لم يكن ينبغي أن يكون الأمر على هذه الدرجة من الصعوبة، لكن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، تمكن أخيرا من إقناع روسيا بالعودة إلى خطة السلام بشأن سوريا التي دعمتها مبدئيا خلال يونيو (حزيران) الماضي. لا يمثل هذا انفراجة، لكنه على الأقل بداية. ويبدو أن ما أدركته كل من الولايات المتحدة وروسيا هو أن انتقال السلطة، الذي يتم التفاوض عليه، في سوريا أفضل من القتال حتى الموت الذي من شأنه أن يزعزع الاستقرار في المنطقة. إن هذا لقرار حكيم، لكن ليس من الواضح ما إذا كان سيحظى بقبول العلويين، الذين يدعمون الرئيس بشار الأسد، والجهاديين السُنة الذين يمثلون العمود الفقري للمعارضة. ويقضي الاتفاق، الذي تحدث عنه أحد المسؤولين الأميركيين، بتنحي الأسد في إطار عملية سياسية بمجرد تشكيل كيان حكم انتقالي. وبكلمات أخرى، تجعل الولايات المتحدة رحيل الأسد ثمرة هذه العملية بدلا من أن يكون شرطا مسبقا. وبدعمهم الخطة علنا، يتعهد الروس فعليا بحشد الدعم للقادة في الحكومة السورية التي ستكون جزءا من المرحلة الانتقالية بعد الأسد.
ووصف كيري الهدف المشترك على هذا النحو بينما يقف بجوار نظيره الروسي سيرغي لافروف. وقال: «لقد أكدنا التزامنا بتسوية يتم التفاوض عليها باعتبارها الوسيلة الرئيسة لوقف إراقة الدماء». مع ذلك ما الذي ستفعله الولايات المتحدة وروسيا من أجل الوفاء بهذا الوعد؟ هل ستسمح الولايات المتحدة لإيران بحضور مؤتمر السلام الدولي كما ستحثها روسيا على الأرجح؟ الموقف الأميركي الرسمي هو أن إيران لا ينبغي لها حضور المؤتمر. وتخميني هو أن الرئيس أوباما قد يبدي مرونة إذا اعتقد أن الدور الإيراني سوف يثمر تسوية مستديمة للتوترات الإقليمية.
هل سيضغط الروس على الأسد والإيرانيين لتقبل الأمر الواقع، وهو أن الأسد انتهى؟ قال لافروف يوم الثلاثاء من دون إفصاح: «نحن غير معنيين بمصير أشخاص بعينهم»! وتحدث لافروف مع وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي يتبنى نهجا عمليا ويصلح لأن يكون طرفا فاعلا في المرحلة الانتقالية. مع ذلك من المشكوك فيه أن يحظى المعلم، أو أي شخص آخر تقبله المعارضة، بموافقة المتشددين داخل النظام. وتراهن خطة السلام، مثل الكثير من الخطط الأخرى المتعلقة بالشرق الأوسط، على فوز المعتدلين. مع الطابع المأساوي المعتاد، ثبت أن هذا الأمل ليس في محله. لإحراز النجاح هذه المرة، على الولايات المتحدة وروسيا دعم بعض القوى الإقليمية أو الدولية التي تستطيع التدخل بين الأطراف المتصارعة بعد بداية المرحلة الانتقالية للحد من عمليات القتل.
أخيرا بدأ فصيل ثوري معتدل في الظهور تحت قيادة العميد سالم إدريس، رئيس مجلس القيادة العسكرية المشتركة العليا. إنه يتولى المسؤولية، حيث يبعد قواته عن تنفيذ هجمات انتقامية بعد مذابح السُنة التي وقعت الأسبوع الماضي في القرى الساحلية. كذلك عرض إدريس التفاوض مع النظام ومقابلة الروس وحماية العلويين وتسليم الأسلحة الكيماوية. التحدي الذي يواجهه إدريس هو إثبات قدرته على دعم هذه المناصب الحساسة بقوة عسكرية كافية تمكن قواته المعتدلة، لا الجهاديين، من تحقيق توازن القوى بين الثوار. وتعتمد قدرة إدريس على تقديم هذه البنية من القيادة والسيطرة بدورها على التزام من قبل قطر وتركيا وغيرهما بتقديم مساعدة للثوار من خلاله هو لا من خلال الجهاديين. وهنا سيكون الضغط الأميركي الدبلوماسي مهما وحيويا. ربما توسع الولايات المتحدة، في سبيل دعم إدريس، نطاق المساعدات غير القتالية والتدريب بحيث يشمل تقديم الأسلحة حتى إذا ظل أملها الحقيقي يتمثل في اتفاق سلام يتم التفاوض عليه بدعم روسي.
بالنسبة إلى روسيا، يمثل إنهاء الأزمة السورية اختبارا لمدى إخلاص وتأثير الرئيس فلاديمير بوتين. لقد ترفع عن التفاصيل وتركها للافروف يوم الثلاثاء بعد أن ترك كيري ينتظر لمدة ثلاث ساعات. قد يثير هذا التعالي إعجاب الروس، لكنه لن ينجز المهمة المطلوبة الخاصة بسوريا. إذا فهم بوتين أخيرا أن روسيا ربما تكون الطرف الأكثر تضررا من إلغاء حدود اتفاقية «سايكس – بيكو» التي أبرمت عام 1916 بشأن الشرق الأوسط، سيبذل كل طاقته السياسية الشخصية من أجل إنجاح هذا الاتفاق بدلا من إيكال الأمر إلى لافروف.
مع الأسف، للمتطرفين دور في هذه العملية أيضا. ويمكن أن يصعد المتشددون في معسكر الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية أملا في إشعال نيران إقليمية. ويمكن أن ينتقم الجهاديون السنة من العلويين لما فعلوه في الماضي، لكن يمكن أيضا أن يفشلوا أي اتفاق للسلام. ويمكن أن يرى حزب الله وإيران أن مصالحهما ستتضرر إذا تمت الإطاحة بالأسد مما يدفعهما إلى إشعال الوضع في سوريا والمخاطرة بكل ما لديهما أملا في تحقيق النتيجة المرجوة. ويمكن لإسرائيل الاستمرار في شن الهجمات مما يستتبع ردا من جانب العرب. صحيح أن هناك الكثير من الأسباب التي قد تؤدي إلى فشل مبادرة السلام المذكورة، لكنها على الأقل قد بدأت.
* خدمة «واشنطن بوست»