بقلم: عضيد جواد الخميسي
قامت في سوريا أهم الحضارات في التاريخ القديم ، فمنها مملكة ( كانا ) القديمة التي ازدهرت في الألف الثانية ق.م قرب التقاء نهري الفرات والخابور. كما اكتشف النحاس وابتدعت خلطة البرونز في تل حلف على ضفاف نهر الخابور منذ الالف الثالثة ق.م . وفي مملكة ماري ( تل الحريري ) على نهر الفرات كانت قصور ورسوم شهدت ازدهارا ثقافيا وتجاريا في الفرات الاوسط وبين الشرق والغرب . وفي ( مملكة اوغاريت ) قرب ميناء اللاذقية على البحر المتوسط تطورت طريقة كتابة ابجدية إحدى الأبجديات القديمة في العالم . أما في مملكة ابلا ( تل مرديخ ) فقد اكتشف في قصرها الملكي مكتبة وثائقية كبيرة تضم الاف الرقم والمخطوطات تنظم أمور الإدارة والتجارة والدبلوماسية والصناعة وعلاقات الحرب و السلم مع الحضارات الأخرى في عصرها.
أهل الممالك التي وقعت على أرض سورية العصرية كانوا يعرفون بالعموريون أو أموريين ( الالف الثالثة قبل الميلاد ) وبالكنعانيين والفينيقيين ( سكان الساحل السورى ) وبالآراميين (سكان المناطق العليا والجنوب) في سوريا الداخل والأنباط (بعض من سكان الجنوب ) وفي الشمال ممالك الحثيين .
وقد قامت على ارض سوريا حضارات كثيرة اخرى مثل حضارة اليونان والرومان ، وتنتشر الاثار والمدن الرومانية بكثرة في مناطق مختلفة من سوريا وتعد من أهم المدن الاثرية الرومانية في العالم ، وعبر أراضيها كان يمر طريق الحرير القادم من الصين وكانت محطته السورية الاولى دورا أوروبوس ( الصالحية ) ثم تدمر الشهيرة وبصرى وحمص وحلب إلى أن يصل إلى مرافيء البحر الابيض المتوسط منطلقا من السواحل والموانىء السورية .
قامت على ارض سوريا حضارات كثيرة وسكنها شعوب شتى يمكن تعدادها على الترتيب : الكنعانيون ، العبرانيون ، الأراميون ، الحثيون ، البابليون ، الفرس ، الاغريق ، الرومان ، النبطيون ، البيزنطيون ، العرب ، و جزئيا الصليبيون ، وأخيرا كانت تحت سيطرة الأتراك العثمانيون ، كما انها خضعت للانتداب الفرنسي بين عام 1921 و 1946 .
كانت موطنا للآراميين في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، تعاقب على حكمها الآشوريون والكلدانيون و الرومان والفرس، وسقطت بأيدي الاسكندر الأكبر عام 333 ق.م. وبعد وفاته، أصبحت دمشق جزءاً من المملكة السلوقية. احتلها الإمبراطور الروماني بومبيي الأكبر عام 64 ق.م واصبحت من أهم المدن في العصر الروماني .
دخلت المسيحية إلى دمشق في السنوات الاولى لانتشار المسيحية ، وأصبحت فيما بعد مركزاً مسيحياً مهماً انارت الدنيا بالحضارة ومنها انطلق القديسين والرسل لنشر والتبشير بالديانة المسيحية .
وقد ارتبط تاريخ دمشق بالعالم اليوناني لفترة تقدر بحوالى عشرة قرون، عرفت المدينة خلالها ازدهار الحضارة الهلنستية، حيث تمازجت عناصر الثقافة اليونانية مع الحضارة السورية الشرقية وثقافته وكذلك كافة الحضارت التي مرت بالمدينة في العصور القديمة .. أصبحت دمشق تحت حكم المسلمين في عام 636 للميلاد . بعد ذلك بمدة وجيزة أصبحت المدينة في أوج ازدهارها بعد أن أصبحت عاصمة للأمويين وامبراطوريتهم التي امتدت من إسبانيا إلى حدود الصين في الفترة من 661 إلى 750 للميلاد وكونت أكبر دولة اسلامية في التاريخ الاسلامي( الدولة الاموية ).
هناك العديد من الفرضيات حول منشأ كلمة سرياني او سريان فيعتقد البعض ان السريانيون سميوا بهذا الاسم نسبة إلى سوريا وطنهم التاريخي ، فباللغة السريانية يقال للشخص السرياني ,,سوريويو – سورايا,, اي سوري ، اما العربية استخدمت اللفظ نفسه الذي تداولها البيزنطيين للاشارة الى السوريين وهي,, سريان ,, . هناك فرضية اخرى تشير إلى ان السريان و السريانية مصدرها ,,الملك سورس,, الذي ظهر قبيل النبي موسى و هو من الجنس الآرامي و قد أستولى على بلاد سوريا و ما بين النهرين و بأسمه سميت هذه البلاد سوريا و أهلها ,, ,,سورسيين,, باللغة الآرامية ثم حذفت السين فصارت سوريين وكذلك سميت قيليقية نسبة إلى قيليقوس أخي سورس . إستنادا إلى كتابات المؤرخ ,,البير ابونا ,, والمستندة بدورها على تفسير ايليا (974 – 1046) مطران نصيبين النسطوري ، هناك شبه إجماع على ان السريان هو اسم ديني للكنيسة الانطاكية ولايحمل اي مدلول سياسي اوقومي ولم يكن يوما الاسم السرياني يشير إلى امة بل إلى الديانة المسيحية لا غير.
إستنادا إلى المطران,, لويس ساكو,, أستاذ اللاهوت المسيحي في جامعة بغداد و الحاصل على الدكتوراة في التاريخ المسيحي القديم، أطلق مصطلح ” السريان ” و ” السريانية ” منذ القرنين الثاني والثالث الميلاديّ على الآراميين وعلى الآرامية ، أي على اللغة و الثقافة التي سادت المنطقة ، بينما بقي الاسم الآرامي القديم غير مستحبّ و مرتبطاً بالوثنية اعتقادا وبالتالي يحسب السريان أنفسهم ورثة الآراميين مباشرة . بينما يعتبر البعض كالتنظيم الآرامي الديمقراطي أن ” السريان أقلية قومية تعيش في بلدان الشرق الاوسط ، وخاصة قي لبنان وسوريا وتركيا والعراق و الأردن ، دون أن يُعطى لها الحق في ممارسة وجودها القومي ودون ان تعترف دول العالم بحقوقها ” .
كان للسريان دور كبير في النهضة الفكرية والعلمية الإسلامية وخاصة في عهد الخلافة العباسية حيث اشتهر الكتاب السريان بدقتهم في الترجمة وخاصة ترجمة فلسفة أرسطو وأفلاطون وكانت لهذه الترجمات اثر كبير في بدايات الفلسفة الإسلامية .
انطاكيا:
كانت مدينة أنطاكيا أثناء حكم الامبراطورية الرومانية عاصمة سوريا وإحدى عواصم الامبراطورية الثلاث إضافة إلى روما والإسكندرية ، اعطتها هذه المكانة الافضلية لتكون عاصمة المسيحية في الشام واسيا فكان اسقفها هو الاب العام او البطريرك العام للمشرق اي ان سلطانه الروحي شمل جميع المسيحيين في تلك البقعة الجغرافية الواسعة على اختلاف قومياتهم واجناسهم ولغاتهم .
دخلت المسيحية أنطاكيا على يد اتباع المسيح الذين وصلوا إليها بعد ان تشتتوا في كل مكان بسبب الاضطهاد الذي اثاره عليهم اليهود حوالي سنة 34 م ، وزارها لاحفا الرسول,, بولس ,, ومكث فيها سنة كاملة يعظ ويبشر بالدين الجديد ثم جاء إليها ايضا ,,بطرس ,, الرسول حيث يعتقد انه اسس كرسيه الرسولي فيها سنة 37 م ، وفي هذه المدينة اطلق اسم ,, مسيحيين ,, على اتباع المسيح للمرة الاولى ، وفي القرن الخامس حصل الانشقاق في جسم الكنيسة إلا ان قادة الكنائس السورية حافظوا على لقب بطريرك أنطاكيا وذلك لإضفاء مظهر الشرعية في خلافة بطرس الرسول في قيادة الكنيسة ، ومنهم بطاركة السريان الأرثوذكس ولقب البطريرك الرسمي في هذه الكنيسة هو ,, بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس ,, .
عندما أنقسمت بلاد الرافدين إلى قسمين ، بين الهيمنة الفارسية و الرومانية ، تعرض السريان إلى ضغوطات سياسية وفكرية وبعد ان اصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية وظهرت إلى السطح افكار نسطور المتعلقة بالعذراء مريم بأنها ليست والدة الاله ، فقام الإمبراطور الروماني بطرد نسطور وملاحقة وتعذيب اتباعه حتى اضطر أغلبهم للهروب إلى فارس الدولة المعادية للرومان . واستمر هذا الحال حتى قدوم الاسلام في بداية القرن السابع الميلادي الميلادي فعقدوا اتفاقات سلام مع الخلفاء المسلمين وبالأخص عمر بن الخطاب وحرروا عقوداً بينهم وبين السلطات الدينية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية والنسطورية بعدم التعرض لهم لقاء دفع الجزية السنوية .
اثناء الحملات الصليبية ابيد عشرات الألاف من السريان وتم تدمير القرى السريانية كما عانى السريان من مذابح كبرى منذ بداية الحكم العثماني وحتى بداية الحرب العالمية الأولى وكان أعنفها وأقساها مذابح 1914 ـ 1919 حيث ذهب خلالها أكثر من 300,000 قتيل .
كانت أنطاكيا مقر الكرسي السرياني الأنطاكي حتى سنة 518 م ، وبسبب الاضطهادات التي عانت منها هذه الكنيسة نقل مقر رئاستها إلى اديرة اعالي بلاد مابين النهرين ، واستقر في دير الزعفران في القرن الثالث عشر قرب ماردين شمال شرق سوريا وبقي هناك حتى عام 1933 م حيث انتقل إلى مدينة حمص السورية واخيرا انتهى به المطاف في دمشق العاصمة السورية عام 1959.
على مدى تاريخها الطويل عانت هذه الكنيسة في سبيل إيمانها الامرين ، حتى ان بطريركها السابق ,, إغناطيوس يعقوب الثالث ,, في إحدى مؤلفاته اعتبر وجودها واستمرارها حتى اليوم معجزة ، وفي اثناء الحرب العالمية الأولى قتل وذبح من السريان قرابة النصف مليون بحسب المصادر السريانية والغربية وذلك على يد الأتراك العثمانيين والمليشيات الكردية في منطقة طور عبدين في جنوب تركيا ، تزامنت تلك المذابح مع مذابح الأرمن التي قتل فيها المليون ونصف المليون أرمني على يد الأتراك و الأكراد أيضا . قدم المؤرخون اراء عديدة بتحديد اسباب تلك المذابح ولكن السبب الرئيسي والمعلن كان القضاء على الكفار من غير المسلمين واعتبارهم بحكم الهوية الدينية عملاء للدول الغربية ، مع العلم أن السريان كانوا يعيشون عيشة القرويين البسطاء ولم تتمكن اي دولة غربية من فرض الوصاية عليهم فهم يعتبرون أنفسهم كنيسة مستقلة إداريا خاضعة لسلطة بطريركها الأنطاكي الشرعي .
وفي الكنيسة اليوم أكثر من اربعين ابرشية ويرأس كلا من هذه الابرشيات مطران يدير امورها الروحية والاجتماعية ، وكان لهذه الكنيسة فيما مضى مئات الأديرة العامرة بقي منهم اليوم عددا قليلا ، اشهرها دير,, مار متي,, قرب الموصل في العراق ، و دير,, مار كبرئيل,, في طور عبدين جنوب تركيا ، و دير,, الزعفران,, خارج ماردين في تركيا أيضا ، وأخيرا دير,, مار مرقس,, في القدس والذي يعتقد ان فيه أقام السيد المسيح عشاءه الأخير ، ويوجد للكنيسة معاهد لاهوتية عدة أهمها معهد مار افرام اللاهوتي في (دمشق ـــ معرة صيدنايا) ، وتقوم هذه المعاهد بإمداد الكنيسة بالكهنة والرهبان والراهبات .
يربو عدد أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم على 2 مليون نسمة الأغلبية منهم في الهند والبقية منتشرون في سوريا , لبنان ، العراق ، الأردن ، الأراضي الفلسطينية ، تركيا ، مصر واوروبا وأمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية والوسطى واستراليا ونيوزيلندا وتتالف الكنيسة في الوقت الحالي من 24 أبرشية عدا أبرشياتها في الهند …
المصادر
——–
وديع بشور ــ سوريا صنع دولة وولادة أمة ـ دار اليازجي ــ دمشق ــ 1994.
عدد من مؤلفي مركز الدراسات والابحاث الرعوية لرعية أنطلياس ــ لبنان ــ1995.