ذكرنا في مقال سابق بأن للحكام العرب خطابان, الاول للداخل يظهرون به انفسهم للشعوب العربية على انهم تقاة يقومون الليل ويصومون النهار ويحكمون بصحيح الاسلام, ويبذلون الغالي والنفيس من اجل استعادة الاراضي المحتلة, وانهم رمز الصمود والتصدي, والأكثر من هذا هم يدعون بأنهم يتصدون للمؤامرات الغربية (الوهمية) والتي هي سبب بؤس الشعوب العربية وحالتهم المزرية, لكي يبعدوا الشبهات عن سرقاتهم للاقتصاد الوطني واحتكاره.
أما الخطاب الثاني فهو للخارج في الغرب, وبه يظهرون انفسهم على انهم حكام متحضرون يفهمون الثقافة الغربية, ويقومون بتلميع صورتهم على حساب شعوبهم التي يصفونها بأنها شعوب متدينة ومتطرفة ومتخلفة, لا تقبل بالديمقراطية…, ولكي يثبتوا للغرب بشاعة شعوبهم, قاموا بإنفاق الأموال الطائلة على بناء المدارس الدينية المتشددة, ومولوا إعداد المتطرفين وغسل أدمغتهم, وقاموا أيضاً وعن طريق أنظمتهم الامنية الرهيبة بتوجيه منتجاتهم من المتطرفين لتنفيذ عمليات ارهابية ضد الاقليات, لكي يقنعوا الغرب بوجهة نظرهم حول عدم تقبل شعوبهم للديمقراطية, وهذا ما حدث بتفجير الكنائس القبطية بمصر, والتي اظهرت الدلائل على انها من تدبير وتنفييذ وزير داخلية نظام مبارك نفسه حبيب العدلي, ونحن ليس لدينا ادنى شك بأن جميع العمليات الارهابية التي تجري ضد الاقليات المسيحية هي من صنع الانظمة الامنية الرسمية, والعمليات التي تجري الان في مصر ضد الاقباط هي من تدبير المؤسسة العسكرية الانقلابية وتحديداً الجنرال السيسي, والعمليات التي تجري بالعراق هي من تدبير نظام المالكي, والارهاب الذي يجري ضد الاقليات في سورية هو من تدبير نظام بشار الاسد المجرم.
عندما كنا نكتب مقالاتنا عن خيانة الحكام العرب لبلادهم, ربما كان هناك من يشكك بمنطقية جدلنا ومعطياتنا, وخاصة من الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة الخارجية الامبريالية الصهيونية, بالرغم من اننا كنا ندعم أبحاثنا بالادلة الموثقة,… ولكن في هذه المقالة لن نقول اي شئ نستنتجه من خلال بحثنا الشخصي , وإنما سنستخدم بحث اكاديمي كتبه الجنرال عبدالفتاح السيسي عندما كان دارسا ومتدربا في كلية الحرب التابعة للجيش الأميركي بولاية بنسلفانيا الأمريكية, وهو احد اعمدة نظام حكم حسني مبارك العسكريين وبطل الانقلاب العسكري الاخير في مصر.
أول ما نلاحظه في هذه الورقة والمكونة من (11 صفحة), وقدمت في (مارس 2006), أي قبل بدء الربيع العربي, وكانت بإشراف : الكولونيل ستيفن غراس, ومن خلال عنوانها: “الديمقراطية في الشرق الأوسط” بأن المؤسسة العسكرية الاميركية كانت تريد أن تعرف رأي المسؤولين العرب عن الديمقراطية في الشرق الأوسط, وذلك من خلال صناع القرار في الانظمة العربية, وهنا تأتي عبقرية المخابرات الاميركية بالحصول على معلومات حيوية من خلال اعطاء مثل هذه الابحاث لمثل هؤلاء المسؤلين والحصول على معلومات من مصادرها الاولية.
طبعاً لم يكن يتوقع السيسي بأن كاتب هذا المقال سيقوم بدراسة وتحليل بحثه وفضحه للرأي العام العربي, وإلا لما كان باح بكل هذه الاسرار عن كيفية إجابة الزعماء العرب على الاسئلة الحيوية والحساسة التي يطرحها عليهم المسؤولون الغربيون في جلساتهم السرية وراء الكواليس وخلف الأبواب المغلقة, لان هذه الإجابات ستفضح خيانتهم لاوطانهم وشعوبهم, كما سنرى في هذه الدراسة, اي اننا ومن خلال هذه الدراسة سيتسنى لنا ولاول مرة ان نتعرف على ادق الاسئلة والاجوبة التي كانت تدور بين الزعماء العرب والدبلوماسيين الغربيين ذوي المناصب الرفيعة والتي لم نكن نعرف عنها شيئا من قبل, وانما كنا في احسن الأحوال نستنتجها أونخمنها.
إذاً هذا البحث يعطينا فكرة شاملة عن استراتيجية الطغاة العرب بحكم (بخيانة) بلادهم من خلال احد اعمدة الحكم العربي العسكريين, وهذه الاستراتيجية الخيانية تجع كل الزعماء العرب من دون استثناء… من المجرم بشار الاسد الى الخائن حسني مبارك وصدام حسين والقذافي وصولا لحكام الخليج وانتهاءاً بآخر حاكم عربي معاصر.
نلاحظ في هذه الدراسة بأن الهدف الرئيسي للسيسي منها هو تسويق فكرة الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الدين في السياسة، والمزج بين ما يسمى ب(الإسلام الوسطي) والديمقراطية الحديثة، لكي يقتنع بها الغرب .
من هنا نرى بأن اهم رسالة كاذبة يريد ان يوصلها الزعماء العرب للغرب هي بأن الشعوب العربية لا تقبل بفصل الدين عن الدولة! ولكن الواقع هو أن الطغاة العرب هم انفسهم لا يريدون فصل الدين عن الدولة, لان الدين كما اثبتنا بدراساتنا السابقة هي الركيزة الاساسية التي يعتمدون عليها في تثبيت حكمهم واستقرار أنظمتهم, ولذلك هم يصرفون على المؤسسات الدينية الاموال الخيالية, لانها تساعدهم في السيطرة على شعوبهم وتخديرها وذلك بجعل الحاكم العربي الناطق الرسمي باسم الله الذي يحكم بصحيح الدين.
الرسالة الثانية التي يريد ان يوصلها السيسي للغرب, ومعه طبعاً كل الزعماء العرب, هي تشويه الجماعات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط, والتي يقول عنها : ” إن هدفها الأساسي هو العودة بالدولة الحديثة إلي عهد ” الخلافة الإسلامية ” في الأزمنة الغابرة،”,انتهى الاقتباس.
ولكن الشئ الذي لم يذكره السيسي في بحثه هو ان هذه الجماعات الاسلامية المتطرفة هي من صناعة الاجهزة الامنية في الأنظمة العربية, وان الهدف منها هو تخويف الخارج واللبراليين في الداخل من الديمقراطية, حيث أنهم يدعون بان البديل عنهم هم المتطرفون الاسلاميون, ومن هنا نرى أن سبب سخاء الانظمة العربية في تمويل المتشددين واطلاق يدهم في البلاد هو فقط لكي يخيفوا بهم اللبراليين والغرب من الديمقراطية, ولكن بحيث تبقى هذه الجماعات تحت سيطرة الاجهزة الامنية وان لا تتحول الى غول يبتلع النظام نفسه كما حدث مع الاخوان المسلمين في مصر وغزة وتونس؟
الكذبة الثالثة التي أراد ايصالها السيسي كممثل للزعماء العرب هي ان هناك اختلاف بين ثقافة الشرق الأوسط والغرب تجاه الديمقراطية ومستقبلها في المنطقة،..؟ ومن هنا نرى اصرار المسؤلين العرب الخونة على تصوير شعوبهم وكانها شعوب بدائية لا تتقبل الديمقراطية وذلك باستخدام حجة واهية وهي اختلاف الثقافة؟
ونحن نتسآل بماذا يختلف المواطن العربي عن الغربي تجاه الديمقراطية؟ هل العربي على عكس الغربي يريد بأن لا تتم استشارته بانتخاب نوابه؟ هل العربي على عكس الغربي لا يريد ان يحصل على اجره العادل من خلال اقتصاد السوق التنافسي, وإنما يريد ان يحتكر الحاكم وزمرته الاقتصاد لكي يعيش هو ببؤس وفقر مدقع؟
الكذبة الرابعة التي اراد ان يروج لها السيسي والحكام العرب هي ان محاولات الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط من شأنها أن تهدد الاستقرار الضروري لقيامها.
أي بكلام اخر لا تقترب ايها الغرب من انظمتنا العربية لان الديمقراطية تهدد الاستقرار؟ أي بكلام اخر اتركونا نستعبد شعوبنا ونحتكر اقتصادهم, وإلا فالبديل هو أن انظمتنا الامنية التي صرفنا عليها المليارات ستهز المنطقة وتدخلها في اقتتال طائفي وعرقي يؤدي الى عدم الاسقرار؟ وهذه قمة الخيانة والاجرام بحق الشعوب العربية.
الكذبة الخامسة التي يروج لها السيسي والزعماء العرب وهي منقولة حرفياً من بحث السيسي : ” أن استمرار الاستبداد في الشرق الأوسط يعود إلى ممارسات القوى الخارجية، بسبب أن المنطقة رزحت تحت ضغوط كبيرة بسبب احتياطات النفط والغاز الطبيعى الضخمة، التي أرادها الغرب لتحقيق أجندات لا تتفق مع احتياجات ورغبات الناس.” انتهى الاقتباس.
نحن نتسآل ما علاقة استمرار الاستبداد بممارسات القوى الخارجية؟ ما هي هذه الممارسات للقوى الخارجية؟ هل الخارج هو الذي يجبر الزعماء العرب على بناء المؤسسات الامنية الرهيبة؟ هل الخارج هو الذي يجبر الزعماء العرب على سرقة اقتصاد بلادهم؟ هل الخارج هو الذي يجبر الزعماء العرب على تزوير الانتخابات؟
هل السيسي والزعماء العرب مجانين لكي يظنوا بأن الغرب سيصدق ربطهم بين الاستبداد والممارسات الخارجية؟ وهل المسؤلون الغربيون بمجانين لكي يصدقوا الزعماء العرب عندما يربطون بين استمرار الاستبداد والممارسات الخارجية؟
الجواب المنطقي: ابدا, فلا الزعماء العرب بمجانين, ولا المسؤولون الغربيون بمجانين!؟… اذاُ, ما القصة هنا؟
نحن نقرا بين سطور هذا الربط بأن هناك مقايضة خبيثة بين المسؤلين العرب والمسؤلين الغربيين: وهو ان استمرار الاستبداد يؤمن لكم استقرار تدفق المواد الاولية الرخيصة وخاصة النفط من المنطقة, أي بكلام اخر غضوا الطرف وتغاضوا عن استمرارنا في الاستبداد مقابل استمرار تدفق النفط الرخيص اللازم لتحفيز الاقتصاد ببلادكم, وهذا بالضبط ما كان يقصد به بالممارسات الخارجية؟؟
طبعاً هذه المقايضة هي قمة في الخيانة والنذالة من قبل الحكام العرب.
الكذبة السادسة التي يروج لها الزعماء العرب وايضاُ من خلال بحث السيسي هو اعتبار أن الصراع العربي – الإسرائيلي والحروب الأميركية في العراق وأفغانستان تقوّض الأمل في تحقيق الديمقراطية في المنطقة، حيث قال السيسي ونقتبس:”نحتاج حل مثل هذه القضايا قبل أن تحظى الديمقراطية بقبول شعوب المنطقة….، وأن الولايات المتحدة تدعم أنظمة غير ديمقراطية”, انتهى الاقتباس.
ونحن نتسآل مرة ثانية ما العلاقة بين الصراع العربي الاسرائيلي والديمقراطية في البلدان العربية؟؟
ومرة ثانية نقول بان لا الغربيين ولا العرب بمجانين ليصدقوا مثل هذا الربط! ومرة ثانية تفوح من هنا رائحة المقايضة السياسية بين السكوت عن احتلال اسرائيل للأراضي العربية المحتلة وعدم فعل اي شئ سوى الكلام لتضليل الشعوب العربية, مقابل سكوت الغرب عن المطالبة بالديمقراطية في البلدان العربية, فهل هناك خيانة اكثر من هذا ؟
يقول السيسي في بحثه ونقتبس:” كما إن الضعف الاقتصادي يرغم الناس على سلوكيات تزيد الفساد ويخلق سلوكًا ثقافيًا يتناقض مع القيم التي تستند إليها الديمقراطية”.
هنا برأينا يحاول السيسي والزعماء العرب ايقاع الغرب بمشكلة البيضة والدجاجة وأي من هما قبل الآخر؟؟ هل الديمقراطية هي التي تجلب الازدهار الاقتصادي وتقضي على الفقر, أم انه يجب ان يكون الشعب مزدهرا اقتصاديا اولا لكي يستطيع ان يتعايش مع الديمقراطية؟
طبعا لن تنطل مثل هذه الفزلكات السيسية (من السيسي) على الغرب لانه من بديهيات علم الاقتصاد بأن الديمقراطية تضمن وجود الاسواق الحرة التنافسية وبالتالي تساهم برفع مستوى الدخل المواطن.
والسر الذي لم يكشفه السيسي هنا هو بأن الأنظمة العربية هي ذاتها التي تشجع على الفساد وتكافئ الفاسدين لكي يصبحوا جزءاُ من النظام يقاتلون في سبيل بقائه واستدامته, كما يحدث الأن في سوريا, حيث معظم الفاسدين وقفوا ضد الثورة وتغيير النظام وهم يستميتون من اجل بقاء النظام ربما اكثر من الزعماء انفسهم, أو كما فعل السيسي بانقلابه لكي يعيد نظام مبارك الفاسد من جديد والذي هو احد اهم اركانه.
ومن الأكاذيب التي وردت في بحث السيسي ايضاُ بان شعوب المنطقة ليست مستعدة للديمقراطية، وإن تغيير الثقافة السياسية ليس أمرًا سهلًا؟
وتعليقنا على هذه الخزعبلة السيسية : وهل الشعوب العربية آتت من كوكب اخر؟ لذلك هي ضد الانتخابات الحرة النزيهة على عكس كل شعوب الارض؟ لعمري هذه قمة السفاهة.
ومن الترهات التي يروج لها الزعماء العرب ونعرف ذلك من خلال بحث السيسي حيث انه اعتبر أن الديمقراطية تؤثر على النظم الاقتصادية الدينية والإعلامية، وأن الأمر سيستغرق وقتًا للتكيّف مع هذه التغييرات، محذرًا من التغيير السريع، لأنه يؤثر سلبًا على استقرار المنطقة. وكتب السيسي أيضاُ في بحثه: “الديمقراطية نظام علماني، ومن غير المرجّح أن يقبلها شعوب الشرق الأوسط المسلم، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة عززت شكوك شعوب الشرق الأوسط من أن الحرب العالمية على الإرهاب مجرد قناع لفرض الديمقراطية الغربية على الشرق الأوسط”.
وردنا على هذه الترهة ونتسآل بنفس الوقت هل ابقيتم ايها الخونة عقبة ولم تضعوها في طريق الديمقراطية؟ فما علاقة الانتخابات الشفافة بالدين واستقرار المنطقة؟ ومن الذي لا يقبل بالديمقراطية الشعوب ام الزعماء؟ وما علاقة اميركا باجراء انتخابات نزيهة؟ هل هناك اسفاف اكثر من هذا؟
من الواضح هنا بأن هناك ضغوط غربية على الزعماء العرب لتحقيق الديمقراطية في الشرق الاوسط، وأن الزعماء العرب يعملون كل جهدهم لاقناع الغرب بأن الديمقراطية شئ سيئ للشرق الاوسط, وهم على استعداد لتمويل اعداد الارهابيين الاسلاميين لكي يقوموا بعمليات ارهابية ضد الاقليات وذلك لكي يثبتوا للغرب بان الديمقراطية هي شر وكل الشر للشعوب العربية.
وفي الختام سنقوم بارسال رسالة لكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي بولاية بنسلفانيا الأمريكية لاعادة النظر بتقييم بحث السيسي وترسيبه ببحثه الذي لا يحوي سوى الاكاذيب والترهات وهذا عار على الكلية وعلى البحث الاكاديمي.
بالواقع يصلح هذا البحث أن يكون كتيب بعنوان: “كيف تصبح حاكم عربي بخمسة ايام”, على غرار الكتب الرخيصة “كيف تتعلم الانكليزية بخمسة ايام”, وكل ما عليك لكي تصبح حاكم او مسؤول عربي هو ان تتعلم الأكاذيب الواردة في بحث السيسي.
مواضيع ذات صلة:
كيف يغازل الحكام العرب اسرائيل: الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كمثال