خلال الأيام القليلة صدرت بضع مؤشرات خطيرة من روسيا… احدثها تهديد مباشر من السفير الروسي في كوبنهاغن من ان السفن الدنماركية يمكن ان تتعرض الى هجوم نووي اذا تم نصب نظام الدرع الصاروخي الامريكي المضاد للصواريخ العابرة للقارات … و هو مشروع يعود الى الصراع الاميريكي الإيراني و الذي احتدم مع الأزمة السورية بشكل كبير و كان احد مآلاته نصب صواريخ إسكندر في أقصى نقطة في غرب روسيا في مؤشر الى تحدي روسي للمشروع الامريكي الذي ما يزال قيد الدراسات او التحضيرات… و لكن ان يخرج السفير الروسي “فجأة” … و في مقالة نشرت في احدى الصحف الدانماركية قبل ايام… و يهدد برد نووي…. هو امر خارج … ليس فقط عن المهمة الدبلوماسية لأي سفير… و إنما ايضا يعتبر استفزازا عابرا للخطوط الحمر … كما وصفتها وسائل الاعلام…
المهم ان هذا جاء بعد مسرحية اختفاء بوتين لمدة أسبوع و من ثم تزامن مع تهديد عام صدر منذ ايام من روسيا بأن قواتها في أوروبا قو وضعت في حالة استنفار و انها مستعدة لاستخدام القوة النووية…
هذه التطورات و غيرها تأتي على نسق الصراع في اوكرانيا و لكن التهديد بالسلاح النووي مؤشر خطير… و ربما خطير جداً قد يدلل على أزمة حقيقية في موسكو يمكن تلخيصها بوقوع بوتين… و ربما اخرون في القيادة الروسية…. في فخ الحرب السيكولوجية الشديدة التي يمارسها الغرب… و هذا يدعو الى قلق حقيقي عما يمكن ان يؤدي الانهيار النفسي الى عمل من شأنه ان يدخل العالم في الجحيم الذي يقف على بابه منذ عقود طويلة…
الأزمة في موسكو يعود الى عوامل عديدة بلا شك و منها ان اغلب المؤشرات تدل على ان الاقتصاد الروسي يشهد حالة من لانهيار … او التراجع الشديد… و ان ماكينة الخسائر تدور بسرعة هائلة لايمكن التوقف عندها… سعر العملة يسابق أسعار النفط في السقوط الحر… و الإسترتيجية الديناميكية الغربية لخنق روسيا… و الى حد ما إيران… تبدو فاعلة الى الان… و تبقى اللحظة التاريخية مرتبطة مرة اخرى … مثل سابقاتها التاريخية…بقرار سياسي…
في التاريخ الحديث ربما نتذكر تلك اللحظة عند سقوط ألمانيا و انتحار هتلر… كما نتذكر ايضا لحظة تفكك الاتحاد السوفيتي و انتحار غورباجوف السياسي… و في المنطقة العربية نتذكر جيدا لحظات حرب الكويت و استسلام صدام و دمار العراق… اما الان فاللحظة عادت الى روسيا… و القرار اصبح في يد بوتين… و رفاقه… و ربما ايضا معارضيه…
بوتين…. الرجل الوسيم ساحر النساء … مصارع الدببة و بطل التايكواندو…و رجل المخابرات الحاذق و القومي الحالم بعودة الامبراطورية الروسية و اللاعب الماهر على الساحة الدولية في السنوات الاخيرة و مكتشف ديمقراطية الرجل الواحد في كل الأدوار … و …و… من الصفات العظيمة الاخرى … يبدو اليوم … منهكا… مرتبكا… كما بدى في اخر لقاء مع التلفزيون الألماني قبل بضع أسابيع…. و ربما عاجزا…او… و هذا ما ركز الاعلام الغربي في بروباغندا اختفاء بوتين و احتمال موته او الانقلاب عليه..
صحيح ان بوتين يحاول سعيه في وقفت التدهور في الوضع الاقتصادي و السياسي الاجتماعي حيث انه و في الفترة الاخيرة كان هناك كلام عن بعض الإجراءات التي تهدف الى وقف تدفق الاموال الى الخارج و كذلك تحوير الاقتصاد الروسي بالتركيز على عجلة الدوران الداخلية…و هذه الإجراءات تذكرنا بالسوق الأوروبية الداخلية التي نجحت في العقود الاخيرة من القرون الماضي و أدت الى نمو سريع في دول أوروبا الغربية و قادت الى مشروع الاتحاد الاروبي… لكن هل ستنجح هذه الإجراءات في روسيا و خاصة الان في ظل العقوبات الغربية و الصراع المفتوح في اكثر من جبهة في العالم…؟؟؟..
هذه الإجراءات…. او غيرها… مما قد تتخذ في ظل الضغط الهائل الذي تتعرض له روسيا… تطرح تساؤلات جدية حول طبيعة تفكير بوتين و مساعديه في مواجهة لحظات عصيبة… و لعل التهديد النووي يعتبر مؤشرا خطيرا لدرجة الاحباط النفسي و انسداد الأفق في إيجاد حل ما للازمة الاقتصادية و للحصار الذي تجد روسيا نفسها فيها الان…خاصة ان السياسيين في الغرب يواجهون ما يصفونه بالصلف الروسي في اوكرانيا بهدوء و برودة اعصاب… و ربما هذه هي الاستراتيجية الغربية التي يبدو انها تحقق نجاحا الى حد ما في خلق استفزاز سيكولوجي شديد..
ما يثير القلق هو ان هذه الإسترتيجية الغربية تضع روسيا على حافة الهاوية و قد تدفع باتجاه خيارات صعبة و مريرة تحدث بوتين و و سائل الاعلام الروسية عن محاولات غربية لزعزعة الأوضاع في روسيا و تغيير الحكم عن طريق ثورة شعبية… نتذكر هنا فرقة المغنيات العاريات قبل حوالي السنة التي استعرضت في موسكو قبل ان تلقي السلطات القبض على أفرادها… كما نتذكر مقتل المعارض الروسي قبل أسابيع…. و بعض المحاولات في تنظيم تظاهرات قضت عليها الشرطة الروسية…. مع اختفاء بوتين انتعش الكلام عن او ربما انقلاب القصر… و رشحت بعض و سائل الاعلام الغربية وزير الدفاع الروسي ان يكون حصان طروادة في هذا الانقلاب…. في النهاية عاد بوتين و لكن الحواديث ما زالت تتكرر في تشبيه مع الحواديث التاريخية عن انتحار هتلر و استسلام صدام و غيرهما…
اما بوتين… فانه قد يجد حلا لا نعرفه… و قد يضطر الى التهرب مثل غورباجوف… او قد يحصل على دعم صيني غير متوقع ( الصين الحديثة تتخلى عادة عن اصدقائها في اللحظات العصيبة لانها تعتقد انها ستغزو العالم اقتصاديا فليس هناك حاجة للمواجهة العسكرية…!!!…)…. او يصل الى حل وسط مع الغرب….او…او…
المشكلة هي انه بينما تتفاقم الأوضاع الداخلية بسرعة… زيادة الصراعات بين الأجنحة المختلفة في البنية السياسية و الهيكلية الاقتصادية و التي تؤدي في مجملها الى فقدان المواطن الثقة في إدارة البلد نتيجة زيادة الأسعار المتسارعة و فقدان الكثيرين لأموالهم و انتشار الدعايات عن انقلاب وشيك … فان أوراق بوتين الخارجية ايضا تتساقط …. الاتفاق النووي مع ايران يبدو و كأنه واقع لا يمكن العودة عنه… الصين كما ذكرنا لا تبدي اي إشارة للمساعدة … الشرق الأوسط يتغير وفق الرؤية الغربية … كوبا يتم رفع العقوبات التاريخية عنها…المجموعات الاسلاموية اعادت عملياتها في جمهوريات القوقاز….
اخر الأوراق الساقطة من بوتين هي الغزل الغربي لإعادة تأهيل النظام في سوريا…..اي اعادة العلاقة و التعاون مع الرئيس بشار الأسد … في مؤشر الى قبول الشروط الإيرانية للتوافق مع الغرب… هذا الاتفاق الذي …. رغم اصرار الجميع على انه يتعلق بالقضية النووية… لكن من المؤكد انه سيشمل پاكيج او حزمة تشكل كل المملفات و أهمها هو التمدد الإيراني في العراق و سوريا و لبنان في الغرب و في أفغانستان و باكستان و الهند و الصين من الشرق و في دول وسط اسيا و خاصة طاجيكستان و كذلك و ارمينيا و أذربيجان و جورجيا من الشمال… و من الجنوب هناك اليمن و أريتيريا و السودان و غيرها… ربما تكون هذه من احلام ما سماه الشيخ يونسي و هو مستشار الرئيس روحاني… بإعادة الروح الى الامبراطورية الإيرانية و لكن الغرب يبدو متماهيا بشكل ما و العرب كالعادة غائبون الا من بعض ردود الفعل التبسيطية..( موضوع يحتاج الى معالجة مختلفة)…
المهم … كل هذا يجعل من لاتفاق النووي مدخلا لإقامة شراكة بين ايران و الغرب يكون من بنودها إطلاق يد الإيرانيين في خلق هيكلية سياسيا و ثقافية قد تحافظ على نغمة الصراع الايديولوجي ما الغرب… و لكن في المقابل تأمل القوى الأوروبية باستيراد النفط و الغاز الإيراني بديلا لمنتجات الطاقة الروسية… و هذا يعني احكام الخناق حول روسيا.. لان هذا الاتفاق… لو حصل بهذه الصيغة التي يحلم بها الايرانيون…. سيشكل تهديدا مباشر لعائدات الطاقة و منها الغاز التي تبيعها روسيا الى الاسواق الأوروبية …الامر الاخر الذي لا يقل خطورة و خاصة على المستوى الأستراتيجي…هو اخراج روسيا من الشرق الأوسط و هذا يعني خسائر مادية للشركات الروسية تعمل في مجال الطاقة و غيرها في الشرق الأوسط…لكن الاخطر هو فقدان لآخر معاقل نفوذها في الشرق الأوسط…
هذه هي الصورة من الجانب الغربي …. رغم انه ليس هناك ما يؤكد ان ايران ستتخلى عن روسيا او انها ستدخل في اللعبة الغربية تجاه روسيا لان العلاقات الروسية الإيرانية أعمق بكثير من المصالح الآنية….. لكن هذا لا يمنع من ان الغرب يخطط لشيء سيضر في النهاية كل القوى المعادية بما فيها ايران و روسيا…. و محاولة تفكيك الأواصر الروسية الإيرانية هي بعض ملامح الإستراتيجية لخنق روسيا و شل قدرة قادتها و خاصة على إيجاد بدائل قابلة للتفعيل… و على ذات المستوى فان محاولة روسيا التقرب من اليونان في سعي لشق الوحدة الأوروبية تبدو عبثية حيث يظهر الاوربيون و كأنهم فهموا مغزاها بشكل واضح و ليس هناك ما يشير الى انهم سيتركون هذه الورقة بيد الروس رغم الكلفة الاقتصادية العالية التي تتكفل بها ألمانيا … لكن الحسابات الاستراتيجية هي اهم بكثير من اي شيء اخر..
في المحصلة يبدو ان مجال المناورة يضيق جداً امام بوتين و عليه فان السيناريوهات المتوقعة لا تبدو مشجعة و اخطرها هي دفع بوتين الى القيام بعمل جنوني ينتهي اما بتغيير العالم او انتحار روسيا… بوتين قد يدفع بقواته لاحتلال المزيد من اوكرانيا او احتلال مناطق في دول أوروبا الشرقية في محاولة للضغط على الغرب… لكن قد يقوم بتوجيه ضربة الى السعودية التي تشكل رأس الحربة في الحرب النفطية…. او ربما يهدد بتحييد أوروبا و اخراجها من إطار الهيمنة الامريكية… و ربما هذا هو مغزى تهديد الروسي للدانمارك و من خلالها للقوى الأوروبية الفاعلة في حلف ناتو…
كيف ستتفاعل أوروبا و كيف سيؤثر ذلك التفاعل على القرار الروسي … هل سيفكر بوتين استراتيجيا ام انه سيتخذ قراره بشكل رد فعل غير إرادي …. ثم أليس من الجنون ان يرغب الغرب في انتحار بوتين نوويا ؟؟… أسئلة ربما سيتوقف عليها مصير الكثيرين على كوكبنا….حبي للجميع..
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: بكل بساطة عندما تغيب العقلانية والواقعية عن إنسان ، سيصبح دون شك مجنونا أو حلمان ، فكيف إذا كان مصابا بعمى انرجسية وألألوان ؟
٢: عندما يعجز الانسان من الخروج من بودقة ألانا ، يصبح مصيره مرهون بضروفه وعقله بين ألحانا وألمانا ( يعني شيش بيش ، وهنا مكمن الخطورة والخلل ، سلام ؟