مقال لبيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي في شبكة سي ان ان، ونائب رئيس مؤسسة “أمريكا الجديدة” وأستاذ في جامعة أريزونا الأمريكية.
دافع ترامب في إحدى أحداث حملات الدعاية لترشحه، الثلاثاء الماضي، في ولاية كارولاينا الشمالية عن تاريخ الدكتاتور العراقي السابق، صدام حسين، في التعامل مع الإرهاب، قائلا: “صدام حسين كان رجلا سيئاً للغاية، لكن هل تعلمون ما هو الشيء الذي فعله بشكل جيد؟ قتل الإرهابيين، وقام بذلك بشكل جيدا للغاية، لم يُخبرهم عن حقوقهم أو يتحدث معهم، إن كانوا إرهابيين، انتهى أمرهم. اليوم أصبح العراق مرتعا للإرهاب.. إذا أردت أن تصبح إرهابياً، تذهب إلى العراق، إن الدولة أصبحت بمثابة جامعة “هارفرد” العريقة للإرهاب.”
الدفاع عن الدكتاتور العراقي الوحشي الذي قتل مئات الآلاف من شعبه ليس من مقبولا تماما. ولكن إذا نظرت إلى الثلاثة عشر عاما من الحرب التي عصفت بالدولة والتي قُتل فيها 250 ألف شخص، بالإضافة إلى قمع صدام بوحشية كل المعارضة، بما في ذلك جماعات مثل تنظيم القاعدة، وأضف إلى ذلك أن تنظيم داعش هو في حد ذاته ثمرة حرب العراق، عندها يبدو موقف (ترامب) واحدا يستطيع المرء الدفاع عنه.
لم يُقدم ترامب أي دليل على مزاعمه حول قمع صدام الوحشي للجماعات الإرهابية أو’قتل صدام للإرهابيين،‘ ولكن تصريحاته عن الديكتاتور هي نقد ضمني لمزاعم إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش الخاطئة قبل حرب العراق أن صدام كان مواليا لتنظيم القاعدة. وكانت تلك المزاعم عنصرا أساسيا في القضية التي دفعت الإدارة لشن الحرب، حيث كانت صلة صدام المفترضة مع تنظيم القاعدة الأدلة المزعومة الوحيدة التي دعمت افتراض أنه قد يُعطي أسلحة الدمار الشامل التي زُعم أنه كان يمتلكها للإرهابيين.
ركن الأساس الذي اعتمدت عليه إدارة بوش لخوض الحرب في العراق كان خطاب وزير الخارجية الأسبق، كولن بأول، أمام مجلس الأمن للأمم المتحدة في 5 فبراير/ شباط 2003، قبل ستة أسابيع من الغزو، وأحد أقسام خطاب باول جاء فيه: “العراق اليوم يؤوي شبكة إرهابية مميتة يرأسها أبو مصعب الزرقاوي، وهو شريك ومتعاون مع أسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة السابق) وقادة تنظيم القاعدة.. وعندما أطاح تحالفنا بالطالبان، ساعدت شبكة الزرقاوي بإنشاء مركز آخر للتدريب على استخدام السم والمتفجرات، وكان موقع هذا المخيم في شمال شرق العراق.”
وقبل خمسة أسابيع من غزو العراق، أدلى مدير وكالة المخابرات المركزية (سي اي ايه)، جورج تينيت، بشهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ بأن العراق “وفرت تدريبا في استخدام السموم والغازات لاثنين من المقربين لتنظيم القاعدة،” وهو التصريح الذي قدمه باول أيضا في خطابه أمام الأمم المتحدة.
وما الذي لم يعلمه الجمهور الأميركي عن مزاعم تينيت وباول حول تدريب العراق لأشخاص على صلة بتنظيم القاعدة باستخدام الغازات السامة، هو أن ذلك لم يُثبت وجود صلة بين بن لادن وصدام وبعض أكثر الأسلحة تدميرا في العالم، ولكن عوضا عن ذلك، كانت تلك التصريحات ثمرة “اختطاف المسؤولين الأميركيين المسلحين ونقلهم خارج نطاق القضاء إلى دول أخرى تستخدم التعذيب بصورة روتينية،” حيث يفترض أن يكشفوا أخيرا الأسرار التي كانوا يُخفونها من المحققين الأمريكيين.
إذ في ديسمبر/ كانون الأول عام 2001 قُبض على ابن الشيخ الليبي، وهو ناشط ليبي كان يدير معسكرا للتدريب تابع لتنظيم القاعدة، في باكستان، وأخبر الليبي محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي اي) أنه لم تكن هناك صلة بين صدام والقاعدة، ولكن بعد عدة أيام من التحقيق معه، قدمت وكالة المخابرات المركزية الليبي إلى مصر، حيث كانت يُعرف السجانون بإخضاع الأسرى للضرب والصدمات الكهربائية والاعتداء الجنسي.
وقال الليبي للمحققين عند وصوله إلى مصر، لتحسين فرصه في الحصول على معاملة أفضل، إن بن لادن كان قد أرسل اثنين من عناصره إلى العراق للتدرب على الأسلحة البيولوجية والكيميائية.
ولأن قصة الليبي تضمنت الحجج الرئيسية لحرب العراق التي قدمها تينيت وباول، اختيرت تصريحاته لتُصبح جزءا من كلمة ألقاها بوش في مدينة سينسيناتي في ولاية أوهايو، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2002، والذي وضح فيه المنطق وراء خوض الحرب على العراق، قائلا: “علمنا أن العراق دربت عناصر بالقاعدة على صنع القنابل واستخدام السموم والغازات القاتلة.”
ولكن بمجرد عودة الليبي إلى السجون الأمريكية، في 14 فبراير/ شباط عام 2004، أنكر الليبي ما قاله كذبا للمحققين المصري، وأخبر الليبي المحققين الأمريكيين أنه “لفق” تصريحاته حول اتصال القاعدة بصدام والتدريب على استخدام السموم بعد “اعتداء المصريين الجسدي عليه والتهديد والتعذيب.”
وبعد عامين ونصف من بدء الحرب في العراق، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2005، أصدرت وكالة المخابرات المركزية تقريرا تخلص أخيرا من أسطورة أن صدام حسين وزعيم تنظيم القاعدة في العراق، الزرقاوي، كانا في أي وقت مضى متعاونان معا، وقيم أنه قبل الحرب “لم يكن للنظام (العراقي) أي علاقة مع الزرقاوي.”
وفي يونيو/ حزيران عام 2008 خلصت لجنة مجلس الشيوخ للاستخبارات، مثل جميع التحقيقات الأخرى السابقة التي أجراها معهد تحليلات الدفاع التابع للبنتاغون ووكالة استخبارات الدفاع، أنه لم يكن هناك “علاقة تعاونية” بين صدام والقاعدة. وخلصت اللجنة إلى أن “معظم الاتصالات التي ذُكر وجودها بين العراق والقاعدة قبل الحرب من قبل المخابرات والمشرعين لم تحدث.”
كما قال رئيس لجنة التحقيق البريطاني الرسمي حول حرب العراق، جون تشيلكوت، الأربعاء، إن قرار بريطانيا مشاركة أمريكا غزو العراق في عام 2003، لم يكن ضروريا ولم يحقق أهدافه، إن لندن اتخذت قرار المشاركة بالغزو قبل استنفاد الحلول الدبلوماسية، بعد الإعلان عن إصدار التقرير المكون من 2.6 مليون كلمة، والذي وجد أنه لم يكن هناك صلة بين العراق والقاعدة.