على “جبهتين” اقلّه، بات النزاع الكنسي الارثوذكسي مُعلَناً…على كل السطوح. “شرس”، جديّ، لهجته حادة، عالية، الى حد تهديد “الاخوة” بـ”قطع الشركة” في ما بينهم. وهذا يعني امرا واحدا فقط: زيادة الشرخ بين الكنائس. القطيعة المخزية. وعلى الجبهتين، قلوب محقونة تهدد انعقاد المجمع المسكوني الارثوذكسي الكبير المرتقب، تفجّر سكك العلاقات الممدودة بين “الاخوة الارثوذكس”… لا بل اكثر.
الجبهة الثانية احدثهما: النزاع بين البطريرك المسكوني برثلماوس الاول وبطريرك موسكو وكل روسيا كيريل الاول. والسبب، وفقا لما اورده اخيرا موقع “غريك ريبورتر” الاخباري ونقلته عنه مواقع ارثوذكسية اخرى، هو جهود الكنيسة الروسية “للحطّ” من نفوذ البطريركية القسطنطينية المسكونية في العالم الارثوذكسي، والتوسع في الصين واليابان. “هذه الاستراتيجية التوسعية لها امتدادات سياسية واضحة ذات طابع جيو-سياسي، بمساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، يكتب الموقع.
وفي التفاصيل ان رد برثلماوس كان “شديد اللهجة” على هذا الجهد الروسي: “وجه رسالة الى كيريل، واثنتين اخريين ذات طابع اخباري الى رئيس اساقفة اثينا وسائر اليونان ايرونيموس الثاني”. ووفقا لرسالته الى كيريل، فإن “الحقائق التي تسببت برد فعل البطريركية المسكونية هي قمع مساهمة كنيسة القسطنطينية في التنصير في “كييف روس”، الحط من وفد البطريركية، التعزيز غير اللائق للكنيسة الأرثوذكسية في أميركا المستقلة ذاتيا، ونشر مفاجىء لبيان يعارض العنف في الشرق الأوسط. وقد حصل هذا بالفعل العام 2011، في مجلس أساقفة رفيعي المستوى من الكنائس الأرثوذكسية في الشرق الأوسط، انعقد في فاناري” (اليونان).
ووفقا للموقع، فان “اهتمام الكنيسة الروسية بالتبشير في الصين واليابان ليس دينيا فحسب، انما هو سياسي أيضاً. والبيان المتعلق بالعنف في الشرق الاوسط يدخل هذا الإطار. ويبدو أن اللاوعي القيصري ظهر الى السطح، متصلا بالنظرية القديمة القائلة بـ”روما الثالثة”. ورغم دحضها، فانها تشكل الهدف الرئيسي. وتساهم الأحداث الكبيرة في تغليفها الذهبي”.
في 6 تشرين الاول 2013، وقف البطريركان جنبا الى جنب، مع بطريركين آخرين، في قداس في مدينة نيش الصربية، احتفالا بمرور 1700 عام على “مرسوم ميلان”، يوم أصدر الإمبراطور الروماني قسطنطين تعليمات لوضع حد لاضطهاد المسيحيين. وفي صورة اخرى لهما في التاريخ نفسه، كانا جالسين معا، في مناسبة تكريس كاتدرائية قيامة المسيح في بودغوريكا في مونتينيغرو. كأن شيئا لم يكن. “لقد اجريا محادثات ودية، تكلما خلالها على مسائل التعاون الارثوذكسي بين الكنائس والعلاقات الثنائية”، على ما أورد الموقع الالكتروني للكنيسة الروسية، من دون ان يشير اطلاقا الى مسائل خلافية بين الجانبين. كذلك،
انتهى الخبر، بعكس التكهنات حول “الآثار الجانبية” التي قد تكون تلك الحقائق المكشوفة وغيرها الحقتها بالعلاقات الكنسية. ولعل اولها وابرزها الغاء المجمع المسكوني الأرثوذكسي الكبير المرتقب. ولا تساعد اطلاقا جبهة النزاع الاولى في هذا الاطار، وخصوصا ان مدة اقصاها شهران حددتها بطريركية انطاكية وسائر المشرق لايجاد حل للازمة القائمة مع البطريركيّة المقدسيّة الأورشليميّة، على خلفية “تجاوز الثانية القوانين الكنسيّة التي ترعى العلاقات بين الكنائس”. وقد بدأ العد العكسي لانتهاء الشهرين في 18 تشرين الاول 2013.
“التعدي على الحدود القانونية لبطريركية انطاكية” هي التهمة الموجهة الى البطريركية الاورشليمية. استياء انطاكي، تقابله لامبالاة واضحة من بطريرك القدس اليوناني. في آذار 2013، كشف المجمع الانطاكي عن هذا النزاع الذي اشعله انتخاب مجمع البطريركيّة المقدسيّة الأورشليميّة الأرشمندريت مكاريوس “رئيسا لأساقفة قطر”، وذلك “بمعزل عن البطريركيّة الأنطاكيّة التي تقع دولة قطر ضمن حدود مداها الجغرافيّ القانونيّ”.
“بلّغ” البطريرك يوحنا العاشر رسالة شفوية الى بطريرك أورشليم ثيوفيلوس الثالث والبطريرك المسكوني، أتبعها برسالة خطية اليهما “عبّر فيها عن تَفاجُئه بقرار المجمع”، راجيا “اعادة النظر فيه، “وألا تتمّ هذه الرسامة، لأن كرسينا الأنطاكيّ الرسوليّ لا يمكنه قبول أيّ أسقف على أرضه، من خارج نطاق سلطته الكنسيّة القانونيّة”.
غير ان البطريرك لم يتلق ايّ رد من اورشليم على رسالته. فعمّمها على رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة. ورغم “كل الجهود والمساعي”، تمَّت رسامة مكاريوس في 10 آذار، ولم تعبأ الكنيسة الاورشليمية بإعلان انطاكية ان “قرارها ذلك تدخلٌ عن غير حقّ منها على أرض الكنيسة الأنطاكيّة، وبالتالي يشكّل تجاوزًا للقوانين الكنسيّة التي ترعى العلاقات بين الكنائس الأرثوذكسيّة”.
رفض انطاكي حازم للتجاوز الاورشليمي وللاسقف المعيّن، استياء، مساع حثيثية بعيدا من الاضواء… ومضت 8 اشهر استمهلت خلالها انطاكية كل كلام على الموضوع في الصحف، في انتظار “تصليح” اورشليم الوضع. لكنها لم تفعل، بل “أمعنت في تعديها”، على قول المجمع المقدس في بيانه في 18 تشرين الاول 2013، وذلك “رغم كل المبادرات والوساطات التي قامت بها البطريركية المسكونية والحكومة اليونانية، لحل هذه الأزمة وفقا للقوانين الكنسية وبروح سلامية”.
هذه المرة، تصاعدت حدة اللهجة الانطاكية: شهران فقط من تاريخه لايجاد حل… والا “اتخاذ الإجراءات اللازمة، بما فيها قطع الشركة”. كذلك قرر المجمع “تعليق مشاركة الكرسي الأنطاكي في كل المجالس الأسقفية في بلاد الانتشار (Diaspora) حتى إزالة التعدي الأورشليمي”. وفي لائحة الاجراءت الانطاكية المحتملة ايضا، “إعادة النظر في العلاقات الأرثوذكسيّة واتفاقات جنيف الحاصلة من اللجان التحضيريّة للمجمع الأرثوذكسيّ الكبير، وضمنها ما يعود إلى الانتشار الأرثوذكسي”.
hala.homsi@annahar.com.lb