اننا جميعنا كأفراد نحمل عدة ثقافات و لا احد منا صافي التكوين الثقافي ، بل ان اي حضارة و ثقافة جديدة معينة هي تتكون من انصهار الثقافات ببعض (الثقافة الاميركية اكبر مثال) تعريف القاموس لكلمة الثقافة هي المعلومات المكتسبة و المكونة لحاسة النقد عند الفرد ..
لا احد منا ينتمي لثقافة واحدة فقط الا القلائل جدا كالقبائل الهندية التي تعيش في الادغال بعيدا في الطبيعة و منعزلة اما حين نستعمل الانترنت و نعيش في بلاد فيها مطارات و طرقات معبدة و كهرباء فلا يمكن ان تتوقف ثقافتنا عن الاندماج و التطور و ان تتعدد و تتشارك و يتكاثر عددها.
الثقافة هي المكتسب الناتج عن البيئة و احيانا عن العلم و احيانا المكتسب يكون مجرد معرفة ثقافة الاخر مهما كانت قريبة او بعيدة جغرافيا .
كل منا يحمل مكتسبات ثقافية عديدة متشاركة بذاته و هكذا الكوردي يملك بالاضافة الى ثقافته الكوردية الثقافة العربية و المسيحي يملك بالاضافة لثقافته الثقافة الاسلامية و هذا يجعل منهم افراد اكثر انفتاحا و نحن ما ان قبلنا بالاختلاف بدون ان نلغي الاخر او نتنافس معه نكون بدانا التصالح مع ذاتنا.
اننا في الحقيقة في سوريا شعوب غير متصالحة مع ذاتها و هنا السبب الحقيقي في الحرب القائمة.
الثقافة و السياسة يجب ان يكونوا مختلفين و منفصلين و الا يفرض الخيار السياسي على الخيار الثقافي
هذا حصل و للاسف عندما اختارت الدولة السورية في مرحلة ما فرض الثقافة العربية الاسلامية على كافة الافراد و المجموعات المتعايشة بثقافاتها على الارض السورية . في ذات الوقت اختارت الدولة لغي المناطقية و الخصوصية الثقافية لكل منطقة في سوريا بل حاربتها و حاربت الثقافة البدوية و الشركسية و غيرهم معتبرتا ان هناك نوع من التصنيف يعطي قيمة الجودة العالية للثقافة العربية و هذا القرار يتبع للاختيار السياسي الذي فرض تعميمها و دمج الاخرين قصرا . الكثير من الدول وقعت بهذه الاخطاء لاسباب مختلفة و لكن تداركتها او على الطريق اما نحن فلا توجد اي ارادة حقيقية لهذا.
هذا الاختيار سياسي بحت لا علاقة له بالحقيقة و الواقع مما ادى الى صراع في الهوية السورية بدل ان يكون عامل تكويني لها.
نتيجة هذا الاختيار السياسي القديم هو ما يجري الان و ما نعيشه ، اننا نعيش زمن الجميع يريد التشبث باختياره الثقافي كاختيار سياسي غير منفصل، معاديا الأخر بل كثيرا ما يذهب الامر ببعض الشباب لمعاداة انفسهم و بيئتهم . و هكذا نلاحظ تغير في لهجة البعض نحو استعمال لغة عربية فصحى في حديثهم مع والدتهم و محيطهم ليكونوا بهذا اقرب لاختيارهم السياسي الديني .. قد يبدو الامر غريبا للمشاهد من بعيد ان يكف فجأة شخص ما عن تحدث لهجته الأم و يباشر باستعمال مصطلحات جديدة بالفصحى و هذا بحجة انها دينية و عربية اكثر.
ان هذا التقوقع الذي يصمم عليه البعض هو في الحقيقة حالة دفاع عن النفس و الهوية.
هذه الظاهرة نعيشها بوضوح اكثر فيما يخص الهوية العربية الاسلامية.
لكن لماذا يشعر البعض بأن الهوية العربية مهددة ؟ أو الاسلامية ؟ او السنية ؟ أو حتى الكوردية؟
ان الهويات لا تندثر هكذا بالعكس بل ان هذه العدوانية في التعامل مع الثقافات الأخرى هي الخطر على الثقافة العربية و الاسلامية، لان الانغلاق يمنع التطوير و الاغناء .. نعم الاغناء ، ان الطفل الذي يكرر مفردات بذاتها و لا يكلمه احد بمفردات جديدة لا يكبر قاموسه و لا يتعلم اكثر و هكذا ثقافتنا انها في خطر اكثر من الثقافة الاشورية او السريانية لانها ترفض الاخر و تتقوقع.
من هنا علينا ان نضحك على من يروجون ان الثقافة الفارسية تريد غزو الثقافة العربية او ان الشيعة يريدوا تشييع السنة .. لا يوجد غزو ثقافي ممكن لثقافة منفتحة ..
ان بحثنا في سايكولوجيا المواطن العربي المتقوقع عموما لوجدنا ان السبب هو في ذاكرته الوطنية ففي مرحلة الاستعمار الفرنسي كان الفرنسي المستعمر يريد فرض لغته سياسيا على شعوب المستعمرات ، هو لم يفرض دينه لكن فرض لغته بالقصر و بالترهيب و فرض معها ثقافته معتبرا ان الثقافة المحلية لاي شعب من الشعوب المستعمرة هي ثقافة همجية و اقل شأنا من الثقافة الاوروبية الفرنسية.. كانت هذه النزعة العنصرية الاستعمارية حتما محطمة و كارثية على البنية النفسية لافراد و مواطني الدول المستعمرة و منها العرب السوريين و لكن هل لأحد أن يفهمني لماذا الشعوب المستعمرة قررت تكرار اخطاء المستعمر الظالم مع مواطنيها فارضة لغة او قومية واحدة و ثقافة واحدة على الجميع.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :