تمثل انتقادات الجمهوريين اللاذعة لاتفاق إيران النووي إحراجًا. ويتفق أكثر قادة العالم مع أوباما في أن هذا الاتفاق أفضل وأنسب من أي بديل واقعي. إنه حقًا إنجاز دبلوماسي يدعم القيادة الأميركية، لا يقوضها. سوف يكون الضرر، الذي سيلحق بالولايات المتحدة، سببه هو رفض الكونغرس المتعنت للاتفاق، وتعرقل ماكينة الإزعاج الخاصة بالجمهوريين، التي تنتقد الاتفاق. التفكير في السؤال الحقيقي الذي نواجهه، هو: كيف يمكن احتواء تدخل إيران في المنطقة؟ والاستراتيجية الصحيحة هي طرح الاختيار التالي أمام طهران، وهو: إما أن تشارك في مفاوضات جادة من أجل إنهاء الحروب الإقليمية في سوريا، واليمن، أو تواجه مقاومة عنيفة صارمة بقيادة الولايات المتحدة.
ويمثل وضع حد لسلوك إيران، الذي يقوض الاستقرار في المنطقة، أولوية في الشرق الأوسط، كما يتفق مسؤولون إسرائيليون، وسعوديون، وإماراتيون، رفيعو المستوى، بشكل غير معلن، أيًا كانت الضجة الشعبية بشأن الاتفاق النووي. وينبغي أن تكون هذه المهمة الأساسية، التي تتمثل في مواجهة طهران، أسهل الآن حيث تم تقييد البرنامج النووي الإيراني لمدة عقد من الزمان على أقل تقدير. مع ذلك، على أوباما الاستمرار في بذل الجهود على الجبهة الإقليمية وإلا سوف تبسط إيران هيمنتها، وهو ما من شأنه الإضرار بالولايات المتحدة وحلفائها. وقال لي مسؤول رفيع المستوى في إحدى دول الخليج: «الجانب الفني (من الاتفاق النووي) ثابت وراسخ، لكن لطالما كان هذا مبعث قلقنا الثانوي». وأضاف: «مبعث قلقنا الأساسي» هو السلوك العدائي للحرس الثوري الإيراني في سوريا، واليمن، وغيرها من المناطق. والجدير بالذكر أن الحرس الثوري سيحظى بتمويل من إيران التي سوف تتحرر من العقوبات.
ما هي أفضل طريقة إذًا لمواجهة طهران بشأن تلك المسائل؟ في ما يتعلق بالمشكلة النووية، الاستراتيجية الصحيحة هي الجمع بين الضغط، بما في ذلك احتمال استخدام قوة عسكرية، والدبلوماسية. فلنبدأ بالاحتواء العسكري. وكانت هذه المسألة من المسائل الرئيسية في اجتماع كامب ديفيد الذي شارك فيه قادة دول الخليج خلال شهر مايو (أيار) الماضي. ورغم انتقادات المعلقين لهذا الاجتماع، أسفر عن خطة لتحسين نقل الأسلحة، وتدريب القوات الخاصة، وتمرينات عسكرية مشتركة، وغيرها من الإجراءات الرامية إلى وضع إيران تحت الرقابة.
هناك تباطؤ واضح في خطى أوباما في ما يتعلق بالشأن السوري، ومن أسباب ذلك عدم رغبته في مواجهة الذراع الإيرانية هناك، التي تتمثل في ميليشيا «حزب الله»، حيث تعد ذلك مخاطرة قد تفسد المحادثات النووية. ولم يعد لهذا العذر وجود الآن.
وينبغي أن تزيد الولايات المتحدة الضغط على الرئيس بشار الأسد؛ فقبضته تتراخى. وفي جنوب سوريا، حصل المقاتلون المعتدلون، الذين تلقوا تدريبًا على أيدي ضباط الاستخبارات المركزية الأميركية، والاستخبارات الأردنية، على أرض لهم. ويتحدث الأردنيون عن إنشاء منطقة آمنة من «البلدات الاستراتيجية»، ولكن على طراز القرن الواحد والعشرين. أما في شمال سوريا، فقد أتاحت الهجمات الجوية الأميركية للمقاتلين الأكراد السيطرة على شريط بطول الحدود التركية، ويناقش الأتراك مسألة إنشاء منطقة حدودية آمنة خاصة بهم.
وكما تبين للولايات المتحدة في المحادثات النووية، تكون مثل تلك الضغوط ذات قيمة كبيرة إذا نجحت في دفع طهران وأصدقائها نحو النهج الدبلوماسي، وقد تكون تلك المرحلة الحاسمة قد باتت قريبة في سوريا. ويبدو أن موسكو باتت أخيرًا راغبة في مناقشة مرحلة انتقالية بوساطة. وصرح أوباما لتوماس فريدمان، الكاتب في «نيويورك تايمز»، قائلاً إنه بعد حديثه مؤخرًا مع الرئيس فلاديمير بوتين يعتقد أن الروس أدركوا أن نظام الأسد يفقد سيطرته على مناطق جديدة داخل سوريا كل يوم، وأنه رغم كون هزيمة النظام السوري ليست بالقريبة، تزداد احتمالاتها يومًا بعد يوم.
وصرح أوباما خلال مؤتمر صحافي بشأن إشراك إيران في تسوية دبلوماسية في سوريا يوم الأربعاء، قائلاً: «لن نحل مشكلات سوريا إلا إذا تم إشراك الروس، والإيرانيين، والأتراك، وشركائنا في الخليج. إن الوضع يعمه الفوضى؛ وإيران واحدة من الأطراف الفاعلة، وأعتقد أنه من المهم بالنسبة إليهم أن يشاركوا في تلك المحادثات».
هل سيقنع الضغط إيران بأن المفاوضات الدبلوماسية الخاصة بسوريا واليمن تخدم مصالحها؟ قال محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، في شهر أبريل (نيسان)، إنه سوف يرحب بتلك المحادثات. كذلك أخبر ظريف جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، برغبة إيران في القيام بدور مختلف، وأقل تهديدًا في المنطقة. مع ذلك، يتمثل جوهر المشكلة في عدم سيطرة ظريف على أعمال إيران السرية، التي يتولى أمرها الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني. ما الذي سيقنع المتشددين بأنه قد آن الأوان للحديث؟ إنه الضغط، ثم الضغط، ثم الضغط؛ ثم الدبلوماسية. وستكون هذه العملية المهمة أسهل مع إغلاق الملف النووي.
* خدمة {واشنطن بوست}
المصدر الشرق الاوسط