باخرة فلبينية في طرطوس
ترتبط صورة الفلبين حول العالم بعاملات المنازل والسائقين، وفي أفضل الحالات بالممرضات ونفر قليل من الأطباء غير الاختصاصيين. وفي بعض بلدان العالم، وفي طليعته العالم العربي، بعض الأعمال احتقار. وأحيانا أي عمل عدا الباشوية والبكوية هو تحقير أيضا. ويلقى الفلبينيون في بلداننا معاملة فوقية أو سيئة أو انتهاكية.
عندما تضرب الحروب بلدا ما، أو تهدده الأخطار، يسارع الأميركيون إلى إجلاء رعاياهم. ويتبعهم البريطانيون والفرنسيون ثم الإيطاليون. ترسل هذه الدول الصناعية بوارج أو بواخر لإعادتهم إلى أوطانهم، حماية لهم من جنون القتال وانهيار الروادع البشرية. لكن عندما تأتي المسألة إلى سلامة مواطنيها، تتصرف الفلبين مثل أي دولة كبرى. هؤلاء ليسوا عمالا وعاملات، بل هم مواطنون لهم حقوقهم أينما كانوا.
الباخرة الوحيدة التي أبحرت من طرطوس الأسبوع الماضي، كانت تحمل جميع الفلبينيين العاملين في سوريا. الباقي بوارج روسية تتفرج على زوال الدولة السورية وتضمن بقاء النظام. الأمثولة تأتي هذه المرة من الفلبين: دولة تجلي أبناءها لأن دولة أخرى لا تكف عن إرسال السوخوي والميغ على رؤوس أبنائها ومنازلهم ومساجدهم وطرقاتهم ومدارسهم.
سمح للفلبينيين، بسبب تدخل دولتهم، الخروج على باخرة، فيما يطفق السوريون عبر الحدود، أي حدود، في أي اتجاه، مفضلين الجوع والخيام والصقيع والوصول على طلعات الميغ وراجمات الصواريخ والدبابات والمدرعات، وما هو أسوأ: المعتقلات.
تسبب اعتقال مواطن فلبيني في سنغافورة بأزمة شبه دولية. هذه دول تعرف معنى أن يكون الإنسان مواطنا. تتكفل هي حمايته أينما كان، ولا تتكل على «الجناح العسكري» في عائلته لكي يتولى ذلك، وفي طريقه يتكفل أيضا بتخريب بلده وحرمانه من زائريه ومن مداخيله ومن سمعته.
ألم يكن المشهد كئيبا في طرطوس؟ باخرة تجارية واحدة، والباقي لافروف؟ والباخرة هذه تنقل آخر الأجانب، بعدما غادر الغربيون منذ الأيام الأولى لما بدا رحلة طويلة في الدماء والخراب والاستعلاء. هنيئا لعمال الفلبين بسلامة البحر، ولو في فصل الأمواج. لكن ما العمل. فمطارات سوريا مغلقة أمام القادمين والمغادرين، وأجواؤها مزدحمة بطائرات السلاح الجوي العربي السوري، تقصف قلعة حلب وغوطة دمشق.