يتمنى حيتان الفساد، وفي هذه الأيام بالذات، أن يضرب الإرهاب المدن العراقية، وخصوصاً بغداد، بشدة، فيصبح العراقيون أمام مفسدتين: الموت أو الصمت عن الفساد المستشري. إما الموت في جحيم التفجيرات حرقاً، وإما الخنوع لسوء الحال. مع أن حماية الاحتجاجات مِن مسؤولية السُّلطة نفسها، مهما كانت الظُّروف، وإلا تخرج على النَّاس وتُعلن عجزها، وهذه واحدة مِن أعذار سلطة (2011) عندما أباحت لنفسها تشتيت المتظاهرين بإدعاء الحفاظ على سلامتهم، مع أنها شتتهم وسجنت بعضهم وسكتت عن اغتيالهم، وعلى هذا يُقاس التحالف بين الإرهاب والفساد، ففي المحصلة كلاهما إرهاب، وهذا ما حصل يوم أمس الأول (12 آب/أغسطس 2015)، أن ضرب الإرهاب ضربته شرق بغداد، وسقط المئات بين قتيل وجريح.
لقد أعطى الإرهاب الأعذار لسوء الإدارة والسَّرقات الكبرى في المال العام؛ على أنها حالة طوارئ غير معلنة، لا يُسأل فيها مسؤول ولا يُحاسب مقصر وسارق، وهذا ما حصل بالفعل، فقد كثرت تصريحات السُّراق، خلال الاثني عشر عاماً، بأن الإرهاب يمنع إعمار البنية التَّحتية، ويحول دون توفير الكهرباء، ويؤدي إلى الهجرة والتَّهجير، ويحد مِن اختيار أهل الكفاءة، وعلى العموم يوفر البيئة المناسبة للفساد الإداري والمالي. على هذا يُقاس الحلف بين الشَّرين: الإرهاب والفساد، ناهيك عن ثالثهما المحاصصة.
إذا لم يوجد الإرهاب، وتعيش البلاد حالة استثنائية مدى اثني عشر عاماً، سيكون الفاسدون أمام الغاضبين وجهاً لوجه، وسيبحثون عن ملهيات، والإلهاء بالدين لم يستمر طويلاً . نجد الديمقراطية ورطة للسلطة السيئة المدعية بها، لأن الحق بالتَّظاهر والتحشيد ضد السوء مكفول وفق الدُّستور، وإن لم يسمح به ستكون المواجهة بالقوة، وستنتهك بوابات “الخضراء”، ستحاصر بالملايين، ويكون القابعين في قصورها عراة أمام النَّاس، لأنهم لم يمتلكوا القوة التي متلكها السابقون، أعطوا العذر بالقبول بالدِّيمقراطية، التي أتت بهم ولم يحترموها، فإذا كان السَّابقون يفاخرون بدكتاتوريتهم، ولم ينافقوا بشيء ليس مِن طباعهم، فالحاضرون ينافقونها لأنها راحلتهم إلى السُّلطة، وفي المقارنة يصبح الفساد معادلاً للدكتاتورية، بل إنه أفظع منها.
إن للسطات طرقاً وأساليبَ في إلهاء النَّاس، ومَن عاش السَّبعينيات وأدرك حوادثها، ليس له نسيان حلبات المصارعة(1970-1971)، التي بعد عقود ظهر بطلها، المصارع عدنان القيسي، ليقول كانت مجرد لعبة سياسية، وأخيراً تسلل بليل مِن بغداد كي لا يكون ضحية، هذا ما قاله بعظمة لسانه(قناة الحرة)، وبعدها جاء دور (أبو طبر) خريف (1973)، كلها كانت تهيئة للعنف، وتوفير أجواء الخوف والرُّعب. لم يكن الأمر جديداً في ما يُلهي النَّاس، أو يوجههم الوجه التي ترغب فيها السُّلطة.
أعيد قصة الحيوان الغريب الذي ظهر ببغداد توهماً، وأجد واقعة أبي طبر صورة طبق الأصل له، وربَّما ذكرتها غير مرة، وهنا أذكرها تحت مبرر “في الإعادة إفادة”. ظهر في العام 341 هـ حيوان مرعب أشير إليه باسم”الزَّبزب”، ذُكر أن النَّاس يرونه في اللَّيل على سطوحهم، ومعلوم أن أهل بغداد ينامون في الصَّيف فوق السطوح منذ القِدم، وأنه يفترس أطفالهم، و”ربَّما قطع يد الإنسان إذا كان نائماً، أو ثدي المرأة فيأكله، وكانوا يتحارسون طول اللَّيل، ولا ينامون ويضربون بالطُّوس والصّواني ليفزعوه، وارتجت بغداد حتى أخذ السُّلطان حيواناً غريباً، كان مِن كلاب الماء، وقال: هو الزَّبزب، فصُلب على الجسر، ثم انقطع ما توهموه، ولم يكن له حقيقة”(مؤلف مجهول، العيون والحدائق في أخبار الحقائق).
حدث هذا في العهد البويهي ببغداد(334-447هـ) أيام سلطنة معز الدَّولة (ت 356هـ)، ويغلب على الظَّن أن خرافة وجود حيوان بهذه المواصفات المرعبة مِن إبداع السُّلطة نفسها، لاسكات النَّاس عن الحروب التي كانت تجري بين أفراد الأسرة ومع القرامطة إلى غير ذلك. ليس بعيداً ذلك إذا علمنا أن معزَّ الدَّولة نفسه أنشأ السُّعاة ببغداد، وكان أحد السُّعاة شيعياً والآخر سنياً، وكان النَّاس يتعصبون ويلتهون بتعصبهم إليهما، على أساس المذهب(أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر).
القصد، أن الإرهاب وفرَّ على أصحاب النُّفوذ، ممَن فتحوا أفواههم كالحيتان على المال العام، ومنهم مَن اغتصب العقارات والأراضي الممتدة على شاطئ دجلة، وسجلها لرصيده بأثر رجعي قبل (2003). وفرَّ الإرهاب لهم ما كانت تفعله السُّلطات السَّابقة مِن ألاعيب، وتراه ستر عيوبهم طول هذا الوقت. بل أكثر مِن هذا أليس مَن أمر بفتح بوابات السُّجون وخروج الإرهابيين، وبعد فترة وجيزة تعيد القاعدة نشاطها وتظهر داعش، بينه وبين الإرهاب تحالف؟ وإلا بما يُفسر؟ أليس تسهيل دخول الإرهابيين عبر البوابة السُّورية، حتى 2008، تحالف وتضامن وتساهيل بين الإرهاب والدَّولة التي تُقدم نفسها تدافع عن العراقيين ضد داعش؟
لقد منع داعش وبقية الإرهابيين محاسبة مِن أغلق الأجواء العراقية بوجه الطائرة اللبنانية (ميدلست)؛ وكانت فضيحة كبرى أن يتولى الصبي مركز أبيه، وفي نظام يصفونه بالدِّيمقراطي! ولو سقطت لذهب ركابها ضحايا ابن الوزير. داعش وبقية الإرهاب منعوا النَّاس مِن التعبير عن الغضب مبكراً، وأسمنوا رقاب الفاسدين. ولا أعد التفجير الذي طال محلة جميلة ومدينة الثَّورة إلا للتعبير عن هذا التضامن الخفي، وتعطيل تنفيذ ما تجاوب به رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومازلتُ ألمس فيه ومضة الأمل، مِن اجراءات ملحة في محاكمات الفاسدين، ومحاولة انهاء نظام المحاصصة.
لعب الإرهاب، في الوقت الحاضر، ما لعبه الحيوان غريب الأطوار في عهده، وما لعبه أبو طبر في عهده أيضاً، مِن اخضاع العراقيين، وسريان الخوف على أنفسهم، وبهذا يبقى الفساد مستشرياً، ويبقى الفاسدون والقتلة خارج قضبان العدالة. إنه تحالف الخبثاء، وليس بالضرورة أن يكون مباشراً. إنهم خلائق عجيبة. لنَّا في هذا الاستشهاد بمحمد مهدي الجواهري(ت 1997) في إحدى هجائياته وكان فيها ذاباً عن نفسه: “عدا عليَّ كما يستكلبُ الذيبُ/ خَلْقٌ ببغداد أنماطٌ أعاجيبُ/ خلقٌ ببغداد منفوخٌ ومُطَّرحٌ/ والطَّبلُ للناسِ منفوخٌ ومطلوبُ/خَلْقٌ ببغدادَ ممسوخٌ يفيضُ به/تأريخُ بغدادَ لا عُرْبٌ ولا نُوبُ”. التفت: قال خَلْقٌ ولم يُقل قومٌ، بينهم الوحوش
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: كلامك منطقي جدا وهو الحقيقة بعينها ، فاليوم يصرخ حرامية علي بابا الأربعين إفتح يا سمسم وإنفجري يا فلوجة وبيجي وبغداد حتى يضيع خيط الفساد بخراب البلاد ، ولكن هيهات أن يفلح السحرة والمنجمين وتجار الدم والدين بفضل العم كوكل لتتحق نبؤة السيد المسيح في زماننا ???
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: كلامك منطقي وواقعي وهو الحقيقة بعينها ؟
٢: هل مانراه من محاربة للفساد هو حقيقة أم فلم أخر من أفلام أبو طبر ؟
٣: وأخيرا …؟
صح النوم ياشعب وَيَا مرجعية ? وسبحان الورق الباميا والملوخية ?? والمغير العبادي ودين الحرامية ??? ، سلام ؟