الخير والشر جدلية السماء والكون والحياة .
هناك غايات تنحط لتلامس النفايات .
ما هو النفاق المزدوج ؟
عصمت شاهين دوسكي
الجزء الثامن
كتابة الشعر تجربة غاية في التعقيد والتبسيط عند الشاعر المتمكن المبدع كونها حياة خارج الزمان والمكان تضطرب فيها عوالم بناء الخيالية والواقعية والروحية والفلسفية والنفس المتصوفة السرمدية الجمالية ، ترسو العواطف والمشاعر الإنسانية وتتجاذب تجليات الاغتراب والاقتراب بينهما بالحساسية النقية الفطرية العالية وتتنوع فضاءاتها الخلاقة التي تفعل وتحرك أركان ومساحات الزمان والمكان والأمان والاطمئنان في لغة إنسانية محرابيه إبراهيمية تتفاعل مع محيطها وكينونتها وجوهرها بروحية المدرك وحيوية الواثق وإن وظف بطريقة روحية راقية الرموز والأدوات والدلالات ، فالكشف النصي يتوحد بنفس دينية بين تجليات الشرير والصليب ، اتخذ الشاعر إبراهيم يلدا جدلية السماء والكون والحياة ” الخير والشر ” على الرغم من كونها من المسلمات والبديهيات وسنن متعارف عليها منذ خلق ” آدم وحواء ” وخروجهما من الجنة ، التجربة الشعرية في هذا الإطار الروحي تستوعب مساحة للكشف ، للرؤى لتسلك طريقا عميقة وتعبر عن المكنون والظاهر لكن الأفواه صامتة تصم الأذان وتسكت الوعي الذاتي وتتحكم في يومه وسلوكه وطبيعته ، الشاعر له قدرة غامضة على تفعيل وتأويل وتحريك العلاقات والرموز والدلالات في البنية النصية وقدرة لغوية متناغمة مع المفردة الإبراهيمية لا لتبني من الخيال افتراضات وتهدم بيانات على الواقع بل يدخل محراب اللغة لكي ينشئ صلات متغيرة ومتلائمة مع القارئ من خلال التجربة والنص الشعري في القدرية الإنسانية ” الخير والشر ” النور والظلام ، الحب والكره ، ومن خلالها يجسد قول المسيح وقول الله دون توتر وشحن وفتح أبواب النص لكل الاحتمالات .
(( حين يخطأ الجاهل لجهله ومن غير ان يدري
يغفر له لا من البشر وحدهم بل ومن الله
ولكن حينما يعود ويكرر الخطأ نفسه
سيحاسب كخاطئ لأنه كان يعي ما يفعله )) .
يصف الشاعر إبراهيم يلدا صورة الشيطان ومكانه وما يقصده من معان ضمنية ، فهناك مريدون ومناصرون للشيطان للشر ” الشيطان المتربص أمام الصليب ” يا ترى أي شيطان يقف أمام الصليب ؟ هل يعني الإنسان ؟ ” بل الشرير الذي يقف وراء الصليب وهو إبليس ” ربما يرجع هذا التصور الإنساني والإبليس لأشكال شعرية حاولت منذ قرون من الزمان إن تخضع لمتطلبات وتطلعات عصرية جديدة ومن خلالها يقوم بتفعيل وتحريك عملية الدمج والتقارب الإنساني الإبليس تستند على الفضاء الديني الرحب الذي يطوف في الحياة البشرية بين رؤى الخير والشر بل بتفرد إلى مدى الحياة ، فالصراع الفكري الهمس يتجلى بين الشيطان وراء الصليب والشيطان أمام الصليب ونتيجة المعادلة ” شيطان ” لكن واحد يتحدث باسم ” الإنسان ” والآخر يتحدث باسم ” المسيح ” هذا النفاق المزدوج يتفرد في صور الشاعر إبراهيم يلدا لأنه يأبى كأي إنسان أن يكون بين المنافقين والدجالين حتى لو يعد الآخر موقفه هذا من روح التمرد والعصيان للعلاقات الإصلاحية الاجتماعية ألمحرابيه كونه يدرك الصور الواقعية ويميز بين الخير والشر ، بين الشرير والصليب ، ويدقق في المستوى الخطابي النصي لجعله صورة شعرية استكشافية يراد منها خير البشرية والرؤية النقية الإنسانية في كل زمان ومكان ، تنفذ بمفرداتها الإبراهيمية إلى ما وراء الضبابية والصندوقية والغرف الإرشادية المغطاة بستائر عادية .
(( أنا لا اقصد بهذا
الشيطان المتربص أمام الصليب
بل الشرير الذي يقف وراء الصليب وهو إبليس
الذي اعنيه هو الذي يجوب باسم المسيح
ويسلك طريقين
احدهم للأتقياء وآخر للمزيفين )) .
لغة الشاعر إبراهيم يلدا سهلة وفي نفس الوقت ممتعة يبنيها وفق المواضيع والمضامين الاجتماعية التي تحيى وتلامس يومية الإنسان بنسق جميل بعيد عن الغلو والتعقيد ومن خلال العلاقات الدلالية التي يطرحها ” الصليب ، الإبليس ، المسيح ، يهوذا ، قبلة يهوذا ” هذه القبلة التي تصور بغريزة شريرة خلقت من ورائها غايات تنحط لتلامس النفايات فهو يسقي سما للأمل ليقتله وغن تفوه بالكلام تجلى الهلاك وإن تحدث باسم المسيح هدفه علامة أنانية وغاية فلا تلاعب في المرجعيات الكونية ولا تحوير في الخلق ألسمائي فالشيطان إن كان أمام الصليب ” الإنسان ” أو وراء الصليب ” الإبليس ” أو قبلة يهوذا فهي صور وسوسة شيطان ، لها خاصية مجردة وأفعالهم معروفة ظاهرة للعيان إن باتت سياسية ، دينية ، اجتماعية أو ذاتية ، هذه الخاصية توحي دلالات ومعان في مدارات إنسانية متفتحة وإن تمرد عليها الشاعر لسلطتها وهيمنتها الصارمة ولا يعني الجميع فما بين المنافقين والمنافقين مخلصون ” لو خليت قلبت ” فالوحش الصارم ظاهر رغم قناع البراءة ومهما تزين وتجمل .
((خارجه مؤمن وداخله ثعلب ماكر
يُقبِل بصوت عالي إلا أن قبلته كقبلة يهوذا
خلق من تلك الغريزة الشريرة المملوءة بالنفايات
يسحق بقدميه كل الأوامر والعلوم
وحين يقترب منه المريض طالبا الشفاعة
يسقيه سما ليقتل ما فيه من الأمل
وحين يتفوه بكلام ما ، يطرد زميله إلى الهلاك
وان تحدث باسم المسيح هدفه ليظفر على المتوحش )) .
كل الكتب السماوية حذرت من المنافقين الذين يخربون ولا يعمرون ، يفرقون ولا يجمعون ، يفسدون ولا ينمون ، وإن لبسوا رداء النقاء والصفاء فالمسيح تنبأ بفعل يهوذا وقبلته لم تزكيه ، ومن بعد المسيح ” الملا فنه ” وهم رجال دين مشرقيون ورومان تفتخر الكنائس بوجودهم ، الذين زينوا كنيستهم بتصنيفهم الثمين ومنهم ” مار افرام النصيبيني ” في القرن الرابع ولد في نصيبين في عهد الملك قسطنطين سنة 306 م وتوفي سنة 373 م وترساي والمعلم الكبير باباي وهم من مدارس دينية توجيهية كمدرسة الرها ومن أئمتها مار أفرام الكبير ومدرسة نصيبين الكبرى في القرن الرابع وفي هذه المدرسة علم ترساي الشهير 507 م وباباي الكبير 627 م وهناك مدارس عديدة ومنها المدائن وأنطاكيا وقسرين ورأس العين ودير صوما ودير البارد وغيرها نادوا ” استفيقوا من الأنبياء الكذبة ” وهم الذين يحملون كساء الحمل الوديع والقرآن الكريم صريح بهذا الشأن ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ” آية “144” سورة النساء وهو تحذير قائم للأبد .
((ومن بعدهم
الملافنة افرام ونرساي والمعلم الكبير باباي
استفيقوا من الأنبياء الكذبة الذين ينادون باسمي
فان كان يعمى الأعين المريضة
فماذا بصدد المتعافية
إن كان يخفي ملابسه خفية
فالمخفي لدى الله يتجلي
وان خلص نفسه من البشر
فإلى أين سيذهب من أمام الرب
سيدينه بعين الحق
فالله عليم بالقلوب )) .
المنافق مهما طال أمده ومهما كان شيطانه لعوبا في هيكله العام ليس مخفيا بل ظاهرا فإن كانت الأعين المريضة لا تراه على حقيقته فهناك أعين متعاقبة بصيرة والله يجليه إن طال الزمن أو قصر ” فالله يمهل ولا يهمل ” حينها أين سيلجأ أمام الرب سيدان ويقف عاريا وتشهد عليه عيناه ولسانه وشفتاه وساقاه وقدماه ويداه وكل عضو في جسده فالله عالم بالقلوب عالم بالخير والشر ، الشاعر إبراهيم يلدا أتقن جدلية الخير والشر من خلال ” الإنسان أمام الصليب والشيطان وراء الصليب ” بمضامينها وبعدها وألوانها وأقنعتها وفضاءها الجديد ، يضيف إليها بأسلوبه الشعري المميز صور شعرية شفافة اعتاد عليها ليدخل روح القارئ معه ويشاركه في الرؤية فكرا وإحساسا لتصبح أيقونات الخير والشر علامة تتحرك في مدارات واسعة خارج مدارها المحراب إلى المدار الإنساني العام فلغته غير منحازة وأن تجلت بل تحاول أن تقف في المعنى المباشر ولتفسر جدلية الخير والشر نفسها بذلتها على مقاييس الفهم العادي السائد في العالم .
***************************************************
الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد – الجزء الثامن – طبع في أمريكا وفي مدينة
Des Plaines
دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة
Press Teck .. بريس تيك . 2018 م