اين تذهب اطنان الدنانير يامرجعيات كربلاء

صورتان لاتفارق مخيلة النابه الذكي:maryanantieaque2
صورة الدنانير في العتبات المقدسة وهي ترزم “في كواني” ولا احد يعرف اين تذهب، والصورة الاخرى لدار العجزة في كربلاء.
الذي يقارن بين الصورتين لايسعه في ايام عاشور هذه الا ان يلطم بزنجيلين وسيف مع شوية معجون طماطم ،ويظل يلطم حتى يغمى عليه فيما الناس الذين حوله يعتقدون انه “حسيني”الهوى وهو عنها بعيد.
لماذا؟ ……
في الصورة الاولى يشكك المرء في نوايا القائمين على رزمها،مع استثناء بسيط، وفي الصورة الثانية ترى العجب العجاب لاجدادنا وهم ينتظرون الموت باحر من الجمر بعيدا عن الهوان الذي يعيشونه.
انه هوان بالمعنى الحرفي له،انه الذل بعينه بعد ان فقد جميع النزلاء بلا استثناء حرارة الحياة وسط كومات الاهمال وقلة الدواء وحديث الصراصر مع بعضها احتجاجا على نوعية الاكل المقرف والظلام الحالك قبل ان يحل الليل.
لا احد يعرف متى ينام هؤلاء النزلاء ومتى يستيقظوا خصوصا وقد اصبح اليوم الواحد نسخة مكررة من ايام كثيرة مضت.
يضحك الكثيرون منهم بغضب حين يسألهم احدهم عن برامج الترفيه.
ويضحكون اكثر حين يسأل نفس السائل عن آخر زيارة قاموا بها الى اهاليهم او اماكن عيشهم السابق، او حتى الى حديقة عامة.
احدهم انحنى ظهره وبانت تضاريس يديه وقدميه يلخص كل ذلك بكلمات لاغيرها:
وهل يستطيع نزلاء السجون ان يبتعدوا عن زنزانتهم الا قليلا.
قيض لابي الطيب ذات يوم ان يكون نزيلا في دار رعاية المسنين في بلاد الكفار ( ويسموها هناك دار الرعاية )، لم يكن عجوزا ولا معاقا بل ارسله الطبيب للراحة والاستجمام بعد حادث مروري تسبب في كسور في اضلاع من جسمه.
بعد ان امضى ثلاثة اشهر من النقاهة هناك جمعتنا واياه جلسة سمر قال فيها وهو يكاد يزفر نارا:
لقد تيقنت ان هؤلاء الكفار سيذهبون جميعا الى الجنة..تلك الجنة الموعودة للناس الشرفاء الحريصين على سعادة الاخرين بعفوية منقطعة النظير وبدون مقابل ،لا ادري وايم الحق من اين جبل هؤلاء، انهم يشعروك انك الوحيد النزيل عندهم حتى تشعر بالملل من هذه الرعاية وتحتج وتأتي اليك رئيسة الممرضات وابتسامتها تسبقها حتى تشعر بانك اخذت حماما ساخنا لتوك وتسألك عما يضايقك فتسكت على مضض وتعرف هي انك ” دلوع شوية”.
ماعلينا……
ليس من احد يريد الاساءة الى المرجعيات بمختلف اطيافها ولكن يحق للذي يرى الصورتين اعلاه ان يسأل اين تذهب اطنان الدنانير المنذورة في العتبات المقدسة، قد يقول قائل: انك لاتعرف ايها المتحامل ان هذه الدنانير تصرف على الكثير من المشاريع الانسانية والخدمية التي تهم ابناء المحافظة وغيرها،واقول دلوني على من اهتم بدار العجزة في كربلاء وانا مستعد للاعتذار في نفس الموقع.
عفوا ايها السادة لست شيعيا ولا سنيا ولكني،وياللمصيبة،عراقي الهوى.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.