سليمان يوسف يوسف
ولاء الانسان الآشوري للوطن السوري، لم ولن يرتبط يوماً بهوية الحاكم أو بشكل النظام السياسي، ولا حتى بدرجة ونوعية الحقوق التي يتمتع بها الآشوريون السوريون. هذا الولاء يقوم على قناعة، بأن بقاء الآشوريين(سرياناً وكلداناً) والمسيحيين عموماً واستمرارهم في وطنهم الأم، مرهون ببقاء سوريا واستقرارها. انسجاماً مع هذه القناعة، لم ينخرط الآشوريون في الحرب السورية، التي تعصف ببلادهم منذ نحو سبع سنوات،بيدا أنهم غرقوا في مستنقع الانقسامات والخلافات السياسية، التي افرزتها الحرب. انقسموا حول شخص الرئيس بشار الأسد، الى درجة البعض منهم يرى فيه “مجرماً سفاحاً، يجب أن يرحل ويحال الى محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية بحق الشعب السوري”، والبعض الآخر يرى في بشار” قديساً حمى المسيحيين من خطر الارهاب الاسلامي”. المراقب للمشهد السياسي الآشوري السوري، يلحظ بأن الآشوريين(سريانا/كلدناً) يتوزعون اليوم بين ثلاث تيارات اساسية، افرزتها الأزمة السورية. اللافت في المشهد السياسي الآشوري، أن هذه التيارات، عابرة للأحزاب والتنظيمات والمنظمات والتجمعات السياسية والمدنية الآشورية السريانية. بمعنى، أن الانقسامات في الجسم السياسي الآشوري، امتدت الى داخل الحزب الواحد والمنظمة الواحدة والتجمع الواحد والعائلة الواحدة. لأن جميع التشكيلات السياسية والمجتمعية السريانية الآشورية، تعاني من أزمة بنيوية، لا انسجام فكري ولا تجانس في الرؤى السياسية بين أعضائها.
تيار موالي، هو الأوسع والأكثر شعبية وانتشاراً في الأوساط الآشورية (السريانية/ الكلدانية). هذا التيار، يرتب أوراقه على اساس ان “بشار الأسد”، باق في السلطة، حتى في مرحلة ما بعد الحرب. أنصار هذا التيار لا يعترفون بما يسمى بـ”الإدارة الذاتية الكردية” ولا بالمعارضات السورية، هم يرون بان القامشلي وبقية مدن وبلدات الجزيرة السورية ستعود الى حضن النظام “الدولة المركزية” كما كانت قبل آذار 2011. زادت شعبية هذا التيار، بعد استقبال بشار الأسد لأعضاء “ملتقى الشباب السرياني” يتقدمهم البطريرك افرام كريم، و تعيين السرياني(الآشوري) ابن الحسكة (حمودة الصباع) رئيساً لمجلس الشعب. من دون شك، فشل المنظمات والأحزاب (الآشورية السريانية) المنخرطة في تشكيلات المعارضات السورية، في إدراج وتثبيت “القضية الآشورية” في وثائق وأدبيات المعارضات، كجزء من القضية الوطنية السورية العامة تتطلب حلاً وطنياً ديمقراطياً عادلاً، عزز موقف الاشوريين الموالين للدكتاتورية الأسدية. تجدر الاشارة هنا الى أن “البيان الختامي” لمؤتمر رياض2 للمعارضات، تضمن فقرة خاصة بالقضية الكردية “القضية الكردية جزء من القضية الوطنية السورية”، في حين البيان خلا من ذكر “القضية الآشورية”. بهذا تكون المعارضات، قدمت الآشوريين(سرياناً وكلداناً) للراي العام على أنهم “شعب وافد ودخيل على سورية” وليسوا “مكون سوري أساسي وأصيل” وهبوا لسوريا اسمها وهويتها التاريخية. على الضفة الأخرى من (النهر السياسي) الآشوري، تيار آخر، معزول، ضعيف ومحدود الشعبية، على نقيض الأول، يرى بأن لا مستقبل للنظام الأسدي في سوريا الجديدة ولا عودة له الى منطقة الجزيرة، وهو يعتبر سلطة “الأمر الواقع” أو ما يسمى بـ” الادارة الذاتية الكردية” الغير شرعية، التي يديرها (حزب الاتحاد الديمقراطي)، هي السلطة البديلة المستقبلية في منطقة الجزيرة كـ”إقليم فدرالي” في سوريا الاتحادية الفدرالية، ما بعد الحرب. عملاً بهذه القناعة، أنصار هذا التيار انخرطوا في الادارة الكردية وباتوا جزءاً منها، وحملوا السلاح مع ميليشياتها. طبعاً، في اوساط هذا التيار هناك نسبة غير قليلة وجدت لنفسها مصلحة وباب ارتزاق، من خلال العمل مع الادارة الكردية. تيار معارض، على نقيض التيار الأول والثاني، ضعيف ومعزول هو الآخر، محصور في اوساط المعارضات السورية. أنصار هذا التيار، يرون بأن نظام الاسد لا بد من أن يرحل وسترحل معه كل ملحقاته ومنتوجاته، من ميليشيات ومجموعات وتشكيلات مسلحة وغير مسلحة، طارئة افرزتها الأزمة، مثل ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وميليشيات الدفاع الوطني العربية. انسجاماً مع هذه القناعة والرؤى السياسية، أنصار هذا التيار يرفضون الاعتراف بالإدارة الكردية في منطقة الجزيرة والانخراط فيها. قد يرى البعض، “التعددية السياسية” في المجتمع الآشوري ظاهرة صحية ديمقراطية، مطلوبة في هذه المرحلة، حيث تشهد الساحة السورية حالة من الاستقطاب (السياسي، الطائفي، المذهبي، العرقي) الحاد. نعم، التعددية السياسية والفكرية هي حالة صحية و إجابيه في مجتمع صحي وفي ظروف طبيعية، وليس في مجتمع يعيش تحت وطأة حرب كارثية، أدخلت الوجود الآشوري والمسيحي في دائرة الخطر الوجودي/الكياني. قوى وأحزاب ومنظمات آشورية سريانية، لا مشروع قومي/سياسي، واضح ومحدد، لها. لهذا، تاهت بينن الشرق والغرب، بين الموالاة والمعارضة، بين العرب والأكراد. حتى “البندقية السريانية الآشورية” التي فرضتها ظروف الحرب، يبدو انها “بندقية للإجار”.
باحث سوري مهتم بقضايا الاقليات
المصدر ايلاف