طلال عبدالله الخوري 10\8\2016 © مفكر حر
بدأت كتابة هذا المقال قبل سنتين ورأيته اليوم بالصدفة بين خرابيشي ولحسن الحظ انهيته.
في البداية : اريد ان اشكر الديكتاتور الروسي “فلاديمير بوتين” لانه خلع الزعماء العرب من مركز صدارتهم ل ” أغبى الطغاة بالعالم ” وحل محلهم بجدارة, فحتما الآن الكثير من العربان يشعرون بالارتياح لان هناك من هو اغبى من زعمائهم.
الدين كان ومازال تجارة رابحة منذ بدء الخليقة وحتى وقتنا الحاضر, وبالرغم من ان كل دين يدعى بأنه الخاتم, فكل يوم ينشأ دين جديد في مكان ما من العالم, وفكرة الدين بسيطة جداً, وتعتمد على خلق ايديولوجية ما, تكون مبنية على الغيبية والحياة بعد الموت, ويكون فيها سياسة التخويف والترهيب وايضاً الترغيب, الى جانب وعود مستقبلية غيبية بحياة في الجنة او المستقبل المضئ كما في الشيوعية التي اغرت الكثيرون بالرغم من سلبياتها ووحشيتها .. وطبعا يجب استثمار المال فيها لبناء المعابد وتأهيل رجال الدين او المنظرين الايديولوجيين اللذين يتكفلون بغسيل دماغ العامة وجر الاتباع لهم, وهنا يبدأ الربح المادي وجمع الزبدة! ققد اصبح لديك اتباع تتحكم بهم وبعقولهم وتفعل بهم ما تشاء.
نحن نرى بأن بوتين ليس لديه اي شئ لينافس به الغرب أو يكون نداُ له, فالغرب اخذ قراره ب”العلمانية” وفصل الدين (او اي ايديولوجية) عن الدولة, ويحكم مجتماعتهم اقتصاد السوق التنافسي الحر, الذي يحفز على الابداع والتطور والازدهار, … ولكن رجل المخابرات بوتين يعرف بأن تجارة الدين رابحة, فبعد سقوط الشيوعية واحتراق ايديولوجيتها التي تقدس الملكية المشاعية وتكفر الخصوصية, أخذ يتبنى تيار ايديولوجي جديد يعتمد على “معاداة الليبرالية الغربية” (واسمحوا لي ان اضع له مصطلحا هو “اللاليبرالية”) يستخدم به نفس الاسلوب الذي تعتمده جميع المؤسسات الدينية الكهنوتية في العالم مثل دغدغة العواطف الروحية والمواضيع الحساسة والتابوهات عند الناس, ومنها معاداة قيم التحرر الغربية مثل زواج المثليين او التسامح بنقد وحتى الاستهزاء بالاديان, وطبعا بسبب موقعه كرئيس لدولة غنية كبيرة مثل روسيا هناك الكثير من الاتباع له في روسيا والعالم, من يتامى اليسار والشيوعيون اللذين احبطوا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, وبين المتدينين ورجال الدين اللذين تتضرروا من الليبرالية الغربية والعلمانية بعد ان كانوا من اصحاب السلطة والذوات.
ونحن هنا نسأل بوتين عن علاقة نظام الحكم الذي هو عام ينطبق على كل الناس, بقيم الحرية الليبرالية في المجتمعات الغربية والتي هي شؤون محض شخصية تختلف من انسان لأخر, ففي المجتمع الغربي هناك المتدين وهناك الملحد وهناك الشواذ, وجميع اطياف مختلف التوجهات الجنسية والفكرية والسياسية من اقصى اليمين المحافظ الى اقصى اليسار الليبرالي, يعيشون بتآلف وتناغم, ويبنون مجتمعاتهم و يساهمون بتقدمه وازدهاره, لذلك يجب ان يقتصر نظام الحكم على الخطط الاقتصادية والسياسة لقيادة المجتمع, ولا يتدخل بخصوصيات البشر من عقيدة وفكر وتوجه جنسي. .. من الواضح أن بوتين يسير على طريق الطغاة العرب, لا بل قد سبقهم واخذ عرش الغباء منهم. فقد قلنا اكثر من مرة بان السياسي الذي يتكلم في الدين والايديولوجيات, او القيم والمسائل الشخصية هو دجال وكذلك الامر بالنسبة لرجل الدين الذي يتدخل بالسياسة
ومن الاساليب التي يتشارك بها بوتين مع عتاة واساطين رجال الدين الدجالين, هي الوسوسة للشعب الروسي بأنهم ضحايا وأن العالم من حولهم ممتلئ بالأعداء, والوسوسة على وتر اعلاء القومية الروسية, ولكن هذه الاخيرة اخذ يخفف منها لانها تضر بطموحه بأيديولوجيا عالمية دينية تجذب له المؤيدين من كل انحاء العالم, والتي محورها العاداء للغرب المتوحش حسب ادبياته, فقد خطب بالكرملين قائلاً:” إنه ليس لروسيا طموحات قوى عظمى بمعنى ادعاء الهيمنة العالمية أو الإقليمية، لكن مع ذلك سنسعى سعيا حثيثا لنصبح قادة … هذا أمر موضوعي ومفهوم تماما بالنسبة لدولة مثل روسيا، بما لها من تاريخ وثقافة عظيمين وعدة قرون من الخبرة … وليس ما يطلق عليه التسامح الجدب، بل الحياة العضوية لشعوب مختلفة تعيش معا ضمن إطار دولة واحدة”.. اي هو يعتبر بان التسامح في الحضارة الغربية تعني الانحدار نحو اللاأخلاقيات, وذلك ليبرر اسلوبه الدموي التعسفي الاستبدادي, بالضبط كما يفعل فقهاء السلاطين العرب… ويضيف بوتين لكي يوهم العالم بأنه هو منقذهم ومخلصهم من الشذوذ الجنسي والتسامح في الثقافة الغربية :” تراجع الكثير من الأمم حاليا قيمها ومعاييرها الأخلاقية مما يؤدي إلى تلاشي التقاليد العرقية والاختلافات بين الشعوب والثقافات، ليس على المجتمع اليوم مجرد الاعتراف بحق الجميع في حرية الضمير والآراء السياسية والخصوصية فحسب، بل على المجتمع أيضا قبول تساوي الخير والشر من دون شك، مهما بدا ذلك غريبا وبدت مفاهيم تتعارض في معناها .. آن أوان مقاومة هذه الكارثة التي يطلقون عليها التسامح والتنوع الزاحف من الغرب .. إننا نعلم أن هناك الكثير من الناس في العالم يؤيدون موقفنا في دفاعنا عن قيمنا التقليدية… وعلينا ان نمنع الانحدار إلى الأسفل نحو الظلام الفوضوي والعودة إلى الدولة البدائية”.
وفي الختام نقول بان الايديولوجية البوتينية الجديدة في معاداة الغرب وقيمه المتسامحة تشكل قاعدة ضعيفة لتشكيل حلف عالمي من الدول، ومن الصعب ان تجعل من روسيا دولة عظمى كما كان الحال مع الاتحاد السوفياتي المنهار ومنظومة الدول الاشتراكية بحلف وارسو.