بسمات ملؤها الآلام اخي صانع الامل
*حسن محمودي
من المستحيل أن ترى ناظمي بلا ابتسامة على شفتيه، وقد لا تجد مؤشراً أو ما يعبر عن صعوبة أو معاناة أو آلام في ضحكاته. معنوياته عالية. يصنعها بنفسه وينشرها. وقد لا تظن في أول لقاء لك به أنه يعاني من أي مشكلة على الإطلاق على رغم الآلام التي يخفيها وراء ابتسامته المريحة للنفس.
ناظمي هو أحد سكان مخيم «ليبرتي» الواقع قرب مطار بغداد الدولي، وهو يعاني من آلام السرطان المميتة منذ ثلاث سنوات. بلهجة هادئة رصينة يقول لك إن هناك حصاراً طبياً ودوائياً جائراً وغير إنساني تفرضه الحكومة العراقية على مخيم «ليبرتي» الذي يواجه سكانه وبشكل يومي مشاكل عدة وعمليات عرقلة ممنهجة. فالسلطات العراقية لا تسمح لسكانه بالذهاب إلا إلى مستشفى واحد. وتتعمد أيقاف المرضى عند مدخل المخيم لمدة ثلاث ساعات في حر الصيف، وتبقي ناظمي المريض بالسرطان وآخرين من المرضي محبوسين في سيارة الإسعاف في ظل جو العراق الحار جداً، ما يُعتبر تعذيباً، بالنسبة إلى المرضى، ومعاناة فوق معاناتهم.
وعلى رغم أن ناظمي يتحدث عن المشاكل والآلام بصبر، من منطلق إيمان عميق. وعلى رغم هذا كله يمكنك أن ترى الأمل وصورة انتصار النور على الظلام في كلامه. فيقول إننا مقبلون على قتال وتحد عظيمين ضد القوى الظلامية، وشروق الشمس آت لا محالة.
وفي ما يتعلق بمشاكله ومشاكل أصدقائه المصابين بالسرطان يضيف ناظمي: لا يتجاوز عدد المرضى المسموح لهم بالذهاب إلى المستشفيات الحكومية عن 3 إلى 5 مرضى وذلك تحت رقابة مشددة من قبل الشرطة والاستخبارات، بينما الفرصة المتاحة للمرضى في مراجعاتهم الطبية لا تتجاوز ساعتين أو ثلاث ساعات فقط. وغالباً ما يجبرونهم على الرجوع إلى المخيم والطبيب في منتصف الفحص أو التحليل أو العلاج. ويتعرض المرضى والمترجمون والممرضون المرافقون معهم، عموماً، لمعاملة قاسية مشينة وتهديدات وسلوكيات مستفزة من قبل عناصر الاستخبارات الحكوميين. وفي مرات كثيرة تتدهور الحال الصحية للمرضى بفعل المعاملات اللا إنسانية المتعمدة.
في عام 2010 عندما ذهب ناظمي إلى الطبيب ليأخذ منه نتائج التحاليل الطبية كان الطبيب يسعى إلى إخفاء النتائج بقلق، غير أنه عندما رأى الصمود والحيوية على ملامح وجه ناظمي تجرأ وقرر أن يطرح الموضوع له. وبعد تمهيد ملخص قال الطبيب لناظمي إنك مصاب بمرض السرطان، فرد ناظمي بعد لحظات قليلة وبوجه منفتح راض قائلاً: الشكر لله سبحانه أن استطعت القيام من أجل حرية شعبي حتى الآن ومن هذه اللحظة فصاعداً سأقاوم المرض ولا بأس.
ناظمي أحد سكان مخيم ليبرتي، المكان المصغر الذي لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر مربع، والذي تم نقل أعضاء منظمة «مجاهدين خلق» المعارضين الرئيسين للنظام الاستبدادي الحاكم في إيران قسراً إليه، من مخيم «أشرف»، وذلك من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والحكومة العراقية وتحت ضغوط طهران، وهو «مكان» يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة اللائقة بالبشر، على عكس المعلومات التي طرحوها حول أهلية الموقع للسكن والحياة قبل عملية النقل.
أخيراً وبعد مرور ستة أشهر من إبلاغه بالإصابة بالسرطان جاء موعد ناظمي للذهاب إلى المستشفى ليعالجه طبيب اختصاصي، لكنه خاطب أصدقاءه المصابين بالسرطان وقال لهم الآن دوركم وأنا لن أذهب إلا بعدكم، لكنهم رفضوا ذلك. في ذلك اليوم كان ناظمي يحس بأنه مقبل على يوم مليء بالأمل. ويقول: «في ذلك اليوم جعلوني ومعي عدد من المرضى ننتظر حتى الظهر عند مدخل المخيم في الحر الشديد وفي حال صحية متدهورة، من دون أي مبررات وبشكل متعمد. وحقاً لا يمكن تعذيب شخص مريض بأسوأ من ذلك، فتألم لأوجاع رفاقه المرضى وخاطب أحد الضباط الواقفين عند البوابة قائلاً: ألستم مسلمين؟ وهل تعلمون أنه جاء في المصحف الشريف إن حياة كل إنسان لها قيمة تضاهي حياة كل البشر جميعاً. وذكر الآية الكريمة: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَل نفسًا بغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ المائدة. أهذا إسلامكم أن تمارسوا كل هذا الإيذاء والتعذيب على مصاب بالسرطان!؟ لكنه لم يجد أمامه سوى جدار ثقيل من الظلم والقساوة خال من الروح البشرية وحتى من ظل الإنسانية.
أخيراً استطاع ناظمي ذلك اليوم وبعد معاناة، من الوصول إلى المستشفى على رغم المشاكل كلها غير أنه وصل في نهاية وقت الدوام فاعتذر له الطبيب الاختصاصي وأرجأ الموعد إلى يوم آخر، وهذه المرة لم تكن الابتسامة على شفتيه لأنه رأى ضحكة صفراء على وجه العنصر الاستخباراتي الذي كان يرافقه.
سألته ذات يوم عن نتيجة مراجعته للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين فأجابني إن الصمت واللا مبالاة تجاه كل هذه الآلام والمحن يؤلمني أكثر من تعذيب البقاء مريضاً محبوساً في سيارة الإسعاف في الحر. ويأتي هذا الصمت واللا مبالاة، فيما تنص قوانينهم، بحسب قرار المحكمة الجنائية في روما 1998،على أن أية إجراءات متعمدة لإيذاء وتعذيب المدنيين بحرمانهم من حوائجهم الضرورية للبقاء على قيد الحياة تُعتبر جريمة حرب. لكنني أرى أيضاً أن وقوف هذه المفوضية مكتوفة اليدين من دون أدنى أهتمام تجاه كل هذا يُعتبر جريمة أيضاً ترتقي إلى جريمة حرب.
ناظمي، بإيمانه العميق وصبره وبثقته بالنفس، أصبح رمزاً لسائر المرضى المصابين بالسرطان، يستمدون منه دروساً في الاستقامة والأمل. فهو يقول لهم: أنني أتحمل الألم والمشاكل ولن استسلم لها أبداً، ومثل هذه الرؤية تجعلني أكثر قدرة وطاقة في مواجهة السرطان.
ناظمي صانع الأمل.
* كاتب ايراني