الخلاص الروحي والفكري في جوهر تحقيق الحلم والأمل.
القوة الملتزمة الحضارية تجسد الوجود العميق
يعد الشعر جامحا لمختلف الأشكال الكتابية .
عصمت شاهين دوسكي
الجزء العاشر
يخفي نص الشاعر إبراهيم يلدا البلاغة والصور الشعرية والبنائية ، لأن مضامينه تستطيع أن تنفذ حينا ما لتصرح عن نفسها بشكل جميل وتظهر تلك الكينونة بكشف العلاقات الدلالية والرمزية والإيحائية التي تقع داخل النص الشعري مع الانسجام الراقي في سرد الأفكار والتطلعات في مداراتها السليمة ، وقد جمع مجموعة من المقاطع الشعرية المعاصرة لتغدو بين الحلم والأمل وسماها ” أغنية للوطن ” بإحساس مرهف وفكر متقد بالحقائق الحضارية والوجودية والإنسانية حيث بنى أفكاره على هيمنة وطنية أساسها الأرض والإنسان ، إن الصور الشعرية ” نحن ” ترتبط بدلالات إن الفرد لا يتمكن مثلما تتمكن الجماعة ” نحن ” وصورة ” النهرين ” قوة ملتزمة بمضامين حضارية تجسد الوجود العميق للوطن الذي يولد أفق احتمالية بين الحلم والأمل وترقى في جوانب النص بأطر مختلفة متعددة تكسر الصور الراكدة الجامدة الخامدة الذي يتجلى فقط ظاهرها .
(( نحن رجال نينويون
نحن أبناء النهرين
نشبه اسود
أبائنا القدامى )) .
أفق العلاقة بين التضحية والتحمل ، بين الحلم والأمل في طريق صعب يحمل الازدهار النفسي والزهو الذاتي والسمو الروحي ، أمام قضية وطن جميل ” الآشوريين ” حلم يتجدد في ذاكرة الإنسان الآشوري التاريخي الحضاري ويتجدد الأمل للوصول إليه ” ما بين النهرين ” وهو وصول إلى ” أرض الأبناء ” سلسلة من الأفكار لإيقاظ الحلم غير منقطع وسط تناقضات فكرية تنمو في عمق الصورة الشعرية حيث يوظف الشاعر القدرة الإيحائية المخصصة لمعان ومضامين تاريخية إنسانية في زمن عصري جديد .
(( بدماء أبنائنا نجعل الطريق
تزدهر أمام كل الأشوريين
لنصل بلاد ما بين النهرين
ارض الأبناء النجباء )) .
ينشأ داخل الإطار النصي الثقافي الاجتماعي الإيمان بالوطن وبالوجود حتى إن كان ضمن احتمالات وتصورات وأحلام وآمال ، فوجودها تجسد طريق الخلاص للوصول إلى الأمل الذي يصب في منبع الأحرار ، هذا المقطع المتنامي لا يستفز بل يتحكم بالرؤى مع التغيير المنضبط وفق توجهات فكرية نصية بعيدا عن الأشكال التقليدية التي ربما تمنع فتح نوافذ لفضاء الوعي واستيعاب القدرة على التحرر والتمرد وقد بدا هذا التمرد في تجارب قديمة كما في شعر الأبي تمام وغيره .
(( بإيماننا سنقسم
القسم الأشوري
لا بد لنا أن نصل إلى الخلاص
الذي هو أمل كل الأحرار )) .
استخدم الشاعر إبراهيم يلدا صيغة الشعر المركز على الوطن لكن في نص مفتوح ليعطي مجالا حيويا داخل وعي القارئ فصورة ” الوعد ، الشهداء ، أهداف ” ليست بعيدة عن مفهوم القارئ خاصة في التجارب الشعرية والفكرية للشاعر إبراهيم يلدا الموجهة للأمة ، إذ يعتبر شعره جامعا لمختلف الأشكال الكتابية رغم اختلافها بناءا وشكلا بصور مجددة راقية .
(( لنكمل الوعد الذي كتبه
الشهداء البررة بدمائهم
المستفيضة في حقول المعركة
من اجل أهداف امتنا السامية )) .
اكتشاف العناصر والارتباطات المضمرة في النص الشعري والعلاقات التي تنشأ فيما بينها ومعرفة الأطر التي تستند عليها فضلا عن العمق التاريخي المقترن بالوعي والفكر نلاحظ امتداد حضاري مرتبط بأفكار الشاعر ، يلهمه التنوع والتنور والتصور لذلك عند قراءتي لنصوص الشاعر إبراهيم يلدا أتوقف وأتأمل فهو يستعين بالقدرة السامية على التأويل والإحساس بتصور العلاقات الظاهرية والجوهر الضمني بمسار وعي ناضج وحكيم حينما يوظف ” دجلة والفرات ، الحياة الأبدية ” لذلك بلا وعي منا ننساق مع الإيحاء المباشر الذي يقدمه الشاعر من خلال الجمل واللغة المنتقاة واختياره الخلاق لصور شعرية نامية ولا يكون حذرا شديدا من تأثيرات الكلمات التي يوظفها فهو شاعر متمكن من رؤية المعاني المفهومة والتي تكون أمام القارئ واضحة مفهومة متأثرا بصورها ومضامينها التي لا تقيد خياله وتهدم نسج أفكاره في رؤى المعنى المباشر للنص الشعري فكلمات الشاعر إبراهيم يلدا فريدة ومميزة غير قابلة للتغيير والتبديل والتحوير وهذا هو الإنطباع الأولي في قراءة نصوصه الفكرية على الرغم من ما فيها من أوجاع وعذابات ونزيف من الجراحات المولودة منذ زمن والمتجددة في محراب الحضارات الإنسانية .
(( من دجلة والفرات سنرتوي من جديد
مياه الحياة الأبدية
اسمنا سنختمه بالسيف
المنقوش في أعماق الصخور )).
نلاحظ إن كل كلمة داخل النص لها وقعها وتأثرها وانفعالها وأهميتها في تكوين النص الشعري شكلا ومضمونا ومعنى ، أي العلاقات فيما بينها ملتزمة في سياق جملة وصورة شعرية تخضع لفكر ورؤية وإحساس الشاعر ، وهي طوق نجاة وخلاص يلجأ إليه القارئ عندما يشعر أن أبواب الوعي والفهم مغلقة أمامه أثناء القراءة ، يتمكن الشاعر إبراهيم يلدا خلق موازنة بين الصعوبة وعدم إمكانية فهم النص بوجود سياق روحي وإحساسي متناغم وبتواصل القيم المذكورة ” نحن ، آبائنا القدامى ، دماء ، ازدهار ، نهرين ، إيمان ، الخلاص ، الأحرار ، الوعد ، الشهداء ، الأهداف ، ارتواء ، حياة أبدية ، سياق هذه القيم والصور الشعرية تكمن في تراكيبها باعتبارها أداة تشكيل المعاني الضمنية واعتماده على روح التوافق ” الوطن ، دجلة والفرات ، أشوريين ” الذي يهيمن على المكتوب والمنطق الذي يجسد في كثير من الأحيان قصيدة ليست تقليدية بقالبها الحديث وشكلها العصري وإن بدت معانيها منذ قرون طويلة في نسق الكتابة ، لكن بدا إشراقها في النسق الشعري الكفيل في إتمام الرؤى الجديدة بأدوات معرفية شعرية ليأخذنا إلى إكمال الفهم والاستيعاب ، الشاعر إبراهيم يلدا يضع القارئ أمام المفاهيم الماضية والحاضرة ، بين الحلم والأمل ويتعامل مع النص والقارئ بصورة واحدة ليلتقيا وفق دلالات وتركيبات ضمنية معنوية منفتحة على بعضها حيث يعتمد الشاعر على المستوى السطحي الشكلي للجملة والمستوى العميق ليصل من خلالها إلى الخلاص الروحي والفكري في أعماق جوهر الحلم والأمل ، الوطن الإنسان والأرض .
*************************************
الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد – الجزء العاشر – طبع في أمريكا وفي مدينة
Des Plaines
دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة
Press Teck .. بريس تيك ..2018 م