في تصريح للنقية “أنجلينا جولي” عقب أحداث باريس الدامية قالت:
“العالم يدين حادث “باريس” ويتناسى “لبنان” .. وأنا أصلى للبلدين!”
إنها عدالة الإرهاب وعنصرية الغرب وغطرسته، الإرهابيون يضربون في كل مكان دون تمييز بين دم ودم، وانتقائية الإدانة هي رياضة الغرب التاريخية، كأنهم يحدقون النظر إلي مواطني الشرق تحديقهم إلي جرذان أو إلي رائحة العفن، ونحن، كشرقيين، لا نملك أن نلومهم علي ضحالة نظرتهم إلينا، كما أننا، كشرقيين أيضًا، سنتفهم دوافعهم للتقليل من شأن دمائنا بمقارنة ميسرة بين رقيِّ “أنجلينا جولي” وبين صفاقة “أحلام” التي لا تملك من أوسمة النساء إلا حنجرة متوسطة الأوتار ولدت بها، لم تحرز في حياتها نجاحًا إلا من خلال هدية جينية في غير موضعها، بدوية ككل البدو الذين يظنون أن الحضارة تبدأ من قوة رصيد الإنسان في البنوك وحيازته لآخر إصدار من كل شئ، لا يعرفون أن الناس تعرف أن أفخر ما توصل إليه الإنسان في صناعة العطور لا يمكن أن يستر رائحة عرق الإبل الملتصقة بالتراكم في الأجساد ولا تلك الجلافة في الألسنة الصحراوية، وما يوم “كنطاكي” بسر ولا ببعيد!
لا يعرفون أيضًا أن الذين ينحنون لهم من خارج أنفسهم طمعًا في استدرار جيوبهم يصنفونهم في قرارة أنفسهم أشباه بشر لا أكثر ولا أقل، مع ذلك، أتفهم ما وراء نرجسية البدو الكاذبة، إنه الشعور العميق بالدونية وبعمق الفجوة الحضارية بينهم وبين جيرانهم الفقراء قد اختلط بالدوار الناجم عن التحولات الاقتصادية الهائلة التي داهمت عزلتهم التاريخية وخشونة عيشهم دون سابق إنذار..
أجدادٌ كانوا حتي وقتٍ قريب يبذّرون أعمارهم بين مطاردة الماء واحتراش الضباب وطقوس الماعز وبين الاستعداد لغارة أو ترميم جراحهم الناجمة عن غارة عليهم من قبيلة معادية، وأحفادٌ وجدوا أنفسهم فجأة قد انتقلوا من مرحلة البداوة لا إلي مرحلة التمدن الوسطي، إنما بداوة من نوع آخر، بداوة بطعم الحياة الملكية داخل إطار وهمي من التمدن المستعار من حضارات تشكلت بعد اختبارات حياتية وتجارب إنسانية لا تصلح للصحراء ولا تمت إليها بصلة، تلك التحولات الإنسانية التي صنعها أجداد “أنجلينا جولي” بمجهوداتهم المحمومة وبدمائهم حتي وصلوا إلي الساحل الآمن وارتبطوا برقيٍّ سيدوم إلي الأبد تحولات مضادة تمامًا لأعراف القبيلة التي تتوقع الطاعة، بل الصمت!
ما دام الأمر هكذا ليس مستغربًا إذاً أن تتضامن “أنجلينا جولي” التي لا تحمل يقيناً بالمناسبة، أقصد بالضبط ملحدة، مع دماء اللبنانيين ودماء الفرنسيين بالتساوي، وليس مستغربًا كذلك أن يأتي موقف “أحلام” متَّسقاً تمامًا مع ثقافتها، ذلك أن بدوية أخري كويتية الجنسية لم تغادر النكرة إلا عندما نشطت أو تظاهرت بالنشاط عقب اندلاع الصراعات بين الماضي والمستقبل عقب الربيع العربي، لا أحب أن أذكر اسمها لأني لا أحب الحشرات التي تعيش علي قمامة الآخرين وفضلاتهم وإفرازات جراحهم، ولأني أعرف أن من أشهر عادات أمثال هذه الحشرة دائمًا هو السير عكس التيار العام لتنمية الضوء الرخيص في أسمائهم، وأستغرب كيف لا يُخيِّبُ الأغبياء عادة أملهم وكيف لا يغلقون أمامهم معابر الشهرة الزائفة بكل بساطة، ذلك أن التجاهل يجب أن يكون الخيار الأول لكل من أراد أن يقتل هؤلاء مع سبق الإصرار، هذه الكويتية الضالة تعتبر “توفيق عكاشة” رمزًا قوميًا وقدوة لها، والحشرات أيضًا كالطيور علي أشكالها تقع، كما شمتت في إزهاق أرواح الفرنسيين فصفقت لها “أحلام”!
ثمة موقف آخر يجعلني مضطرًا أن أضع بياض “أنجلينا جولي” وحلكة “أحلام” في لوحة واحدة، أقصد بالضبط، عندما تبنت “أنجلينا جولي” طفلاً سوريًا، اعترضت “أحلام” هذا الجمال بالغضب، بحثاً عن أي ضجة تُبقي الضوء في اسمها متصلاً، وأبدت استيائها من تصرف “أنجلينا” معللة ذلك بأن الطفل سينشأ مسيحيًا، وأنا هنا لا لأقول كالحمقي: وهي التي لا تكف عن استعراض ممتلكاتها عن عمدٍ كلما سنحت فرصة دون أن يطرأ علي بالها يومًا أن تبدي ولو بعض الشفقة المجانية علي أطفال “سوريا”، إنما لأقول: انظر من يتحدث عن الإسلام ويغار عليه، كأنها “خولة بنت الأزور” مثلاً لا مجرد مغنية أنفقت ثلاثة أرباع عمرها في الدوران علي علب الليل!!
يجب علينا أحياناً ألا ننظر بعيدًا لنري باب الخروج، كما يجب علينا لنبدأ من جديد بداية صحيحة أن نعترف أولاً أن العفن يعشش في حواسنا من الداخل لا في مظهرنا الخارجي فحسب، إن ربط الأشياء بأي دين أو توجه أو ميول أمرٌ خاطئ جدًا، وضار جدًا، أهملته الإنسانية في مسيرتها نحو الرقي تمامًا، وبات من أعلي دلالات العفن والتخلف أن يحسم شيئاً من إعجاب الإنسان بفعل ما أن يكون فاعله مخالفاً له في العقيدة أو التوجه أو الميول، وبنفس القدر، بات من دلالات العفن والتخلف عن ركب الإنسانية تهليل الإنسان للشر أو تبريره له لمجرد أن وراءه شريك له في التوجه أو العقيدة، سوف يبقي الشر شرًا أيًا كانت دوافعه، ليس للشر منطق أبدًا، ولا أعرف في العصر الحديث صُناعًا للشر إذا اقتربت منهم تكتفي أكثر خسة ومهارة من المنتمين إلي ذلك التنظيم المعروف بـ “داعش”..
قبل أقل من أسبوعين ضرب الإرهاب في “سيناء” ضربة أشبه بضرب الماء بحجر كبير سوف تثور لهذا الحجر علي الأرجح سواحل بعيدة، أقلها خروج “سيناء” عن السيطرة المصرية، وقبل أيام ضرب “داعش” فى عقر دار الشيعة، وأراقت دماءًا كثيرة من المدنيين اللبنانيين الذين لا يعرفون شيئاً عن أسباب المعركة ولا أبعادها ولا يريدون شيئاً من الحياة سوي حياة كالحياة، أو حياة كأي حياة في انتظار حياة كالحياة، وقبل أن تنخفض نبرات الشجب والإدانة الشاحبة أصلاً فوجئ العالم بنفس التنظيم يضرب في العاصمة الفرنسية ويدمي قلب العالم كله، وهذا تطور شاهق جدًا في قدرة “داعش” كان يجب أن يثير عدة أسئلة تقليدية مثل:
متي؟ لماذا؟ كيف؟ من المستفيد؟
غير أني، لأني أعرف، وقلت مرارًا أن هذا التنظيم لا علاقة له بقيمة ولا توجه ولا دين، ولا يتبني من الإسلام سوي قيم من قيم الحواف التي وضعها مغرضون لا ضمير لهم بين طياته باحترافية شديدة أو اقترحها مجتهدون بحسن نية أساءوا تأويل المرامي وإدراك الجذور، إنما تنظيم مخابراتي صنع خصيصًا من أجل التحطيم عن عمد بهدف قيادة الفرس إلي الماء، وقد أدي مهمته بنجاح منقطع النظير في الشرق الأوسط أو يكاد، حتي إذا افترضنا صحة إدعاء وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” مؤخرًا بأن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيره وأن أيامه باتت معدودة، فهذا لن يغلق ما نكأ التنظيم من ذرائع مرشحة لتسلل القوي القارية إلي المنطقة بكل بساطة، ذرائع هائلة إلي حد أن استمرار “داعش” في الجوار لم يعد له معني، وأغلب الظن سيتم تحريك التنظيم في الأيام القليلة المؤجلة إلي مناطق أخري من العالم تأتي بوابات “روسيا” في صدارتها بهدف تسييل الأفق السياسي فقط وجعل الساسة الروس أكثر إذعاناً لإملاءات الغرب لا اختزال جغرافيتها، فـ “روسيا” ليست هشة إلي هذا الحد طبعًا، إنها عالم قائم بذاته!
قد يطرأ سؤال هنا:
– كيف ترضي “الولايات المتحدة” بإهانة وهز كبرياء أجمل حلفائها علي الإطلاق بهذا الشكل المزري؟
هذا السؤال المفترض ينكمش إلي إجابة بسيطة:
لا عواطف في السياسة، وسيبقي كتاب “الأمير” للسيد “ميكافيللي” هو الاختيار الأول لكل الطهاة السياسيين في العالم، وهذا منطق إسلامي أيضًا، درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة، حسب تقديرات الناس للمفسدة والمنفعة طبعًا، غير أن كل ما ينفع “اسرائيل” ويعزز من أمنها ويتماشي مع الاختيارات التوراتية فـ “الولايات المتحدة” كالوتر المشدود علي الدوام لتحقيقه ونسف كل عائق يعترضه، لا أحد أو قيمة أهم من “اسرائيل” عند “الولايات المتحدة”، وأجدني استغرب كثيرًا من الذين يحصون “اسرائيل” الولاية الأمريكية رقم 52، فهذا اعتقاد يجري في يقين الغباء، إن “أمريكا” هي الامتداد الجغرافي لـ “اسرائيل” وجاريتها المطيعة، ذلك أن الذين تواطأ الأمريكيون علي تسميتهم بـ “الآباء المؤسسين” قد اتفقوا علي أن كتاب “العهد الجديد” ما هو إلا استكمال لكتاب “العهد القديم” وأن المسيحية هي اليهودية الأحدث عمرًا لا أكثر ولا أقل، وأن “فلسطين” هي مملكة الرب، لقد نسقت “البروتستانتية” مكيدتها التاريخية جيدًا..
وسدًا لكل الثغرات أضيف أن السيد ” ونستون تشرشل” كان علي علم تام بالتوقيت الدقيق لهجوم المقاتلات اليابانية علي ميناء “بيرل هاربر” لكنه أخفي هذه المعلومة المؤكدة عن حليفته “الولايات المتحدة” بهدف إغراقها في مستنقع الحرب العالمية الثانية لأنه رأي أن ذلك مفيد جدًا لمعركة بلاده، ولم يتجاوز الرجل الصواب!
النقطة الدالة في جريمة “باريس” هي ضلوع أحد الفرنسين في القيام بها، قد أتفهم دوافع أحد العرب للانزلاق إلي العنف، غير أني لا أستطيع أن أتفهم أو أن أستسيغ حتي دوافع شخص أوروبي تنهكه الحرية والديمقراطية في أبهي صورها للانزلاق إلي الراديكالية!
بالعودة إلي آخر جرائم “داعش”، تفجيرات “باريس” بشكل أكثر عمقاً، سنجد أن أبرز معطياتها سوف لا تتجاوز المضي قدمًا في مخطط “شرق أوسط جديد”، وتدفق المزيد من يهود أوروبا إلي “اسرائيل”، وعراء شتائي سيجمد أطراف اللاجئين علي بوابات أوروبا، وهدية مجانية وقبلة حياة جديدة لأنظمةٍ ليس من صالح “اسرائيل” الإجهاز عليها قبل تموضعها هي بين خريطة جيوسياسية مريحة ومرضية تم تصميمها بعناية شديدة منذ وقت طويل، ولقد رأي العالم كله “أولاند” أشد المتحمسين لرحيل “بشار الأسد” ضراوة، عقب جريمة “باريس” وإحراجه شخصيًا يصرح قائلاً:
– عدونا في سوريا هو “داعش” ولكن سنبحث عن حل سياسي لا يتضمن بقاء “الأسد” في السلطة!
هذا الكلام يعني ببساطة أن “بشار الأسد”، وهو جذر الأزمة السورية وساقها، قد انتقل فجأة من قلب الكراهية إلي أطرافها، كما صرح “أولاند” قائلاً:
– تفجيرات “باريس” خطط لها في “سوريا” ونظمت في “بلجيكا”!
وأغلب الظن أن “اسرائيل” هي المتهم الأول في إلامساك بخيوط “داعش” ومتعهد جرائمه، وما أكثر القرائن، علي سبيل المثال:
– تفجيرات “لبنان” قد حدثت علي بعد أمتار من مخيم للاجئين الفلسطينيين بهدف شيطنة أفق الجوار الهادئ وتفجير التعايش السلمي بين “حزب الله” وسكان المخيمات..
– لم يحدث أبدًا أن وقع شبر واحد من الأراضي التي تسيطر عليها “اسرائيل” حتي الآن تحت وطأة “داعش”، وأغلب الظن لن يحدث هذا علي الإطلاق!
– انسحاب “كندا” من التحالف ضد “تنظيم الدولة”، لماذا برأيك؟، ما الذي انتبهت إليه المخابرات الكندية وما زال سرًا مغلقاً علي مخابرات دول أخري؟
قرينة أخري يدهشني كيف لم يتوقف أحد عندها طويلاً:
قبل شهر ربما أعلن المتحدث بإسم “بنيامين نتنياهو” أن مواطناً عربيًا يحمل الجنسية الإسرائيلية هرب بطائرة شراعية إلى “سوريا”، متجاوزاً الشريط الفاصل مع الجزء الذي تحتله “اسرائيل” من هضبة الجولان، وهبط في منطقة “حوض اليرموك” بمحافظة “درعا” الخاضعة للواء “شهداء اليرموك” الموالي لتنظيم “داعش”، بحكم العلاقة التي تربطه بقائد اللواء “أبو علي البريدي” المعروف بلقب “الخال”!
كما أكد الناطق بإسم الجيش الإسرائيلي، “افيخاي أدرعي”، عبر حسابه الرسمي علي موقع “تويتر” صحة الخبر، وقال:
– مواطن إسرائيلي عربي “23” عامًا من سكان “جلجولية” انتقل الى الجانب السوري من الحدود في خطوة مخطط لها!!
بالتأكيد هي خطوة مخطط لها ومبيتة، أصدق “أفيخاي” جدًا، كما أضاف مؤكدًا أن هروب الشاب لم يكن اعتباطيًا أبدًا:
– على ما يبدو أن انتقال المواطن الإسرائيلي على متن طائرة شراعية مساء أمس يأتي كخطوة مخطط لها للانضمام إلى إحدى المنظمات في “سوريا”!!
كما أكدت حسابات مقربة من تنظيم “داعش” على مواقع التواصل الإجتماعي صحة الخبر أيضًا!
رويترز كذلك نقلت عن أحد مسلحي المعارضة السورية تنشط جماعته في منطقة سقوط الطائرة قوله أن المتسلل هبط إما في منطقة “القنيطرة” أو في “درعا” المجاورة لها!
أليس هذا الخبر جديرًا بأن يحرك في النفوس أفكارًا مريبة؟
كيف استطاع إسرائيلي أن يضلل “الموساد” بهذا الشكل ويطير إلي بؤرة اشتباك نشطة من الطبيعي أن تكون تحت وطأة رقابة صارمة 24 ساعة في الـ 24 ساعة، بل 60 ثانية في الـ 60 ثانية؟
الأغرب أن الشاب الذي يسيج الغموض حتي الآن حقيقته وأهدافه قد استخدم في الهروب وسيلة لم تسجل كوسيلة للهروب إلا مرات نادرة في التاريخ أشهرها هروب مواطن كان يعيش في “ألمانيا الشرقية” إلي “ألمانيا الغربية” عبر سور “برلين” رغبة في الفكاك من جحيم النظام الشيوعي العسكري وقسوته، لكن ذلك المغامر الألماني قد نجح في الهروب من الظلام إلي النور علي كل حال، فما هي دوافع شابٍ في مقتبل العمر للفرار من نور حقيقي تتكفل جيوش العالم بحراسة اتصاله إلي ظلام أشد حلكة من ظلام العصور الوسطي وبلدٍ تندلع النيران في كل شبر من رقعته الجغرافية؟ ما هي دوافعه إذا استثنينا الرغبة في الانتحار أو طلب الشهادة؟ وأين، ومتي، وكيف تعلم قيادة الطائرات؟
أليس من الوارد أن عمليتي “باريس” و “لبنان” قد تم التخطيط لهما في “إسرائيل” ولعب هذا الشاب دور “الحمام الزاجل” في العصور الوسطي بعد أن أصبح التواصل مع التنظيم في وجود “روسيا” وأجهزتها إن لم يكن أمرًا صعبًا، فلا أقل تفاقم احتمالية اكتشافه؟
محمد رفعت الدومي