عبد الرزاق عيد: الحوار المتمدن
يعيد الصديق العزيز الشاب المغربي وديع أزمانو أحد رموز الوعي المدني الديموقراطي لشباب الربيع العربي، رواية الحادثة الشهيرة بين أبي العلاء المعري، وابن صالح بن مرداس –صاحب حلب- الذي جرد حملة بقيادته لتأديب أهل المعرة بعد عصيانهم، ورفضهم دفع الضرائب للدولة …ومن ثم عودة ابن مرداس وجيشه، ورفضه قتال أهل المعرة ما دام بينهم (شيخ المعرة أبي العلاء المعري) …
ابننا العزيز وديع يأخذ بإحدى الروايات التي تؤول عودة الجيش عن قتال أهل المعرة، كان احتراما لشيخوخة المعري الضرير … وهو ما يعبر عن القيم التي تحترم الشيخوخة ، وهي من قيم الحضارة الإسلامية ….
وذلك بمواجهة هذه الحادثة التاريخية المعبرة عن الاستبداد (النبيل / معادل عصره ) لأبناء البيوت الكريمة كـ(ابن مرداس )، بالمقارنة مع طغاة عصرنا الصغار من أبناء حظائر الخنازير التي هي أطهر من أطهرهم …!!!
وهو يقدم مثال (الخنزير سليل القنانة الرعاعية الأسدية)، أي الثأثاء ابن أبيه الأسدي (المعتوه الكيماوي) الذي يدمر حاضر سوريا ورموز ماضيها الحضاري والوطني والتاريخي ومستقبلها الثقافي والسياسي المدني والإنساني ….
هذه القراءة لا تتعارض مع العديد من القراءات التارخية التأويلية لهذه الواقعة ،التي تتقاطع مع أطروحة (آدم ميتز ) الشهيرة، عن تسمية عصر أبي العلاء ( القرن الرابع الهجري ) بأنه عصر النهصة للحضارة العربية الإسلامية، إي أنه عصر مركزية العالم العربي الإسلامي للحضارة الإنسانية في شتى العلوم الإنسانية :الفلسفية والعلمية والسياسية، حيث كان لا بد أن تتلازم عبقرية أبي العلاء مع الفضاء السياسي القادر على احتضانها واحترامها ….أي خضوع سلطة (السياسي ) لسلطة العقل المفكر المبدع ، قبل أن تنتقل لـ( سلطة الفقيه) ، على حد تعبير الإمام الغزالي، الذي أسس لهذه السلطة رغم سخطه عليها، وذلك على حساب سلطة (العقل المعرفي لابن رشد )، ولا تزال الأمور على ما هي عليه منذ انقضاء القرن الرابع الهجري (زمن النهضة الفكرية الإسلامية العالمية)، قبل أن تنكفيء إلى (حضيض الأسدية – الداعشية ) التي حطمت تمثال رمزية العقلانية العربية … في صورة ( أبي العلاء ء المعري ) الذي تقول الرواية التأويلية الثانية: أن أبا العلاء لم يخرج خلال أربعين سنة من منزله، بعد أن غدا (رهين المحبسين ) بإرادته .. وذلك عندما طالبه قومه أن يخرج لمفاوضة (ابن مرداس ) ويرد عنهم كيده السلطوي …
فا ستقبله (ابن مرداس بحفاوة بالغة تليق بمكانة المعري أحد رموز القرن الرابع الهجري النهضوي ….فقال أبو العلاء شعرا، حيث كان الحاكم في ذلك العصر يفهم الشعر، وليس رمزه الفني والثقافي المتمثل بـ ( علي الديك … وضرب الفشك … كبيت الأسد …) …ومما قاله المعري لابن مرداس :
قضيت في منزلي برهةً سَتِير العيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلا الأقل وهمَّ لروحي فراق الجسد
بُعثت شفيعًا إلى صالح وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع منِّي سجع الحمام وأسمع منه زئير الأسد
فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منَّا سجع الحمام، وأنت الذي نسمع منه زئير …
لا نريد أن ندخل في تشابك وتداخل الروايات التأويلية للحدث التاريخي، وللحظة الشعرية معا …حيث قيل أن ابن مرداس قال للمعري (المعرة لك )… ويقال أن المعري كان مكرها على هذا اللقاء محرجا من بني قومه أهل المعرة الذين أنتدبوه، وهو المعروف عنه حياؤه وخجله وكرهه اللقاء بأصحاب السلطة، لا ستشعاره عظمة الابداع في داخله واستصغاره لممثلي السلطة ….
وهذا الإحساس من الصعب التعرف (العمومي ) عليه، فهو سر العظمة الحقيقة الداخلية الخاص بأصحاب المواهب الصادقة التي تترفع عن علو (المكان حرصا على المكانمة) على حد تعبير شيخنا العظيم ابن عربي …
لكن رد ابن مرداس في هذه الرواية يتقاطع مع قرائتنا لصورة الحاكم النبيل (ابن الكرام )، ولو كان حاكما عضوضا كحكام عصره عالميا …حيث أن المعري (سلطة المعرفة) هو الذي يحق له أن يكون له صوت (الزئير وللحاكم صوت سجع الحمام ) حسب ابن مرداس (السلطة ) …على حين أن أبناء الرعاع الأقنان (الأسديين ) حتى ولو عاشوا في الغرب (لندن) ، وهيأت لهم حكم البلاد من الأب الأسدي إلى أبن زوجته (أنيسة ) …
فإنهم لا يملكون صنع المآثر إلا عبر المجازر (مجزرة حماة الأب )، واليوم تسوية المعرة (والمعري) بالأرض انتقاما رعاعيا دنيئا وذليلا من تاريخ سوريا من قبل الابن، إذ يخرج منه الأسديون، ملتحقين بالتاريخ الطائفي الشيعي الإيراني … آملين الخلاص من تاريخهم العبودي القناني المنشق وطنيا وقوميا عبر التحاقهم بسادتهم الفرس ….