(نموذج تقرير صحفي منشور على أكثر من موقع و محطات فضائية) من الشائع أن الصحافة أن تتداول الصحافة أموراً تهدف للإثارة و السبق الصحفي , و لكن عندما يتعلق الأمر بموضوع سياسي و تاريخي فيجب توخي الدقة و الكتابة بطريقة تتناسب مع أهمية الخبر و نوعية القراء و المستمعين. قبل يومين بثت إحدى الفضائيات المعارضة تقريراً يتحدث عن خلافات بين عشيرة الكلازية و الحيدرية في مدينة القرداحة, ثم نسخ هذا التقرير من قبل إحدى المعارضات و لصق على موقع إيلاف كخبر مثير بعنوان :
(خلافات في مدينة بشار الأسد بين عشيرتي الكلازية والحيدرية) ثم نقل التقرير إلى قناة إخبارية ثالثة و هكذا , دون أي تدقيق و إنما بطريقة القص و اللصق.
و هذه أهم الفقرات التي وردت في الخبر مع بيان ما يحتاج للتصحيح : (( بثت احدى الفضائيات السورية المعارضة تقريرًا عن خلافات بين عشيرتي” الكلازية” و”الحيدرية” في مدينة القرداحة مسقط رأس بشار الأسد )) (( ويشار إلى أن الحيدرية هي اكبر عشيرة للعلوية، والكلازية عشيرة صغيرة لم تبرز الى الساحة إلا بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم ))
أولاً: كلمة عشيرة الواردة في الخبر غير دقيقة نهائيا و السبب في ذلك أن مصطلح (الكلازية) و (الحيدرية) إنما هو مصطلح مذهبي لدي العلويين و ليس مصطلحاً قبلياً أو عشائرياً. و قد حصل هذا التمايز المذهبي قبل أكثر من قرنين من الزمن عند طرح مسألة عقائدية فانقسم العلويون (النصيريون) إلى مذهبين دينيين اتبعت فيه كل فرقة منهم أحد الشيخين رجلي الدين المتناظرين في المسألة .
و كانت المسألة تدور حول تجلي اللاهوت أو مسكنه (علي بن أبي طالب ) كرم الله وجهه هل هو القمر أو الشمس ؟
فالكلازية ذهبت إلى أنه القمر و لذلك يطلق عليها مصطلح ( القمرية ) بينما اختار فريق آخر أن التجلي أو المسكن هو الشمس فأطلق عليهم (الشمسية ) أو الحيدرية. و مصطلح كلازية اشتق من بلد رجل الدين (كلازو) .
ثانياً: يتبين مما سبق أن هذا العنوان غير صحيح أساسا و هو الخطأ الأول بالعنوان فقط . و للتوضيح نقرب ذلك بمثال لدى السنة مذاهب فقهية كالشافعية و الحنفية و لا يقال عشيرة الشافعية أو الحنفية ! و هذا الخطأ ارتكبه أيضا أحد المتصدرين للمحطات الفضائية بداية الثورة و شرحت له بعد الحلقة هذا الفرق . و أنه خلط المصطلحات المذهبية بالعشائرية . يمكن تقسيم السنة إلى كرد و تركمان و عرب الخ من جهة العرق لا المذهب و بالتالي لا يمكن القول عشائر التركمان و الشافعية مثلاً !
ثالثاً: و هو الخطأ الأكثر فداحة في هذا التقرير و هو ذكر عشيرة الحيدرية ضمن القرداحة !!!
و نؤكد لمعدي التقرير أن القرداحة لا تحتوي على حيدري واحد , بل و لا محيط القرداحة ! بل أكثر من ذلك القرداحة لا حتى القرى المحيطة بالقرداحة ليس فيها حيدري واحد , فمن أين جاء التقرير بعشيرة كاملة (حسب تعبيرهم) داخل القرداحة , إنه أمر محرج جداً . رابعاً: أشار التقرير إلى أن (الكلازية) عشيرة صغيرة لم تبرز للساحة إلا بعد وصول الأسد !!!
و لا أدري كيف جمعت هذه العبارة القصيرة مجموعة من الأخطاء التاريخية عن أمور تتعلق بسورية و سكانها . هل هو جهل كامل أو لا مبالاة أو أن معدّ التقرير غير سوري أصلاً ؟ من يدري !
ظلمات بعضها فوق بعض. أ الكلازية ليسوا عشيرة بل مذهب كما بيّنا و هم ليسوا عشيرة صغيرة بأية حال فمن أين حكم عليهم التقرير بأنهم قلة ! و من أين لمعد التقرير أنهم لم يظهروا للساحة إلا بعد الأسد ؟
و للتوضيح نشير إلى بعض الشخصيات من التاريخ السوري و كلها من الكلازية : الشاعر بدوي الجبل و أبوه الشيخ سليمان الأحمد و صالح العلي و صلاح جديد و عزت جديد و غسان جديد و محمد معروف و بديع مخلوف (مشارك باغتيال المالكي) و كل آل مخلوف هم من الكلازية و عائلة هواش و كنج و عباس و خيربيك كلهم كلازية و لهم دور في التاريخ السوري قبل مجيء حافظ الأسد إلى الحكم .
فمن أين هذه الدعوى العريضة عن الكلازية . هل وجدتم جهلا بسورية و تاريخها أشد من ذلك ؟ بل لو قلنا الشخصيات الكلازية كانت في الواجهة دوماً بعكس الحيدرية لكان القول أقرب إلى الصحة .
رابعاً: كان قارئ التقرير على الفضائية يقرأ كلمة كلازية بطريقة تدل على أنه لم يسمع بهذه الكلمة من قبل فهو يشدد اللام ليضاعف خطأ المعلومة بخطأ القراءة و اللفظ.
خامساً: و من باب البيان و الفائدة نقول (الكلازية) تقسم إلى عشائر و هذا التقسيم يشبه تماما التقسيم القبلي و أهم عشائر الكلازية في سورية : الكلبية و إليها تنتسب عائلة الأسد و القرداحة بالعموم و ما جاورها. المتاورة و الحدادين و النميلاتية و الخياطين , و هناك عشائر أخرى كثيرة قد تصل للعشرين أو أكثر و أذكر منها بسرعة النواصرة , القراحلة, البشارغة, المهالبة, العمامرة, الدرواسة , الرسالنة, الجراننة, المحارزة الخ يشار إلى أن بعض تلك العشائر انتسبت لدعوة سلمان المرشد ( المهالبة, العمامرة, الدرواسة) بشكل رئيسي.
سادساً: الوظائف الأمنية و العسكرية و المدنية الهامة تعطى للكلازية فعلاً و يتوقف ترفيع أي ضابط حيدري عند مستوى معين لا يتجاوزه و دورات الأركان تكون من نصيب الكلازية بأغلبية عظمى و لم يصل أي من الحيدرية إلى منصب مرموق أو مؤثر خلال حكم الأسد الأب و الابن .
إلا ما يقال مؤخرا عن رئيس الأركان علي ديوب فهو حيدري للمرة الأولى ربما للترضية الشكلية علماً بأنه غير مؤثر في القرار . و يشار لأمر آخر و هو أن أي ضابط أو مسؤول حيدري يكون معه من يراقبه من الكلازية و لا يتصرف بسلطة كاملة.
سابعاً: وجدت مقالاً على الانترنت في صحيفة الشرق لـ (خالص جلبي ) جاء فيه بأعاجيب و ظلمات بعضها فوق بعض و هو يتحدث عن الكلازية نقلاً عن ( صديقه الحموي ) ! يا إلهي فلقد خبص و عفس بما لا يدع لغيره مجالاً لسبقه . مما جعلني لا أستطيع الرد على ذلك . فقد خلط بين النصيرية و الإسماعيلية !!! و هما فرقتان أو طائفتان منفصلتان كلياً و يعرف ذلك أي قارئ مبتدئ بل بينهما حروب تاريخية شهيرة. كما ذكر خالص جلبي في معرض حديثه عن العلويين أن منهم (نزارية) !!!
لا أدري من أي كوكب هبطت هذه النزارية . و ذكر أيضا أن عدد الكلازية 100 ألف !!! و لا أدري من قام بهذا الإحصاء هل هو شخص توقفت عنده حدود المعرفة الرقمية عند هذا العدد فلم يتابع العد لأكثر من ذلك .
إنها أخطاء لا تستحق حتى الرد. بوضوح الكتابة في الصحافة تعتمد على عنصر واحد و هو العلاقات و الارتباطات فقط دون أي مؤهل أو اختصاص في مجال الكتابة .
ثامناً: العشائر الكلازية وفدت على المنطقة و استقرت في الساحل السوري بمعظمها.
و قد هاجرت من ( جبل سنجار ) كما تشير المراجع التاريخية لدى العلويين ثم توزعت على الجبال و السهول الساحلية و تقاسمت النفوذ و الأراضي. و هو مبحث يحتاج لتوثيق و تفصيل. لكن أشرنا إليه من باب الموضوعية و الفائدة العلمية.
أخيراً : هذه عجالة مرتجلة و مختصرة حول هذا التقرير الصحفي المكرر و الموضوع يطول و يحتاج لكتابة متأنية. كنت قد قمت بمراسلة المسؤول عن الفضائية بهذا الخصوص فلم أحصل منه إلا على عبارة تبث الاستغراب ( و هل مصداقية القناة تتوقف على هذا التقرير ) فشعرت بأنني أمام أسلوب لا ينسجم مع ما رسمته بذهني من احتراف و موضوعية حول مالك هذه القناة .
و مع ذلك فربما لم يستوعب أهمية الأخطاء أو الانشغال بأمور أخرى فالتماس العذر أولى تحريه. و راسلت من نسخ التقرير فلم أحصل على إجابة أيضاً و ربما لديهم عذر أيضاً.
و لذلك كتبت بعد يومين من نشر التقرير. كم تمنيت على المعارضة قبل الثورة السورية و خلالها أن تلتفت إلى أهمية هذه المواضيع التاريخية و المرتبطة بقوة مع الأحداث و ألا يهملوها لأنها من صلب الحدث و لكن للأسف لم أجد من يريد التنبه على مبدأ ( الإنسان عدو ما يجهل ). و هو ما يدل بوضوح أن موضوع الاختصاص غير معتبر لكن الولاءات الحزبية و العلاقات الشخصية تلعب دوراً بشكل يشبه نظام البعث و يشبه موضوع التقرير. و ماذا يضر المعارضة لو تخصصت أو استشارت أليس ذلك لصالح الحقيقة و الشعب السوري ؟ و هذه بعض الروابط لمن اراد الاطلاع على تلك الأخبار المنسوخة و الملصوقة دون أي موضوعية أو علمية.
التقرير عرض على قناة أورينت الإخبارية.
http://www.elaph.com/Web/News/2014/8/930642.html#sthash.6sOgiOZh.dpuf http://www.alaan.tv/news/world-news/111318/conflicts-in-the-city-of-bashar-assad-between-alkallazeya-and-alhaidareya-clans
http://www.alsharq.net.sa/2013/02/11/716554