إنه الضابط المسيحي المصري، القبطي أباً عن جد رمز البطولة والفكر الجاد عنوان للوطنية ودرس رائع في حب مصر بلده وبلد أجداده العظماء، إنه اللواء باقي زكي أهم أبطال حرب أكتوبر بطل التخطيط لعبور الساتر الترابي، الذي خطط للنصر بفكره المصري وإيمانه المسيحي بقيمة الوطن إنه الرمز الوطني في حب مصر.
استمع الضابط مهندس باقي زكي يوسف إلى شرح المقدم طلعت مسلم عن كيفية القضاء على الساتر الترابي «خط بارليف» الذي أنشأته إسرائيل بعد نكسة 5 يونيو 1967 كأقوى خط تحصين دفاعي في التاريخ العسكري الحديث، شيدت إسرائيل هذا الساتر بارتفاع 7 أدوار وعرض 4 أدوار، ولم يقتصر هدف إنشائه على فصل سيناء عن مصر فقط وإنما بث الإحباط واليأس في نفوس الجيش المصري، كان يكفي جنودنا أن ينظروا إلى حجمه الهائل ليطرحوا أسئلتهم: «هل يمكن هدمه؟ كيف سنعبر إلى الضفة الأخرى وهو قائم بهذا الشكل؟» كان مجرد طرح هذه الأسئلة هدفاً إسرائيلياً في حد ذاته على خلفية قناعة القيادات الإسرائيلية بأنه لا توجد إجابة «مصرية» على هذه الأسئلة، لكن الضابط باقي زكي ياقوت قدم الإجابة.
شرح «المقدم» طلعت مسلم في الاجتماع قائلاً: «القضاء على الساتر الترابي باستخدام المتفجرات، وستستغرق العملية من 12 إلى 15 ساعة، والخسائر البشرية ستصل إلى %20».
جاء الاجتماع كما يقول باقي زكي يوسف في سياق يحدده قائلاً: حينما صدرت إلينا في مايو 1969 أوامر بالاستعداد للعبور في أكتوبر في نفس العام، اجتمعنا مع القادة ليعرض كل قائد فرقة خطته في العبور بأقل الخسائر، وكنت جالساً أستمع إلى شرح اللواء طلعت مسلم «كان برتبة مقدم وقتها». انزعج باقي زكي يوسف من حجم الخسائر فرفع يده طالبا الكلمة: «الحل في خرطوم المياه، وسنحتاج إلى طلمبات مياه ماصة كابسة صغيرة تحملها الزوارق الخفيفة، وتمتص الماء من القنال وتكبسها وتصوب مدافع مياه بعزم كبير على الساتر الترابي فتتحرك الرمال، وميل الساتر الترابي سيسمح بانهيار الرمال في قاع القناة، ومع استمرار تدفق المياه سنفتح ثغرات في الساتر بالعمق وبالعرض المطلوب، وعن طريق هذه الثغرات يتم عبور المركبات والمدرعات إلى عمق سيناء».
كان قائد الفرقة هو سعد زغلول عبد الكريم فاجتمع مع الضابط «باقي» الذي طلب منه تسجيل فكرته باسمه، ليتصل به فيما بعد: «أنا مضيت النهارده على أشرف وثيقة، وأنت أديتنا مفتاح بوابة النصر». استلهم الضابط فكرته مما كان يحدث في بناء السد العالي، حيث كان من الضباط المهندسين الذين عملوا في ملحمة بنائه الخالدة، تلقى جمال عبدالناصر الفكرة في اجتماعه الأسبوعي بقادة التشكيلات بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وأمر بتجربتها منذ سبتمبر عام 1969 ووصل عدد تجاربها إلى 300 مرة، وعلى ضوء هذه التجارب تم إقرارها، وتنفيذها في خطة العبور بنجاح وقللت في الخسائر البشرية 20بالمائة وسارعت في عبور القوات المصرية لتحقق النصر وترفع علم مصر على أقوى الحصون في العصر الحديث .. بفضل اللواء القبطي باقي زكي.
كان عمر باقي زكي وقتها 35 عاما، أي أنه اخترع فكرته العبقرية التي أهدت النصر لمصر وهو شاب يافع.. إلى أن رحل.
رحل منذ أسبوع اللواء باقي زكي في هدوء تاركاً إرثاً عظيماً وعملا وطنياً خالداً يفخر به كل مصري وقبطي.. رحل ولم ينل التكريم اللائق ولم يُلف في علم مصر ويُحتفل به كرمز من رموز العطاء بالطبع لكونه مسيحي… ولكن نحن الأقباط سنظل نحفظ هذا الاسم داخل قلوبنا وعقولنا ليس لأنه رمز للانتصار وإعمال العقل وتمجيد الفكر ولكن لأنه صورة صادقة للقبطي الغريب على أرض وطنه بعد أن نخر التعصب المقيت كل مؤسسات الدولة.
انتقل اللواء باقي زكي في هدوء ولكن بانتقاله أشعل فينا رغبة الاحتفاظ بتاريخه المجيد لنسطره كي لا يضيع وسط بلد تُجَّر للخلف بفضل تيارات دينية وتُسحب في هوة عميقة لقرون سحيقة مضت حيث التخلف والتطرف والتعصب وأشباه البشر عديمة الإنسانية.
وداعاً لك يا بطل وداعاً لك أيها القبطي الجسور ثق أن أبناءك وأحفادك يسطرون عملك ويحفظونه ويمجدون قيمتك الوطنية رغم أنف طيور الظلام والظلاميين.
مدحت قلادة
Medhat00_klada@hormail.cim