مَنْ هم “غير المسلمين” في الأردن . ربما لدينا يهودٌ وبوذيون وهندوس، وَنَحْنُ لا نعلم، ولذلك تُحبُّ الحكومةُ، ووزارةُ تربيتها، ودائرةُ إفتائها أنْ تتحرى الدقة، فتُطلقَ هذا الوصفَ بحذرٍ شديد، فيجوزُ تعزيةُ “غير المسلمين”. حينما يشهدُ المجتمع جدلاً حول تحريم ذلك، بعد وفاة شابٍ أردني من عائلة مسيحيّة، وحينما تتطوّرُ المناهج تستبدلُ عبارة: “سكانُ الأردن مسلمون” بأخرى: ” سكّان الأردن في غالبيتهم مسلمون”.
أينَ ذَهَبَ الأردنيون المسيحيون. ولماذا تخجلونَ من ذكرهم صراحةً. هل يعيشون فعلاً في الكرك ومأدبا وعمان والسلط وعجلون وإربد والمفرق، أم أنهم كائناتٌ فضائية؟. ألا يخدمُ جريس في الجيش والأمن والدفاع المدني ووزارة الصحة، ويأكلُ المنسف والمقلوبة يوم الجمعة..؟. ألم تعالجنا طبيباتٌ وأطباءٌ مسيحيّون. مثل داود حنانيا، وحرّان زريقات. أليسَ لدينا مدارسُ مسيحيّة، تتوسّطون من أجلِ قبول أولادكم وبناتكم فيها. ألا تُسيطرُ الشركاتُ التي يمتلكها أبناءُ وبناتُ العشائر المسيحية على حصة وافرة من اقتصادنا، وتُوظّفُ الأردنيين المسلمينَ أيضاً؟
لماذا الترددُ والخوفُ من الإشارةِ إلى الأردنيين المسيحيين صراحةً وبزهو. يا لَه من إنجازٍ في الكتب المدرسية المعدّلة أنّ كنيسة العبدلي ظهرت في الصورة إلى جانب مسجد الملك عبدالله الذي يبعدُ عنها أمتاراً قليلة. يا لَه من اكتشافٍ أنّ لدينا كنائس، يُصَلِّي فيها مواطنون أردنيون. يا له من بؤسٍ أننا مضطرون للتذكير بعشرات الشهداء الأردنيين من العشائر المسيحية. هَلْ يفاجئكم أن عشيرةً مثل الحدادين، أو الحجازين (على سبيل المثال) قدَّمت شهداءَ لفلسطين أكثرَ من تنظيمات الإسلام السياسيّ التي سيطرت على وزارة التربية ومناهجها عقوداً طويلة، وتنتفضُ الآن بحثاً عن غزواتٍ دونكيشوتية!
قولي أيتها الدولة البليغة في حديث التنوّع والتسامح أنّ الأردن يتألفُ من مسلمين ومسيحيين، عندما تتحدّثين عن المعتقد، ودعي الأولاد والبنات يتصفّحون درساً عن المغطس، قريباً من مياه نهر الأردن، حيث تعمّدَ يسوعُ المسيح، ودرساً عن يوحنا المعمدان في مكاور، وعن عنجرة التي مرّت فيها أم الغيث وأم النور مريم العذراء، وقولي أيضاً أنَّ سكانَ هذه البلاد أردنيون وأردنيات، حينما تقصدين المواطنة.
لا أقلّ من ذلك. لا يليقُ بجنودنا الشهداء: جريس عيسى الهلسة، وفائق عودة حدادين، وسالم سليمان البطارسة، ولا بطيّارنا الشهيد إحسان عبد قاقيش أنْ نُصفهم بـ”غير المسلمين”.. فهم أردنيون مسيحيّون، والأمثلةُ أوسعُ من أيّ إحصاءٍ، وأوضح من أيّ دليل..
المصدر : كلمة الاردن