وليد شاب بغدادي في العشرين من عمره, طالب في كلية التربية, ولديه دكان لبيع ملابس الأطفال, فهو شاب طموح, يحبه كل من يعرفه, لطيبة نفسه وسمو أخلاقه, ذات يوم جاءت لدكانه فتاة جميلة بزي محتشم, فسرقت قلبه من اللحظة التي كلمته فيها, وكلما أتت للدكان كبر تعلقه بها, وعندما سئل عنها وعن أهلها ازداد تعلقه لجميل ما سمع, فالكل يشيد بأخلاقها وبسمعة عائلتها, فقرر أن يخطبها, وفاتحها بعزمه:
– سأرسل أهلي لكم ليخطبوك لي, ونعيش معا أجمل أيام العمر.
قالت بحسرة وحزن شديد
– لا اعتقد أن أهلي سيقبلون؟
تعجب من ردها, وأصابه الذهول؟ فقالت له:
– أهلي لا يعطون البنت الا لابن العم, فان ابن عمي “ناهي” علي!
خرجت من عنده, وبقي متسمرا في مكانه, يشعر بإحباط كبير, لكن قرر أن ينفذ نيته عسى أن يكون تقدير حبيبته خاطئا, فأرسل إليها أهله, لكن هنالك كانت المفاجئة!
رفض أبوها بحجة أن ابن عمها “ناهي عليها” بسبب خلافات عائلية, وعاد أهله بخيبة الأمل, لكن أصر وليد على الارتباط بهذه الفتاة, حاول أهله الحصول على رضا ابن عم الفتاة, لكنه رفض وهدد بقتل كل من يقترب من باب بيتها.
عندها لم يجد أهل الشاب وليد الا إجباره على نسيان حبه, وخيروه بين عدد من الفتيات الجميلات, كي يختار أحداهن للزواج, لكنه كان لا يرى الا من سرقت قلبه, بقي أهله يحاولون ويجربون إرسال الوفود العشائرية, لكن من دون جدوى.
كان عشق وليد من النوع الشديد, الذي يقرب وصفه بعنوان مرض, فقد قلب كيانه واشغل فكره, وجعله يعيش كالمجنون, فإما الفوز بالحبيبة وأما الموت, مع مرور الأشهر وهو لا يتقدم خطوة, كان يعاني من قلق وخوف كبير, حتى انه أصبح لا يعرف بأي اليوم يعيش, كثرت مشاجراته مع أهله وجيرانه, ترك دراسته ودكانه, اغلب وقته يقضيه جالسا في غرفته, وجه شاحب ويديه ترتعشان بسبب الإجهاد.
الى ذلك اليوم المشئوم الذي تم فيه زفاف حبيبته على ابن عمها, فجن جنون وليد, صرخ وسب وشتم, خرج للشارع ليعترض موكب الزفاف, لكن أهله منعوه, في نهاية المطاف أطلق النار على رأسه, لينهي قصته التي ماتت بفعل النهوة.
القصة تشير الى موضوعين أساسيين وهما “النهوة” و ” العشق المميت” وهما عارض مخيف على حياة المجتمع.
● النهوة
يمكن تعريف النهوة : عرف عشائري قديم جداً يقضي بمنع الفتاة من الزواج برجل غريب عن العشيرة، ويُمكّن هذا العرف ابن العم أو العم بالنهي على الفتاة بغية تزويجها بأحد أقاربها.
موضوع ” النهوة” وهو موضوع أوجدته الأعراف العشائرية, والذي يعطي الحق لابن العم للتحكم في مصير ابن عمه, بخلاف أحكام الدين والقانون, والتي بقيت سارية المفعول بسبب عدم تحقق طفرة فكرية في حياة المجتمع, وحالة النكوص التي حصلت بعد كم الحروب والأحداث الجسمية, والتي أعادة تأهيل حكم العشيرة, بعد أن تحولت الدولة لكيان هش, فكان اللجوء للعشيرة في حل المشاكل أمر سائد.
وحل مشكلة النهوة يعتمد على الحكومة, فمتى ما كانت الحكومة قوية, وجعلت من القانون هو السائد وفوق الكل, عندها ينحسر دور العشيرة, وتتحول الحياة للتنظيم والعدل أكثر, وتختفي كل صور الظلم ومنها النهوة.
● العشق المميت
العشق المميت, هو هذا النوع من الحب الذي يمكن تشخيصه بان حالة مريضة, فالحب الطبيعي لا يلغي دور العقل, والحب الذي يدفع صاحبه للتفكير بالانتحار دليل الانهزامية والضعف وعدم القدرة للتكيف مع الواقع, فربط المستقبل بشخص واحد هو رؤية ضعيفة وناقصة, نعم يجب على العاشق أن يدافع عن حبه, لكن بعقلانية وليس بجنون, والانتحار مؤشر مخيف عن حالة اليأس الشديدة التي تسيطر على المنتحر,
والإنسان الطبيعي يجب دوما أن يبحث عن حلول وعن بدائل, وان يفهم طبيعة العوارض وان يسعى دوما لتحقيق نصر جديد, بدل الانهزامية التي يمثلها المنتحر.