خلال زيارته للفاتيكان، التقطت صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب البابا فرنسيس، منحنيا يقبل أيقونة العذراء
مريم. مشهد يستحق التوقف: أيهما بوتين الحقيقي؟ ضابط الـ«كي جي بي» الشيوعي في برلين الشرقية أم الرجل الذي ينحني مقبلا الأيقونة؟ إلحادي ما قبل سقوط السوفيات أم أرثوذكسي ما بعد سقوطهم؟
قبيل انهيار السوفيات بقليل، شاهد العالم ثلاث جنازات متقاربة: ليونيد بريجنيف، ثم يوري أندروبوف، ثم خلفه قسطنطين تشيرنينكو الذي لم يعش في زعامة الحزب أكثر من عام. الثلاثة ماتوا مرضى ومتعبين. لكن مراسم الجنازة كانت واحدة: نعش مفتوح وجثمان مغطى بالزهور. الزعيم هو القوَّة. الإنسان هو الوجود. حُنّط الثلاثة كما حُنِّط جثمان لينين من قبل. أدوية وعلاجات اشتهرت بها عائلة من الأطباء الأرمن.
كان جورج بوش الأب نائبا للرئيس عندما حضر جنازة بريجنيف. وعندما عاد وصف ما رأى بالقول: «كان سير الجنود كالبط مدهشا، والموسيقى مهيبة، لكن ما أدهشني أنه، من البداية إلى النهاية، لم يكن هناك ذكر لله». هل بوتين نتاج الإنكار الذي نشأ عليه طالبا، ثم حزبيا، ثم مسؤولا، أم هو حقا شريك للكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها؟
لن يستطيع أحد أن يحكم حقا. بعد خروج أندريه غروميكو من الخارجية السوفياتية كان أول خلف له نراه في الأمم المتحدة، إدوارد شفارنادزه. اعتلى الرجل المنبر فلم يكن أقل شيوعية من سَلَفِه. بل هو أكثر من ذلك. لقد كان زعيما للحزب الشيوعي في جورجيا، التي منها جاء ستالين.
بعد فترة بسيطة انهارت الشيوعية، واستقلت جورجيا، وأصبح شفارنادزه رئيسا. لم نعد نرى صورة له في مكتبه إلا وإلى جانبه أيقونة العذراء. أيهما الحقيقي، زعيم الحزب الشيوعي في بلد ستالين أم رئيس الجمهورية المستقلّة؟ هذه أسئلة لا جواب لها. مشكلة البشر دائما ليست في مبادئهم بل في أنهم بلا مبادئ. والشيوعيون لم يتحدّوا وحدهم العزّة الإلهية. النازيّون «ألَّهوا» هتلر، والإيطاليّون سجدوا لموسوليني. من الصدف، غير السعيدة طبعا، أن هؤلاء «الآلهة» مسؤولون عن أضخم وأفظع مجازر في التاريخ، يتقدَّمهم ماو تسي تونغ، الذي لم يلغ المعتقدات، بل أيضا التاريخ.
عندما نتأمل كيف تحوّل سياسيّو روسيا من الإلحاد المطلق إلى تقبيل الأيقونات لا تعود التحولات التي شهدناها في العالم العربي ذات قيمة. بشر يركبون قطار الحياة، يصعدون في محطة ويترجَّلون في أخرى..
منقول عن الشرق الاوسط