سارة صالح- روزنة
عشت طفولتي مع أم تنتظر زوجها الغائب خلف سجون الاستبداد، كنت أستشعر فرحها بلقائه حين تصطحبنا لزيارته بين فترة وأخرى كنت أرى جدتي أيضاً وهي تعد الأطعمة لابنها و ” للشباب ” وتغلفها بمهارة امرأة تعملت الانتظار، مثلها مثل باقي الجدات . في الطريق إلى صيدنايا في تلك الحافلة التي تغص بالنساء والأطفال والقلة القليلة من الرجال، نعبر معاً مسافة الشوق إلى دمشق للحصول على إذن الزيارة من المحكمة العسكرية، لنصل للمجادلات هنا وهناك ريثما تتمكن تلك النسوة من الحصول على إذن يمكنهن من إدخال كل ما أحضرنه دون ان تضطر إحداهن لإعادة ما جهزته لابن أو لأخ أو لزوج، إذ لاتعترف السجون بالأصدقاء ووحدها علاقات الدم من يحق لها الزيارة!!
يبدو هذا ترفاً في هذه الأيام، وكم يبدو شغفاً في استرجاع دفتر مذكراتك الطفولي مع المستبد، لو فكرت قليلا لما كتبت تلك المقدمة، ربما كنت سأكتب عن صور المخيمات اليوم التي تعج بالنسوة والأطفال، عن الانتظار وأشياء مرة، عن الفتيات الجميلات اللاتي نسين زينتهن في الانتظار، وعن السنوات التي مضت وتمضي دون لمسة الحب على الجبين، عن عمر يسير دون ان يفكر أحد بأنوثتهن وفساتينهن وطلاء الأظافر،عن أطفال يرسمون أباً في أحلامهم، لكن لغتي عقيمة ربما، إنها لاتصف نظرات أطفال المخيم التي تتناقلها الكاميرات، بل لاتتمكن من محاورة صبية عشرينية يجعلها الحزن أجمل من أنجيلنا جولي ومثيلاتها، تلاعب شعر أخيها الصغير بأصابع خجولة، تنتظر الحب ليمر قرب الخيمة وتفتعل الأمل.. أذكر فيما أذكر أن ” في ذاكرتي سجن “، أفهم كيف يكون الحنين حينما تعد النسوة حقائب الزيارات، وماذا يعني الأمل في ازدحام الألم، حينما ينظر السجين للأقفال ويحلم مفجراً العالم … حملت ذاكرة عن رائحة العطر الانثوي الذي يمر في المكان عندما يصغي ” الشباب ” لإذاعة مونتي كارلو المتاحة لهم كهبة من السجان بينما يمر صوت المذيعة قائلاً: ” صباح الخير” .. يعبر بهم إلى فضاءات الهيام إلى صوت الحبيبة ومتاهات الشغف. حملت ذاكرة عن الوسادة الذي اعتاد أبي ضمها حتى الآن في إشارة للفقد كمرض عضال ما عاد يستطيع التخلص منه، وأتساءل بعبثية مابين لهو وجد : هل تملك نساء المخيمات وشبانه وسادات كافية !! تقول إحداهن : ولد الصغير في مخيم دوميز دون أب يحمله بين يديه … فترجع بي الذاكرة كمثل شريط سينمائي إلى اللاتي وضعن مواليدهن في سجن النساء، هناك حيث أنهكت الرطوبة قلوبهن، هي الحقيقة المرة المقاربة والمشابهة بين زمنين أو زمن واحد ربما، كم كانت تلك التفاصيل مخبوءة وكم احتاجت لدم لتصل إلى العالم !!إنها تشق بعريها الواضح وشكلها الأكثر فجاجة، وبراعة في الإيلام كتامة الصمت، كمارد خرج من مصباحه تواً ينفض عنه غبار سني النسيان والتغافل، لتبدو سوريا منجم الذاكرة والتفاصيل الكثيرة سترويها أجيال قادمة، وأجيال ترتحل، هي حكايا الأمل والحنين والانتظار تلك الحكايا التي لا يعرفها المستبد . عرياً … عرياً أيها الإنسان السوري !عشت طفولتي مع أم تنتظر زوجها الغائب خلف سجون الاستبداد، كنت أستشعر فرحها بلقائه حين تصطحبنا لزيارته بين فترة وأخرى كنت أرى جدتي أيضاً وهي تعد الأطعمة لابنها و ” للشباب ” وتغلفها بمهارة امرأة تعملت الانتظار، مثلها مثل باقي الجدات . في الطريق إلى صيدنايا في تلك الحافلة التي تغص بالنساء والأطفال والقلة القليلة من الرجال، نعبر معاً مسافة الشوق إلى دمشق للحصول على إذن الزيارة من المحكمة العسكرية، لنصل للمجادلات هنا وهناك ريثما تتمكن تلك النسوة من الحصول على إذن يمكنهن من إدخال كل ما أحضرنه دون ان تضطر إحداهن لإعادة ما جهزته لابن أو لأخ أو لزوج، إذ لاتعترف السجون بالأصدقاء ووحدها علاقات الدم من يحق لها الزيارة!!
يبدو هذا ترفاً في هذه الأيام، وكم يبدو شغفاً في استرجاع دفتر مذكراتك الطفولي مع المستبد، لو فكرت قليلا لما كتبت تلك المقدمة، ربما كنت سأكتب عن صور المخيمات اليوم التي تعج بالنسوة والأطفال، عن الانتظار وأشياء مرة، عن الفتيات الجميلات اللاتي نسين زينتهن في الانتظار، وعن السنوات التي مضت وتمضي دون لمسة الحب على الجبين، عن عمر يسير دون ان يفكر أحد بأنوثتهن وفساتينهن وطلاء الأظافر،عن أطفال يرسمون أباً في أحلامهم، لكن لغتي عقيمة ربما، إنها لاتصف نظرات أطفال المخيم التي تتناقلها الكاميرات، بل لاتتمكن من محاورة صبية عشرينية يجعلها الحزن أجمل من أنجيلنا جولي ومثيلاتها، تلاعب شعر أخيها الصغير بأصابع خجولة، تنتظر الحب ليمر قرب الخيمة وتفتعل الأمل.. أذكر فيما أذكر أن ” في ذاكرتي سجن “، أفهم كيف يكون الحنين حينما تعد النسوة حقائب الزيارات، وماذا يعني الأمل في ازدحام الألم، حينما ينظر السجين للأقفال ويحلم مفجراً العالم … حملت ذاكرة عن رائحة العطر الانثوي الذي يمر في المكان عندما يصغي ” الشباب ” لإذاعة مونتي كارلو المتاحة لهم كهبة من السجان بينما يمر صوت المذيعة قائلاً: ” صباح الخير” .. يعبر بهم إلى فضاءات الهيام إلى صوت الحبيبة ومتاهات الشغف. حملت ذاكرة عن الوسادة الذي اعتاد أبي ضمها حتى الآن في إشارة للفقد كمرض عضال ما عاد يستطيع التخلص منه، وأتساءل بعبثية مابين لهو وجد : هل تملك نساء المخيمات وشبانه وسادات كافية !! تقول إحداهن : ولد الصغير في مخيم دوميز دون أب يحمله بين يديه … فترجع بي الذاكرة كمثل شريط سينمائي إلى اللاتي وضعن مواليدهن في سجن النساء، هناك حيث أنهكت الرطوبة قلوبهن، هي الحقيقة المرة المقاربة والمشابهة بين زمنين أو زمن واحد ربما، كم كانت تلك التفاصيل مخبوءة وكم احتاجت لدم لتصل إلى العالم !!إنها تشق بعريها الواضح وشكلها الأكثر فجاجة، وبراعة في الإيلام كتامة الصمت، كمارد خرج من مصباحه تواً ينفض عنه غبار سني النسيان والتغافل، لتبدو سوريا منجم الذاكرة والتفاصيل الكثيرة سترويها أجيال قادمة، وأجيال ترتحل، هي حكايا الأمل والحنين والانتظار تلك الحكايا التي لا يعرفها المستبد . عرياً … عرياً أيها الإنسان السوري !
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟بقلم علي الكاش
- مباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراثبقلم مفكر حر
- دراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.بقلم آدم دانيال هومه
- ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني … غدت ضرورية غربية ودولية **بقلم سرسبيندار السندي
- الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولودبقلم مفكر حر
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
أحدث التعليقات
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **