فوز علي سلام في الانتخابات المعادة لرئاسة بلدية الناصرة يؤكد بشكل قاطع امران اساسيان، اولا ان فوزه في معركة الانتخابات الأولى (22 – 10 – 2013) كان بلا شائبة، لكن الاعتراضات والتشكيك قاد الى معركة اعادة الانتخابات لرئاسة البلدية في (11- 03 – 2014) حصل فيها علي سلام على نحو 62 بالمئة من اصوات الناخبين، حين بلغت نسبة التاييد لمنافسه رئيس البلدية السابق المهندس رامز جرايسي نحو 38 بالمئة.
هذه الفجوة لم تات بالصدفة، بل نتيجة تراكمات طويلة، قادت الى احداث تغيير جذري بمدينة الناصرة، تذكرني بالانتصار الأول للجبهة عام 1975.
التحريض الاعلامي ضد رئيس البلدية علي سلام المنتخب بأكثرية حاسمة تجاوز المنطق السياسي السليم، واذا كان الظن لدى البعض ان هذا الأسلوب سيقود الى عودة المهزومين فهم واهمون ويعيشون حلما رطبا حان الوقت ان يستيقظوا منه.
لا احد يتهم الرئيس السابق رامز جرايسي بالقصور، الانتخابات اتخذت طابعا مختلفا. حقا ان الجبهة احدثت انقلابا تاريخيا يسجل لها حين فاز توفيق زياد في عام 1975 محدثا نقلة نوعية في كل نهج السلطات المحلية العربية . لكن هذا النهج بدا بالتلاشي وبدأت قوى غريبة مختلفة تحدث تراكمات سلبية لا تجد حلا لها، اوصلت الكثير من المواطنين الى حالة يأس من سلطاتهم المحلية الجبهوية، فنرى ان الجبهة بدات تفقد مواقعها في السلطات المحلية بالتدريج حتى أضحت لا تسيطر الا على مدينة الناصرة وسلطة او سلطتان محليتان أخريان.
رغم ذلك ما قامت به الجبهة في سنواتها الأخيرة هو وعد باصلاح جهاز البلدية ، القصد جهاز الموظفين، واذكر منشور لهم في معركة انتخابات قبل الأخيرة اكدوا على ذلك. اولا لم ينفذوا تعهدهم، ثانيا من يمنعهم من تحسين اداء جهاز الموظفين وهم يسيطرون على البلدية منذ 1975، وبات معظم الكادر الجبهوي جزء لا يتجزأ من الجهاز البلدي؟
في هذه المناسبة لا بد من التأكيد انه منذ وصول علي سلام لإدارة البلدية حلت مشاكل كثيرة عالقة لم تكن تحتاج إلا لبعض الاهتمام والإنصات لشكوى المواطنين. لكن الإدارة السابقة أغلقت أذنيها وفي بعض الحالات كانت تتصرف حسب العلاقات الشخصية مع الأسف الشديد.
علي سلام فتح ابواب البلدية أمام المواطنين، من مشاهداتي الشخصية أرى جموع المواطنين يتدفقون على البلدية وهناك بذل جهود هائلة ومرهقة من أجهزة البلدية لحل الكثير من الإشكاليات التي تراكمت من السنين الماضية.
ان العلاقة مع المواطنين هي كلمة سحرية لأي سلطة محلية تريد ان تعيش نبض الشارع ايضا وليس الانعزال الكامل تقريبا ، رغم معرفتي ان رئيس البلدية السابق رامز جرايسي كان مهنيا ومثابرا في نشاطه لتطوير الناصرة، لكنه أحاط نفسه بمجموعة انتهازية استغلت ثقته ومسئولياته الكثيرة وتصرفت بشكل جعل سقوط الجبهة مدويا.
هنا لا بد من تأكيد آخر، ان جهاز الحزب الشيوعي لعب دورا سلبيا بتعاليه وتصرفاته التي قادت إلى انفضاض عدد كبير من ابرز النشيطين الحزبيين، خاضوا معركة الانتخابات بقائمة مستقلة ضد حزبهم وجبهتهم السابقة، اذا كان كادر الحزب الواعي والنشيط يفعل ذلك ، فماذا ينتظرون من سائر الأعضاء والقوى المقربة للحزب؟ إلى جانب عدائهم للكثيرين من الشيوعيين والجبهويين السابقين لمجرد انهم لم يبقوا أعضاء في حزبهم او جبهتهم او وجهوا انتقادات ما ليس بهدف التحريض بل بهدف معالجة الأخطاء.
التغيير كان محتوما. علي سلام لم يأت من معسكر بعيد عن النهج الجبهوي، بل هو من نفس المدرسة النضالية البلدية والسياسية التي بدأت مع المرحوم توفيق زياد.
لأسباب عديدة لا ضرورة لتكرارها خاض علي سلام معركة الانتخابات بقائمة مستقلة. انا شخصيا لم أتوقع فوزه بل توقعت ان يكون حليفا للجبهة لكن الجبهة حرقت الجسور مع علي سلام في دعايتها الانتخابية.. وكنت قد حذرت من ذلك في اول مقال كتبته عشية الانتخابات الأخيرة.
الجمهور حسم الأمر بالتصويت لعلي سلام .. انتصار على سلام هو انتصار للنهج الذي يريد ان يعيش مشاكل الناس ومطالبها بدون انعزال عن الجمهور، ان يواصل التطوير .
الناصرة اليوم تعيش مرحلة تاريخية جديدة، يجب ان تستوعب ان علي سلام ليس عدوا ولم يصل لرئاسة البلدية ليقاتل أحدا أو يعاديه، كما نلاحظ من تصرفات الكثير من الجبهويين. مهمته ان يواصل تطوير مدينة الناصرة، ان يواصل تعميق النسيج الاجتماعي بين أهل المدينة بكل طوائفها، ان يعمق علاقة الجمهور مع المجلس البلدي.
انتصار علي سلام هو انتصار للمنطق ، وللعقلانية السياسية، الناصرة ليست ساحة صدام، بل مدينة تنشد الرقي وتنشد التفاهم بين حاراتها، طوائفها وعائلاتها وتنشد ان تكون منبرا يعبر عن احتياجات مواطنيها وأحلامهم وأحلام سائر الجماهير العربية التي تريد الخدمات والكرامة.
nabiloudeh@gmail.com