الكتاب: حكاية.. ارض وصمود
الكاتب: نادر زعبي
إصدار جمعية ربوع الخير – كفر مندا – 2015
يتناول الباحث نادر زعبي في كتابه المذكور تصدي السكان العرب في الجليل لمخططات مصادرة أراضيهم خلال فترة الحكم العسكري بين الأعوام 1949- 1966، كما جاء في تصديره للكتاب.
يحوي الكتاب مواد توثيقية هامة جدا لمن يريد دراسة وفهم واقع الجماهير العربية في إسرائيل وما واجهته من تحديات بالغة القسوة والعنف بعد نكبة شعبهم الفلسطيني، عمليا يوضح الكتاب ان البقية الباقية من الشعب الفلسطيني فوق تراب وطنها كانت أشبه بالناطور لحماية الوجود الفلسطيني وتشريشه في ارض الوطن والدفاع بكل الوسائل النضالية الممكنة عن الأرض وعن مختلف الحقوق المدنية والإنسانية، في فترة كانت الأشد سوادا التي واجهتها الجماهير العربية الباقية في وطنها.
الباحث تناول أكثر السنوات التي تعرضت فيها الجماهير العربية الفلسطينية لسياسة ابرتهايدية بالغة الشراسة والعنف، وكان واضحا ان بقاء هذه الأقلية لم يكن في حساب القيادات الصهيونية.
يفتتح الباحث كتابة بتقديم عرض عام عن نتائج حرب عام 1948 وانعكاسها المأساوي على الجمهور العربي الذي تفسخت عائلاته ودمرت بلداته وفقد معظم أراضيه. والحديث عن مجتمع فلاحون أي لا حياة له بدون الأرض. مجتمع وجد نفسه في عاصفة أفقدته كل مقوماته كمجتمع وشعب وهيئات.
ضمن هذا العرض يوضح الباحث انه من مجموع (1.970.000) مواطن فلسطيني، بقي بعد النكبة (150) ألف عربي فقط، موزعين كالتالي: 65% في الجليل، 22% في المثلث و 13% في النقب. يوضح الباحث ان هذا التحول الديموغرافي الذي حول أصحاب البلاد من أكثرية إلى أقلية مضطهدة منكوبة، شكل ضربة قاصمة للعرب المتبقين في وطنهم. القيادات الصهيونية والسياسية للدولة الإسرائيلية اعتبرت العرب خطرا أمنيا ففرضت عليهم قوانين الطوارئ الانتدابية ومن ضمنها جهاز الحكم العسكري، عمليا هو جهاز حكم خاص بالجماهير العربية فقط. تحكم هذا الجهاز بحياة الأقلية العربية، قيد حقها بالتنقل داخل وطنها للبحث عن عمل ولقمة خبز ، سيطر على مختلف الوظائف الرسمية خاصة جهاز التعليم. كما يوضح الباحث ان السلطة الإسرائيلية اعتبرت العرب في إسرائيل “طابورا خامسا”..
طبعا رغم الواقع السياسي الحرج والأحكام العسكرية وخنق المجتمع العربي بحرمانه من ميزانيات تطوير، وغياب فرص عمل ، وإرهاب بوليسي ضد أي محاولة احتجاج، إلا ان الجماهير العربية قامت بعمليات احتجاجية ومقاومة، وهي كما يوضح الباحث لم تحظ بأي بحث جدي وشامل. ويقدم الباحث في كتابة وثائق هذا النضال وتشعبه وأشكاله وتطوره.
من المواضيع الهامة التي يطرحها الباحث أساليب مصادرة الأرض العربية وتهجير أصحاب تلك الأرض أحيانا لبناء بلدات يهودية على أنقاض البلدات والأراضي العربية.
يوضح الباحث ان قوانين مصادرة الأراضي في إسرائيل هي من فترة الانتداب البريطاني، ومنها قانون مصادرة الأرض للصالح العام (اقرأ لصالح اليهود فقط) وتقدر مساحة الأرض المصادرة حتى عام 1966 بمليون دونم .يتميز القانون الإسرائيلي بشبكة واسعة من القوانين والأنظمة التي أقرت بهدف نهب الأرض العربية، منها قوانين الطوارئ، قانون أملاك الغائبين، أي الفلسطينيون الذين طردوا من وطنهم أو هربوا خوفا من المجازر، قانون تركيز الأراضي، وغير ذلك من صلاحيات مختلفة لوزير المالية.. عمليا دولة إسرائيل الصغيرة وضعت قوانين أراضي مختلفة وكأنها إمبراطورية لا تغيب الشمس عن أراضيها. هذا الأمر ادخل تغييرات ديموغرافية واسعة لتخفيض نسبة المواطنين العرب في مراكز تواجدهم ورفع نسبة المواطنين اليهود.
الكتاب يوثق المساحات المصادرة وأشكال الاحتجاج التي مارستها الأقلية العربية، ومعظمها كانت عرائض ورسائل واجتماعات شعبية.
الكتاب يتناول بالتفصيل مصادرة أراضي المواطنين العرب الذين لم يغادروا أوطانهم ، ولا يشملهم قانون الأموال المتروكة أو الحاضر غائب، وهو قانون يسمح بمصادرة أملاك من غادر وطنه وعاد متسللا بعد إعلان الدولة ، لذلك يعتبر انه حاضر الآن وكان غائبا مع إعلان الدولة أي ليس مواطنا له حقوق أو أملاك. كذلك لم يشمله إحصاء السكان، فمنح هوية حمراء وتعني انه مقيم وليس مواطن وهو معرض للطرد وراء الحدود، وكانت هناك معارك قضائية واسعة للحصول على الهوية الزرقاء التي تعني عدم إمكانية الترحيل، وقد اشتهر وقتها المحامي الشيوعي حنا نقارة الذي أخذ على عاتقه تحصيل الهويات الزرقاء.
ولم يحظى الكثير من العائدين بعد أحداث حرب 1948 بهويات زرقاء، مما كان يعني تعرضهم للطرد من الوطن، أو القتل كمتسللين، أو الحصول على هوية حمراء تعني أنهم مقيمون ( أو “ضيوف” حسب الصيغة الرسمية حتى ايجاد حل منه الطرد من الوطن) وليسوا أبناء هذا الوطن.
كما قلت اشتهر وقتها المحامي الشيوعي حنا نقاره، وأطلق علية الناس لقب “محامي الشعب” ، وكانوا ينشدون له الأهازيج الوطنية فرحا بتحصيله للهويات عبر المحاكم الأمر الذي كان يعني البقاء في الوطن وعدم اعتبار الفلسطيني “متسللا” ( أو ضيفا) مرشحا للطرد وراء الحدود.
من تلك الأهازيج النضالية :
طارت طيارة من فوق اللية الله ينصركو يا شيوعية (اللية اسم مكان في الجليل)
حنا نقاره جاب الهوية غصبا عن رقبة ابن غريونا ( بن غوريون – أول رئيس لحكومة إسرائيل)
وتطورت ثقافة شعبية غنائية كجزء من النضال والصمود ضد التشريد، يذكرها الشاعر والمناضل حنا إبراهيم ( كتابه: ذكريات شاب لم يتغرب )وهي أغاني تحدي كانت تنشد في حلقات الدبكة والمهرجانات النضالية ومنها:
يا أبو خضر يللا ودينا الزرقات والحمرا ع صرامينا (أبو خضر هو اسم شرطي مارس العنف ضد العرب، والزرقات والحمر هي الهويات)
هذا وطنا وع ترابه ربينا ومن كل الحكومة ماني مهموما
يقطع نصيب ال قطع نصيبي لو انه حاكم في تل أبيب
توفيق الطوبي وإميل حبيبي والحزب الشيوعي بهزو الكونا (من أبرز قادة الحزب الشيوعي آنذاك)
ويتلقف الشبان الكرة ويعلو نشيد المحوربه ( نوع من الغناء الشعبي الفلسطيني) :
لو هبطت سابع سما عن حقنا ما ننزل
لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما نرحل
طبعا هذا الجانب النضالي أبدع فيه الحزب الشيوعي بقياداته الطليعية في ذلك الوقت.
هذه لمحة أضفتها لفهم الواقع الذي ساد المجتمع العربي الفلسطيني ، واقع تعيس ، لكن أبناء الشعب الفلسطيني لم يرفعوا أيديهم مستسلمين، وكان يوم الأرض (1976)عاصفة غضب شلت فكر الاستمرار في مصادرة ما تبقى من أراضي وهي قليلة جدا، إذ تقدر مساحة الأرض بملكية عربية اليوم أقل من 3.5% وكانت أكثر من 95% قبل قيام دولة إسرائيل..
هذا الكتاب وثيقة هامة ضرورية لكل مثقف وقارئ يريد ان يعرف حقائق الواقع من مصدرها الأول وبدون مزايدات سياسية.
*- نادر زعبي – كفر مندا– باحث في موضوع الجغرافيا السياسية وعلوم البيئة ويواصل دراسته للقب الثالث ولدية العديد من الأبحاث والوثائق الهامة التي ستنشر قريبا.
nabiloudeh@gmail.com
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :