من نعم الديمقراطية ان الانتخابات تقام كل اربع او خمس سنوات … لو كانت تقام كل سنة لكنا نرى جذوع الرجال و ثدايا النساء معلقة في دكاكين الجزارة جنبا الى جنب مع الخروف و البقر….
قديما كنّا نقرأ ان القوى الكبرى كانت تفتعل صراعات و حروب هنا و هناك في العالم لتضمن فوز هذا الحزب او ذاك في انتخاباتها الوطنية… بينما كانت الشعوب تنام على امنيات ان تنعم آلهة السماء و الارض عليها بنعمة الديمقراطية لعلها تتخلص من شرر الدكتاتوريات…
لكن مع استفحال “وباء الديمقراطية”… كما يسميها البعض… و وصولها الى ديار الفقراء و المضطهدين اكتشف الناس بؤس ذواتهم… اصبحت الانتخابات مواسم لاستخراج كل الاحقاد و دناءة النفوس و الخداع و المكر … اصبح الكذب و النفاق شرعيا … اصبح الكلام عن الحقوق و لهفة الانسان الجائع و انين المرضى و احلام الشباب مجرد بضائع رخيصة في سوق نخاسة الأصوات و المناصب و توزيع الحصص ..
للاسف … رغم الأحلام الكبرى فانه يبدو على الاقل لحد الان ان انتشار فكرة الديمقراطية لم يجلب كثيرا من التغيير في طبيعة العلاقة التاريخية البائسة بين الحاكم و المحكوم …. فقد اعادت انتاج هيكلية السلطة البدائية … حيث استحالت مؤسسات الدولة الى دواوين يجلس فيها رئيس هذه القبيلة او تلك من مساعدي الحاكم او زعماء الميلشيات يستعرض قوته و يلقي بالفتات الى الفقراء و الجوعى و المحتاجين..
الانتخابات … غدت في رؤية الحاكم … ليست الا نوعاً من الواجب العشائري مثلها مثل حضور مجلس تأبين احد الموتى … او حفل زواج احد الذوات … الحاكم يحضر و يغادر .. و هو حاكم .. لا يرف له جفن بان شيئاً ما سيتغير … كل شيء باق كما كان رغم أهازيج الفرح هنا او عويل الاحزان هناك…
في مقابلة تليفزيونية قلت قبل حوالي الاسبوعين ان الانتخابات تخلق فوضى اجتماعية و سياسية حيث يتم تجاوز الكثير من الحواجز النفسية و الاطر في العلاقات بين الأحزاب و المنظمات و حتى بين الأفراد … يتم تجاوز القيم الاخلاقية و الاتفاقات و الشراكات بهدف وحيد واحد و هو الفوز …لكن اي فوز و المجتمع تتفاقم مشكلاته ..؟؟
هل كان المرجو من الانتخابات خلق اسس الاستقرار … و هل الفوضى المصاحبة ” طبيعية” كما هي الحال في كثير من بلدان العالم…. ام ان اهدافاً اخرى على المحك ..؟؟
يبدو ان الشرق الوسط ما يزال على صفيح ساخن و ينتظر الكثير مما تحتمه اعادة التوازن بين القوى الكبرى و القوى الاقليمية… تقاطع العناصر الضاغطة مثل ارث داعش و الصراع الطويل في العراق و سوريا وضعت ايران و تركيا في عين العاصفة…. و الترتيبات تحتاج الى بلورة عوامل داخلية و خارجية …
هل هذا التناغم ” الغريب” بين الانتخابات و اتفاق “جنتلمان” إيراني-تركي على قطع ما تبقى من جريان الماء في شرايين الحياة في العراق يمكن ان يفهم من باب “الصدف” … او مجرد كنتيجة “منطقية” للعجز المزمن في أركان الدولة العراقية… ..؟؟..
شحة الماء و امتداد رقعة التصحر أدت الى قيام حروب بين بعض العشائر العراقية في مناطق الوسط و الجنوب استخدمت أسلحة ثقيلة…!!… هذه الأسلحة يمكن توجيه فوهاتها باتجاه اخر خاصة مع انتشار اهم شعار في الانتخابات ” ايران برة برة”… هل نحن إذن على أبواب حرب اخرى …؟؟؟.. او ربما حروب اخرى طالما ان تركيا لم تكتف بقطع المياه بل أرسلت قواتها عبر مناطق كورستان دون هدف واضح او اعلان او اتفاق مع احد..؟؟؟!!..
قادسية صدام جرت تحت شعار ” الحقوق الإضافية”… و مراكز الدراسات الغربية “تبشر” و تطبل منذ عقود لحرب المياه في الشرق الأوسط و اغلب دوله تعتبر مشاريع “واعدة” في نجاح هذه النظرية و منها مصر و سوريا و الاْردن و فلسطين … اما العراقيون فربما يكونو على أبواب “قادسية او قادسيات الحقوق الطبيعية” هذه المرة…!!..
هناك حقيقة مؤلمة تدق الأجراس …للاسف ان العراق قد اثبت خلال العقود الاخيرة كونه حقل تجارب ناجح لكل الأسلحة و نظريات الصراع … و السيدات و السادة الفائزين و الخاسرين في الانتخابات ربما يساهمون في تحقيق من هذا “النجاح التاريخي” بوعي او بدونه..!!.. حبي للجميع