اوراق مؤتمر ستوكهولم….1
بقلم: د.اكرم هواس
بدعوة من وزارة الهجرة و المهجرين العراقية عقد قي الفترة بين التاسع و الحادي من الشهر الجاري مؤتمر للجالية العراقية في العاصمة السويدية. المؤتمر كان مخصصا للجالية العراقية في اوروبا و كان احد الاهداف المعلنة له يتعلق بمساهمة الدياسبورا العراقية في تنمية بلدها الام و هذا ما دعاني انا شخصيا و من المؤكد اخرين غيري ايضا للمشاركة.
بعد انتهاء المؤتمر كنت قد وعدت زملائي و اصدقائي ان اكتب مجموعة مقالات عن طبيعة التحديات التي تواجه قضية التنمية التي كانت محور الورشة التي كنت احد المشاركين فيها. في هذه المقالة التي ستكون اولى تلك المجموعة سابدأ بتقديم ملاحظات اولية ستشكل مدخلا للمقالات اللاحقة و التي ستكون اكثر دقة و اختصاصا. على كل حال فان هذه الملاحظات لا تعتبر نقدا لاحد بقدر ما تتعلق بالعلاقات المجتمعية اي نمطين مهمين من العلاقات و هما العلاقة بين الدولة و المجتمع و كذلك العلاقة بين السلطة و التنمية. في المقالات التالية ساوضح هذه المفاهيم و ساعمل على ربطها بشكل مباشر بقضية التنمية.
الملاحظة الاولى هي اني كنت اعتقد او على الاقل اتمنى ان اجد اجواء المؤتمر تتسم و تؤكد هذا المعنى اي دور الجالية العراقية في تنمية العراق الا ان الجلسة الافتتاحية قد اطاحت بكثير من الاحلام وأكدت الاساطير التاريخية حول المؤتمرات التي تنظمها حكومات العالم العربي فلم اجد حضورا لوزير التنمية السويدية كما كنت قد فهمت و لا حضورا لاي متخصصين من وزارات عراقية ذات صلة بالتنمية بل ان الجلسة الافتتاحية كادت ان تتحول الى هرج و مرج لولا تدخل الوزير الذي حور في جدول الاعمال لصالح سماع شكاوى بعض الحاضرين الذين علا صوتهم بالمطالبة في حقوقهم او حصصهم من كعكة العراق بدلا من مساعدة شعبه الذي يزداد فقرا.
الجدول الاساسي الذي لم نطلع عليه الا اثناء الجلسة كان متسما بالخطابة المهرجانية التي لا تترك للحاضرين سوى التصفيق مما اغضب احدى المشاركات الثوريات و دعتها الى مقاطعة خطاب احد المتحدثين و الطلب منه سماع (ارائنا) و كان ذلك طلبا شرعيا و مشجعا لولا انزلاقها و من بعدها اخرون الى الشكوى من عدم حصولهم على التقدير ماديا او معنويا نتيجة نضالاتهم الطويلة التي تخللها السجن و الحرمان….و….و.. من اجل العراق. و عليه فان الملاحظة الثانية تتعلق بغياب او تغييب رأي المتخصصين من ابناء الجالية العراقية في وضع اولويات المؤتمر.
ملاحظة ثالثة تتعلق بمشاركة متواضعة من المرأة في المؤتمرحيث ان عدد المشاركات كان شحيحا جدا و هذه الحقيقة المرة تفتح امامنا تساؤلات كثيرة عن تحرر المرأة و دور نصف المجتمع في التنمية و امكانيات المرأة و استقلاليتها…و….و…الخ
الملاحظة الرابعة تتعلق بقضية غاية في الاهمية و هي مستقبل المهاجرين العراقيين في بلاد المهجر. كنت اود ان اطرح هذا الموضوع لكني مثل الكثيرين لم احظى بفرصة التكلم في الجلسة الافتتاحية و الجلسة العامة الوحيدة. في المقابل استطاعت احدى المشاركات و التي كانت اكثر جدية من زميلتها السابقة اختراق النمطية في حق الكلام و طلبت من وزارة الهجرة و الحكومة العراقية بصورة عامة ضرورة التدخل من اجل مساعدة العراقيين غير الحاصلين على حق اللجوء ضد محاولات السلطات في السويد لارجاعهم قسرا. كما ذكرت هذا موضوع مهم جدا ساعود اليه لاحقا لكن مؤقتا يمكنني القول انه رغم مداخلات متعددة لم يتم الوصول الى رؤية واضحة فقد كان هناك سوء فهم للقوانين السويدية و لامكانيات الحكومة العراقية في التدخل.
ملاحظة خامسة التي تستند الى الانطباعات الاولى للمؤتمر هي انه قد ظهر جليا ايضا انه كان هناك لبسا واضحا حول اهداف المؤتمر و تخبطا كبيرا في التنظيم و عجزا مزمنا في الادارة. فرغم محاولات القائمين باعطاء صورة مغايرة الا ان التنظيم العام كان يتسم باسلوب top-down اي مسار فوق-تحت وone-way communication اي ان طرفا واحدا يتكلم و الطرف الاخر او الاطراف الاخرى يستمعون فقط. هذه الملاحظة تتعلق بشكل مباشر بقضية الديمقراطية و خاصة فيما يرتبط بواحد من اهم اسسها و هو المشاركة التي تعتبر ايضا اساسا مهمها في التنمية الحديثة.
ملاحظة سادسة تؤشر مرة اخرى مشكلة التنظيم ظهرت هذه المرة في نهاية الجلسة الافتتاحية فجدول الاعمال لم تكتمل و الكثيرون ممن سجلوا اسمائهم للتكلم تم تجريدهم من هذا الحق شأنهم شأن كل الاخرين الذين رفعوا ايديهم او حاولوا بطريقة او اخرى ان يصلوا الى الشخص الذي كان يسجل الاسماء و لكن دون جدوى. الطامة الكبرى لم تكن هنا فقط بل كانت في اللحظات التي تلت انتهاء الجلسة حيث طلب من الجميع تسجيل اسمائهم للمشاركة في الورش. هنا اصبت انا بدهشة اخرى لاني كنت اعتقد ان هذا الامر قد تم مسبقا مثل شأن المؤتمرات الاخرى لكني اكتشفت ان شيئا من هذا لم يتم ليس فقط بسبب عدم دقة الهدف كما ذكرت سابقا و انما ايضا و ربما هذا هو العامل الحاسم و هو حيرة القائمين على المؤتمر في قضية (لمن توجه الدعوة)….. فالمجتمع العراقي منقسم على ذاته بجميع الاتجاهات و وزارة الهجرة لابد ان تؤكد انها تمثل الجميع و لذلك فان الحيرة كانت حول اسئلة مهمة مثل هل يجب توجيه الدعوة الى ممثلي الطوائف و الاديان و العرقيات ام الاحزاب و المنظمات ام المختصين…..الخ. اعتقد ان المنظمين لم يصلوا الى اتفاق واضح و لذلك تركوا الامور كي تجري على هواها.
على العموم فان الورش الستة المطروحة كانت تبدوا للوهلة الاولى بانها تستند الى رؤية طموحة الا انها كانت تفتقر الى الدقة في الهدف و اليات العمل و بشكل ما فانها كانت تجمع نقيضين و هما الانفتاح على افكار جديدة و مساهمة فعالة بينما بدا واضحا احتفاظ المنظمين بحق وضع الاطر و الهيكليات. و هذا ما كان يذكرنا بمفاهيم التنمية التخطيطية او الممنهجة. الاشكالية التي اعتقد انها ترتبط بهذه المفاهيم في الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الحالي هي ان العراق يعيش حالة فوضى عامة و عليه فان محاولة وضع اسس جامدة انما تزيد من حالة الفوضى و لا تضع لها حدودا او يجد لها حلولا.
هذه الفوضى و المصالح الخاصة انعكست ايضا في اختيار المشاركين لهذه الورشة او تلك فبينما اندفع الكثيرون الى ورشة الكفاءات و التي كانت ستناقش عودة الكفاءات و الامتيازات التي يمكن ان يتمتعوا بها فان ورشة دور المرأة لم تستقتطب الكثيرين حتى من النساء القلائل المشاركات. اما ورشة التنمية فتلك قصة اخرى او هي القصة الحقيقية بالنسبة لي.
المقالة القادمة ستناقش بعض الافكار المتعلقة بالنماذج المختلفة للتنمية في اطار الوضع الحالي للعراق…