تحليل من تيم ليستر يقدم: التفاصيل الكاملة للتدخل العسكري الروسي في سوريا.. وموقف السعودية وأمريكا وإيران.. هل تتصاعد المواجهة؟

anatrishinko2تحليل للكاتب الصحفي تيم ليستر لـ سي ان ان

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية سي ان ان — بدأت روسيا بتصعيد هجماتها بعد أسبوعين من بدء ضرباتها الجوية في سوريا، والتي تُنسقها مع القوات البرية للنظام السوري في محاولة للاستيلاء على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون. ووفقا لكثير من المراقبين للصراع السوري، فإن الشهر المقبل سيكون حاسما على الصعيدين السياسي والعسكري.

من بين الأشياء التي يجب ترقُبها:

• أداء الطائرات المقاتلة الروسية ومدى دقة ضرباتها

• هل ستوسع روسيا عملياتها، عن طريق استخدام المزيد من صواريخ “كروز” التي تُطلق من خارج الحدود السورية، على سبيل المثال؟

• هل ستستفيد القوات البرية السورية المدعومة من قبل الميليشيا الإيرانية وحزب الله من تلك الضربات لاستعادة الأراضي؟

• كيف سترد السعودية وتركيا على الضربات الجوية الروسية التي تستهدف الفصائل المدعومة منهما؟

• هل سيصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موقف قوة في المنطقة، إذا لم يكن قادرا على الانتصار، عندما يحضر قمة
“G 20”
المقبلة، في تركيا، في منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؟

الهجمات حتى الآن:

يبدو أن الروس يركزون على ثلاثة مناطق:

• محافظة إدلب الشمالية، بجوار المعقل الساحلي للنظام حول اللاذقية حيث يبرز فيها نفوذ حركة “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”.

• جنوب شرق اللاذقية في سهل الغاب ومناطق أخرى في محافظة حماة، لمنع المتمردين من الضغط على الساحل بشكل أكبر.

• المناطق حول حلب، أكبر مدن سوريا، حيث يتواجد داعش ومجموعات متنوعة من الجماعات المتمردة والقوات الحكومية، حيث يبدو كاستعداد لهجوم كبير من النظام.

وهناك حوالي 30 طائرة مقاتلة روسية في القاعدة الجوية حميميم قرب اللاذقية، أبرزها طائرات
“Su-24M Fencer” و”Su-25 Frogfoot”.
صُممت طائرة
“Fencer”
منذ 40 عاما ولكن تم تحديث أجهزتها الإلكترونية الخاصة بالطيران وأنظمة الملاحة، وهناك ما يقرب من 12 طائرة من هذا الطراز متمركزة في حميميم.

كما صُممت
“Fencer”
لتؤدي ضربات جوية فائقة السرعة على ارتفاعات منخفضة للغاية، ولكن في سوريا تبدو أنها تُستخدم على ارتفاعات أعلى لتفادي صواريخ المتمردين المحمولة والتي تعمل على الأهداف الأرضية والجوية وتُعرف أيضا بـ”نظم الدفاع الجوي المحمولة” أو
“MANPADs”.

ويمكن لتلك الطائرات الروسية تنفيذ ما يصل إلى 80 طلعة جوية في اليوم كحد أقصى، ولكن هناك بعض الشكوك بين المحللين الغربيين عن دقة إصابتها لأهدافها. إذ يقول بيتر فيلستيد، رئيس تحرير مجلة “دفاع جاين” الأسبوعية: “كانت الحملة الجوية فعالة، ولكن بالطريقة الروسية المعتادة التي تشبه استخدام المطرقة الثقيلة.”

وأخبر فيلستيد شبكة “سي ان ان” أن “مقاطع الفيديو التي أصدرتها وزارة الدفاع الروسية لا تُظهر أي دليل على دقة الاستهداف، وإنما تُقدم مشاهدا كما لو كان الروس قد ضربوا حقولا مفتوحة.”

وكما قال ديفيد سينسيوتي، الذي يدير موقع “ذا إيفياشونيست” المتخصص في الطيران العسكري: “استفادت طائرات
Su-24 و25
الروسية من القنابل التحطيم غير الموجهة.. وشوهدت
Su-24
أيضا تُسقط قنابل
’RBK 500‘
العنقودية.”

وتلك “ليست أسلحة دقيقة”، وفقا لمدير مخابرات سلاح الجو الأمريكي، الفريق روبرت أوتو. وأضاف لصحفيين في العاصمة الأمريكية واشنطن الأسبوع الماضي: “بالنسبة لي، يُمثل ذلك ما تتوقعه من القنابل الغبية، التي تُسقطها الطائرات على ارتفاعات متوسطة، وهي ليست مثيرة للإعجاب.”

أما الطائرات الأكثر تطورا في سوريا مثل
“Su-34”
فهي مجهزة بصواريخ موجهة بالأقمار الصناعية، ورغم ذلك يقول سينسيوتي: “القوات الجوية الروسية تفتقر إلى اتساع نطاق الأسلحة الدقيقة وأنظمة الاستهداف التي تتمتع بها نظيراتها الغربية.”

في حين يصر الروس أن استهدافهم دقيق لاستخدامهم الاستطلاع الجوي بواسطة الطائرات بدون طيار وصور الأقمار الصناعية. وقال الفريق أول أندري كارتابولوف: “هناك حالة من الذعر والهجر بين المتمردين ولذلك سوف نستمر بضرباتنا، وسنزيد من كثافتها.”

توسيع الحملة

كان أحد مفاجآت الحملة الروسية حتى الآن هو إطلاق نوع جديد من صواريخ “كروز” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من قبل سفن حربية في بحر قزوين، من على بعد حوالي 1500 كيلومتر. وهناك جدل حول أدائها، إذ قالت وزارة الدفاع الروسية إنها “ضربت جميع أهدافها التابعة لداعش بنجاح”، في حين قال مسؤولون أمريكيون لمراسلة “سي ان ان “، باربرا ستار، إن 15 في المائة أو ما يعادل أربعة من أصل 26 من هذه الصواريخ سقطت في إيران.

وأيا كان مصيرهم، قال بيتر فيلستيد في مجلته إن المقصود من استخدام مثل هذه الصواريخ هو استعراض القوة العسكرية الروسية، وإن موسكو “قدمت عرضا حيا للعالم والجمهور الروسي لتُظهر أن روسيا لديها القدرة وأن بإمكانها مضاهاة الأمريكيين في استعراض العضلات باستخدام صواريخ كروز.”

ولم يُكرر استخدام مثل هذه الصواريخ حتى الآن، ووفقا لبعض المحللين، يعود السبب في ذلك لاستخدام الروس معظم صواريخهم من طراز “كاليبر” في دفعة واحدة. ولكن بافل باييف من معهد “بروكينغز” الأمريكي للأبحاث يتنبأ بـ”تغيرات مدهشة على وشك الحدوث.”

ويقول باييف إن اختيارات روسيا لحشد حملتها في سوريا تشمل إطلاق صواريخ “كروز” التي تُطلق من الجو من قاذفات بعيدة عن سوريا، وإطلاق نفس الصواريخ من الغواصات في البحر الأبيض المتوسط. وهناك أيضا تنبؤات بأن روسيا قد ترسل حاملة الطائرات الوحيدة لديها، الملقبة بـ”أدميرال كوزنيتسوف”، إلى البحر المتوسط.

كما أضاف الروس طائرات هليكوبتر هجومية من طراز
“Mi-24P”
إلى أسطولها، إذ تُظهر أشرطة الفيديو الأخيرة من القتال في منطقة سهل الغاب المهمة، طائرات طراز
Mi-24
تهاجم مواقع يسيطر عليها المتمردون، وتقوم تلك الطائرات بذلك من ارتفاعات منخفضة للغاية.

ويقول خبراء في مؤسسة البحوث والتحاليل
“IHS”
وفي مجلة “جاين”، الذين يدرسون المعدات العسكرية، إن طائرات
Mi-24S
هي روسية بالتأكيد حسب اعتقادهم بسبب معدات الجيش الروسي، مثل الصواريخ المضادة للدبابات.

سلسلة التوريد

وحتى الآن، كما يقول ديفيد سينسيوتي، استطاع الروس دعم بعثتها المتوسعة في سوريا من خلال مجموعة متنوعة من طائرات الشحن. إذ قال لـسي ان ان: “كانت هذه هي أول مرة استخدم فيها الروس أسطولهم القديم من طائرات الشحن لنشر قواتهم في الخارج”.

ولكن باييف يعتقد أن الحفاظ على وصيانة مختلف الطائرات والمروحيات سيكون “كابوسا، لأن جميع المستلزمات يجب أن يتم شحنها عن طريق العديد من وسائل النقل البحرية من نوفوروسيسك وسيفاستوبول.. وقدرة طائرات النقل على دعم هذه الإمدادات محدودة.” كما تحتوي المنشأة البحرية الروسية في طرطوس على رصيف واحد فقط.

ويقول بعض المحللين إن مشكلة واحدة قد تواجه الروس هي إعادة تحميل ذخائر القنابل والصواريخ التي تستخدمها طائراتهم بمعدل سريع.

وأصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أن هذه الحملة ليست التزاما غير محدود، إذ قال: “هذا الدعم سيكون محدود الوقت، في حين يُجري الجيش السوري عمليات متقدمة.”

وإذا أخفق النظام في تحقيق الاستقرار في المنطقة المحيطة بدمشق وإحراز تقدم ملحوظ في تأمين الممرات إلى حماة والساحل، هل سيرسل الروس قوات برية؟

إن ذلك يبدو غير محتمل، لأنه سيصعب تنفيذ السلسلة اللوجستية، وقد أوضحت موسكو أنها لن تضيف قوات برية لبعثاتها، إذ من شأن ذلك أن يمثل تباطؤ المهمة لأجل غير مسمى. وبالتالي فإن الروس يريدون نتائج سريعة.

التصعيد الروسي

يقول محللون إن هناك دلائل تشير إلى أن الروس يُعدّون المدرج الثاني في حميميم، والذي يُستخدم حاليا لصف الطائرات. وتشير صور الأقمار الصناعية إلى بناء منصات مواقف أسمنتية من شأنها أن تسمح باستخدام كلا المدرجين، ومن شأن ذلك أن يكون مفيدا إذا خُطط لمعدل أعلى من الطلعات الجوية، أو إذا أضافت موسكو إلى طائراتها المقاتلة التي يزيد عددها عن الـ30 طائرة في اللاذقية.

كما قامت الطائرات الروسية بـ 88 طلعة جوية في فترة 24 ساعة في وقت سابق من هذا الأسبوع، وفقا لوزارة الدفاع في موسكو، مما هو عدد أكبر بكثير من المعتاد. ويرى بافل باييف أن الروس سيزيدون من كثافة حملتهم. إذ يقول إن الجماعات المتمردة في بعض المناطق ليست معتادة على الهجمات الجوية، ولكن “مدى فاعلية المفاجأة التكتيكية قصير بحكم تعريفها، ومن أجل المواصلة في إحداث فرق، ولكي يُصبح للحملة تأثير حقيقي، تحتاج روسيا إلى تصعيد حملتها.”

ويرجع محللون ذلك إلى سببين، أولهما أن الغارات الجوية المكثفة ستسمح للقوات البرية السورية، التي تدعمها العناصر الشيعية الإيرانية والعراقية، باسترداد السيطرة على الأراضي من المتمردين. كما أن عملية تنسيق الهجمات الروسية تُدار من خلال غرفة العمليات المشتركة في بغداد التي أصبحت تعرف باسم “4 + 1″ والتي تشمل سوريا وروسيا وإيران والعراق و”حزب الله.”

وإحدى العلامات الواضحة للتقدم الذي تحرزه روسيا يمكن أن يظهر في المناطق المحيطة بحلب، حيث تتحدث تقارير متعددة عن زيادة القوات هناك بشكل ملحوظ. كما ذكرت وكالة أنباء “فارس الإيرانية” شبه الرسمية، الأربعاء أنباء عن “استعداد الجيش السوري وحزب الله اللبناني والقوات الجوية الروسية لعملية واسعة النطاق من خلال غرفة قيادة مشتركة”، لاستعادة السيطرة على المدينة في الأيام المقبلة. وقد شهدت تلك المنطقة مقتل اثنين من كبار القادة الايرانيين.

أما السبب الثاني لإلحاح الروس هو أن الشهر المقبل ستجتمع قمة
“G 20”
في تركيا، وكان بوتين قد أعلن حضوره. وهدف الروس، وفقا للعديد من المحللين الذين تحدثوا إلى “سي ان ان”، هو القدرة على إثبات جدوى حملتهم، مما يؤدي إلى ترسيخ دورهم في رسم أي تسوية سياسية مقبلة في سوريا. فالبعثة السورية تعمل لصالح موسكو فقط إذا أعادت لها مكانها على طاولة المفاوضات.

رد فعل الخليج

ذلك “الدور الحاسم” كان من المرجح على جدول الأعمال عندما التقى بوتين مع ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، في منتجع “سوتشي” على البحر الأسود في نهاية الأسبوع الماضي.

وعقب المحادثات، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن روسيا والمملكة العربية السعودية “تفهمان بشكل أفضل كيفية التحرك نحو حل سياسي” في سوريا. وأضاف: “قبل كل شيء (إن ذلك الحل هو) عدم السماح للخلافة الإرهابية بالاستيلاء على البلاد.”

لكن في الوقت نفسه، يعادي السعوديون تحالف “4+1” الذي يضم قوى شيعية مع روسيا. فقد رعت السعودية الجماعات المتمردة التي تستهدفها الآن الغارات الجوية الروسية. وقال محمد بن سلمان بعد اجتماع “سوتشي” إن السعودية سوف تدعم الحل فقط إذا أدى إلى رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد.

وفي غضون ذلك، عززت السعودية قوات حلفائها عن طريق إمدادهم بالمئات من دبابات “تاو” أمريكية الصنع المضادة للصواريخ، والتي أضعفت تقدم النظام السوري. وأغضب التدخل الروسي تركيا أيضا وخصوصا اقتحام مجالها الجوي. كما أن لديها حلفاء بين الجماعات المتمردة، وخاصة “أحرار الشام”، وهي جماعة إسلامية ذات أهمية متزايدة.

وهناك إمكانية أو احتمال بأن حرب الاستنزاف على الأراضي السورية سوف تتصاعد، ولكن من دون أي حل. فحتى الآن، وفقا للتقارير الواردة من سوريا، اكتسبت قوات النظام السوري بعض الأراضي بين حمص وحماة، ولكنها اقتصرت إلى حد كبير على المناطق الريفية. ويضمن ذلك لنظام الحكم بعض التقدم بهدف استعادة أراضي كافية لضمان ممرات من دمشق إلى الساحل.

كشف احتيال روسيا

ويختلف باييف وزميله في معهد بروكينغز، جيرمي شابيرو، حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تترك بوتين ليكتشف مدى صعوبة أن يكون له تأثير على أرض المعركة السورية.

ويقول شابيرو إن على البيت الأبيض أن يصغي إلى كلمات نابليون، الذي حذر في مقولة شهيرة: “عندما يرتكب عدوك خطأ، لا تقاطعه.”

هذه هي الأيام الأولى في الحملة الروسية، ولا تزال هناك بعد فرصة لتفجيرات انتحارية على إحدى المرافق الروسية، أو قد تتمكن جماعة متمردة عن طريق الصدفة باستهداف مواقع روسية بصاروخ “كاتيوشا.” ويعتقد خبراء مجلة “جاين” أن من المرجح إسقاط طائرة هليكوبتر روسية على الأقل، نظرا لأنها تحلق بارتفاعات قريبة من الأشجار.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن جميع الأطراف يؤمنون بقدرتهم على تحقيق تأثير حاسم في سوريا عن طريق قواتهم المسلحة. ولكن فقط في حال الوصول إلى اقتناع جماعي بأن كمية الأسلحة الهائلة المنتشرة في البلاد لن تغير موازين القوى، سيظهر الطريق إلى حل سياسي.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.