فايز سارة
لعله من الشائع المعروف أن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، هو الأساس الذي بني عليه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش» اليوم، ومعروف أيضا أن التنظيم بني في العراق في ضوء التطورات الصراعية في بلد هزته حرب لها أبعاد داخلية وخارجية، حيث الصراع في الداخل بين السنة والشيعة العراقيين من جهة، وخارجيا كان هناك صراع العراقيين مع الوجود الأجنبي في عراق صدام حسين الذي جلب التحالف الدولي العسكري إلى العراق خاصة الوجود الأميركي، وتناغمت التطورات العراقية مع رغبة التطرف الديني الذي يمثله تنظيم القاعدة في الوجود والتمدد في العراق، فكان ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» كأحد التعبيرات.
ورغم نشاط تنظيم الدولة في العراق، الدعوي والسياسي والعسكري لسنوات طويلة، فقد ظل التنظيم مغمورا ومحدود الأثر هناك، ولم ينجح في الانتشار والتمدد إلى دول الجوار على نحو ما هو عليه الآن، وهو انتشار وتمدد اقترن بتطورات الواقع السوري، خاصة في العام الأخير، الأمر الذي يتطلب بالفعل التوقف مع التطورات السورية المتعلقة بهذا الجانب ورؤية أثرها في تمدد «داعش»، وقد بات يشكل تهديدا إقليميا ودوليا حسبما قدر مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير، حيث اعتبر «داعش» و«جبهة النصرة» تنظيمين إرهابيين، وقرر قطع التمويل عنهما تحت الفصل السابع القاضي باستخدام القوة لتنفيذ القرار في إطار «مواجهة الإرهاب في كل الدول»، كما قال المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي.
لم يشكل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» أي وجود في سوريا حتى أواخر النصف الأول من عام 2013، وهذا لا يمنع من احتمال بعض خلايا نائمة له أو بعض مؤيدين في إطار بيئة التطرف الديني التي أخذت تظهر، وتتسع، أواخر عام 2012، مستفيدة من تطرف النظام ودمويته ومن نداءات عسكرة الثورة سواء تحت شعار حماية الثورة أو سعيا إلى إسقاط النظام.
ورغم أن تحذيرات متكررة ومتواصلة للجميع وللمجتمع الدولي ظهرت في أوساط المعارضة والثورة ومن كتاب وصحافيين، حذرت من احتمال ظهور وتمدد تنظيمات التطرف، وأخذ الثورة إلى العنف والدم، ودفع البلاد نحو الأفغنة والعرقنة، فإن تلك الدعوات لم تقابل بجدية وسط استمرار إرهاب النظام، وزاد عليها فسح المجال أمام تدفق قادة وكوادر من «القاعدة» وأخواتها إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عبر دول الجوار، وكان أخطرها في صيف عام 2013 عبر عملية تهريب سجناء التطرف في سجون العراق، وتمرير أغلبهم إلى سوريا، ولم يكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعيدا عن تلك العملية الإجرامية.
وإذ التحق المتطرفون الوافدون إلى سوريا بالتشكيلات المسلحة، التي اتخذت لها شعارات إسلامية، فإنهم أخذوا في بناء أنوية تنظيمية تخصهم داخل تلك التشكيلات، وكان المثال الأبرز في حركة أحرار الشام، التي استولت على الرقة بعد طرد قوات النظام منها في ربيع عام 2013، ومنها خرج تنظيم جبهة النصرة، ثم خرج من الأخير التنظيم السوري لدولة العراق والشام «داعش»، وما لبث الأخير أن استولى على الرقة قبل أن يتمدد بشكل ظاهر في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وجاء التمدد بالتوازي مع تعزيز قدرة التنظيم بشريا وماديا وتسليحيا. ووسط عنف وإكراه ورشوة سكان المناطق التي تمت السيطرة عليها بتوفير احتياجات يومية، جرى ضم عناصر جديدة للتنظيم خاصة من أعضاء تشكيلات مسلحة هشة ولا تملك إمكانات مادية للاستمرار، ثم استعين بما وفرته مخابرات نظام المالكي وغيره من أسلحة وأموال للتنظيم، إضافة إلى سيطرة التنظيم على مصادر الثروات في المنطقة ومنها آبار النفط، مما حول «داعش» إلى أغنى تنظيم إرهابي في العالم.
وأهلت التطورات السابقة التنظيم لفورة في العراق للاستفادة من ظروف عراقية أبرزها واقع الانقسام والصراع في تكويناته السياسية والطائفية والعرقية مع نزوع المالكي للاستمرار في قيادة السلطة الديكتاتورية المدعومة من إيران والداعمة لنظام الأسد، ووفرت فورة «داعش» العراقية إمكانات مالية وعسكرية وبشرية للتنظيم ذهب قسم منها إلى سوريا، وهي الإمكانات التي استخدمها في هجومه الواسع عبر شرق سوريا من دير الزور إلى الحسكة مرورا بالرقة إلى ريف حلب وبعض ريف إدلب.
ومما لا شك فيه أن فورة «داعش» في العراق، وتمدده في سوريا، مع بروز طموحاته في إقامة دولة «خلافة» إسلامية، قام بنشر خريطتها مؤخرا تشمل بلدانا في العالم العربي وجواره، أمور عززت مخاوف العالم، فأخذت الأحاديث والخطوات تتوالى عن الحرب على «داعش»، من إعلان ضرب قواته في العراق وصولا إلى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير.
غير أن هذا المسار في الحرب ضد التنظيم لا يأخذ بعين الاعتبار ولا يعالج معطيات أدت وتؤدي إلى استمرار «داعش» ونموه سواء في مستوى السياسات الإقليمية أو الدولية المحيطة بالوضعين السوري والعراقي، وهو يتجاهل البيئتين السورية والعراقية اللتين ولدتا التنظيم وساعدتا في تقويته وانتشاره وسط حالة من الفوضى والدمار والقتل وإضعاف المجتمعات، كما يتجاهل سياسة النظامين السوري والعراقي وما يقوم به الاثنان في البلدين وضد الشعبين.
ولئن خرج نوري المالكي شخصيا من هذه المعادلة، فإن الأهم خروج نظامه منها، في حين أن الأسد ونظامه ما زالا حاضرين بقوة فيها، والأسوأ من ذلك أن أحاديث وتنظيرات يتوالى طرحها حول ضرورة جلب الأسد ونظامه للمشاركة في الحرب على «داعش»، وهي نكتة سمجة، لأن نظاما خلق بيئة وجود وانتشار تنظيم إرهابي، ولم يدخل في مواجهة معه، مطلوب منه الانخراط في جهد دولي في الحرب على التنظيم.
ولعله لا يحتاج إلى نقاش كثير قول إن الحرب على «داعش» تبدأ وتتزامن مع الحرب على نظام الأسد الذي يمارس إرهاب دولة وعلى نظام بغداد الذي يماثله في استمرار بيئة تنمي الإرهاب، والأهم مما سبق ضرورة تقدم المجتمع الدولي لأخذ مسؤولياته ومعالجة أوضاع المنطقة عامة والوضعين السوري والعراقي بشكل خاص اللذين يضعان المنطقة والعالم أمام تحديات الإرهاب المزدوج؛ إرهاب التطرف من جهة وإرهاب الدولة من جهة أخرى.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :