تعتبر سوريا هي المختبر الرئيس لعزوف الولايات المتحدة عن التدخل، والتجربة لا تسير على ما يرام. فمن ثورة سلمية تدعو للديمقراطية اندلعت قبل عامين إلى حرب أهلية كان من الممكن أن يلعب فيها الدعم الأميركي دورا حاسما في العام الماضي، تحول النزاع إلى نتيجة غاية في الوحشية، بحيث لم يعد من الواضح ما إذا كان ثمة إجراء يمكن أن يجدي نفعا أم لا. بيد أن البيت الأبيض يفترض أنه، بصرف النظر عن المطامح الرفيعة لبرلين، فإن أسلوب حكم أوباما هو ما يريده الأميركيون الذي يمكن أن تتحمل الدولة تكاليفه.
مع الاعتراف بوجود مصالح إنسانية «واقعية ومشروعة جدا» في سوريا – سقط 80 ألف شخص، وتشرد الملايين – أشار أوباما مؤخرا إلى أن «المحصلة النهائية» يجب أن تأتي «في مصلحة أمن أميركا إلى أقصى درجة». وبالحكم بناء على محادثات مع فريقه، ثمة افتراض مفاده أن تلك التقييمات كانت واضحة إبان الحرب الباردة، ولكنها للأسف، ازدادت تعقيدا في وقتنا الحاضر.
غير أن تلك الأحكام لم تكن سهلة مطلقا. فخلال الحرب الباردة أيضا، دخل الأميركيون في معركة ضروس حول حجم ميزانية الدفاع والحكمة من التدخل ومبدأ دعم الحكام المستبدين الذين يعتبرون في الوقت نفسه أصدقاء لأميركا وأوباما. على مر العقود، ارتكبت الدولة أخطاء مروعة بالخارج. غير أن مشاركة الولايات المتحدة وتأثيرها ساهما أيضا في إفساح المجال تدريجيا نحو المزيد من الديمقراطية والرخاء. ربما يبدو تقليص نطاق مثل تلك الأنواع من المشاركة الخيار العملي القاسي. لكن في نهاية المطاف، دائما ما تتعلم الدولة من جديد درس أنه مع خروج دول مثل سوريا أو ليبيا عن نطاق السيطرة، يصعب احتواء الخطر. في عام 2012، بحسب «فريدوم هاوس»، زادت مساحة الحرية والديمقراطية في ثلاث دول، فيما قلت المساحة نفسها في 27 دولة – العام السابع على التوالي الذي تتكبد فيه الدولة خسائر تفوق حجم المكاسب التي حققتها. ويعتبر هذا مسارا غير مسبوق في الاتجاه الخاطئ – ولا يتوافق والمصالح الأميركية الملحة بعيدة المدى.
* خدمة «واشنطن بوست»