محمد آل الشيخ
كنت أظن أن الوطن، والوطنية انتصرت انتصاراً نهائياً، أمام من يمتطون الدين، ويستغلون الحلال والحرام، لمصالحهم ونفوذهم لأن الدولة المدنية، دولة الأنظمة والمؤسسات، هي نمط الدولة الحديثة القابلة للحياة، والتي وصلت بالإنسان إلى درجة من الرقي والتحضر والمدنية لم يصلها على مر التاريخ، منذ آدم وحتى اليوم. غير أنني اكتشفت أنني على ما يبدو متفائلاً أكثر من اللازم.
المتأسلمون، وأعني بهم أخطرهم على الإطلاق (جماعة السروريين)، يبدو أنهم لم يستسلموا للهزيمة، ولنتائج الحتمية التاريخية التي تثبتها في كل مرة وقائع وأحداث التاريخ؛ فهاهم، عادوا لاستعادة ما خسروه، من خلال الهجوم على ما تمارسه الحكومة من انفتاح في كل المجالات مستخدمين الحلال والحرام مرات ومرات مهما حاولوا. أعرف يقيناً أنهم سينهزمون مرة أخرى، وأن محاولاتهم ستذروها في النهاية الرياح، فالصحوة لا يمكن أن تعود، لأنها لا تواكب متطلبات التحضر وتحديات التنمية الشاملة، التي اتخذت منها حكومة خادم الحرمين الشريفين منهجاً، لا مساومة عليه، غير أننا يجب أن نعترف أن هذه الصحوة القميئة، بسطت سلطتها وسطوتها ونفوذها على مجتمعاتنا لأكثر من أربعة عقود، وأصبح لهم أتباع ومريدون، تربوا ونشأوا على مبادئها، غير العقلانية وهؤلاء -على ما يبدوا- لن يستسلموا بسهولة، وكما علمتنا تجارب الدول الأخرى، وبالذات تجربة (ميجي) التنموية في اليابان، أن الصراع دائماً وأبداً بين التقليديين المحافظين من جهة والمصلحين التقدمين الإنفتاحيين من جهة أخرى، سيبقى لجيل أو جيلين، حتى يستسلمون وتحسم القضية نهائيا.
السروريون في المملكة بدؤوا في التحرك بطرق شتى وفي مجالات ونشاطات مختلفة، وهم حركة منظمة، ومتغلغلة ومنتشرة في المجتمع، وتحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى الحزم الذي لا يلين، والقوة حتى وإن كانت قمعية، والمثابرة التي لا تعرف الهدوء، والمواجهة التي لا تعرف إلا الإقدام في قواميسها، لمواجهتهم أينما وجدوا في مفاصل صناعة القرار. ويجب ملاحظة أنهم متى ما وجدوا أي تراخ في الحزم، أو تردد في العزم، فإنهم (ربما) يعودون أقوى مما كانوا في العقود السابقة.
التعليم هو حصنهم الذي لن يتنازلوا عنه بسهولة، ومن يرصد بعض المعطيات الجديدة، لا تخطأ عينه أنهم يستعدون لترتيب فلولهم وتنظيم صفوفهم، لإحياء (صحوة) جديدة، في مواجهة الانفتاح وخطط التحديث التي اعتمدتها الدولة في رؤية 2030، أملنا الذي نبني عليه كل آمالنا لغد أفضل بغد ذلك الأمس المظلم. أعرف الآن أنهم يجدفون، ولكن بهدوء وحذر، عكس التيار، وأعرف أيضاً أن الانفتاح اليوم أثبت أنهم كانوا قلة، ولكنها كانت الأعلى صوتاً، وأن (الأغلبية) التي كانت صامتة، لم تعد تخافهم وتخشى سطوتهم، لكن كل ذلك يجب ألا يُنسينا أن صراعنا الحضاري معهم ما زال في أول الطريق، وأننا كسبنا معارك كثيرة، مثل عمل المرأة، وترشيد تعسف هيئة الأمر بالمعروف، وقيادة المرأة للسيارة، ومحاصرة دعاة التطرف والغلو الذي أفضى إلى الإرهاب، غير أننا لم نكسب الحرب بكاملها، ولم تضع أوزارها بعد، رغم أنهم ضعفوا، وتقلصت سطوتهم، وتراجع نفوذهم، وخبا صوتهم، فهم ما زالوا مطبقين على مؤسسات التربية والتعليم، وكذلك القضاء، فضلاً عن جيوب لهم أصغر في كل قطاعات الدولة المختلفة؛ وما صمتهم وخنوعهم الآن إلا خوفاً من أن يقعوا تحت طائلة العقاب والمساءلة. لكنهم متى ما شعروا بأي تراجع فإن (هجومهم المعاكس) سيكون في غاية القوة والشراسة، وهم ما زالوا يتربصون وينتظرون أي (ضعف)، أو ظرف، يستطيعون من خلاله استعادة سلطتهم ونفوذهم، وترميم ما تهدم من حصونهم، ليعيدونا إلى الوراء، ويشغلونا عن العمل للمستقبل، لذلك يجب المثابرة، ثم المثابرة، والإصرار ثم الإصرار، حتى نصل إلى اجتثاثهم، واجتثاث ثقافتهم إلى أبد الأبدين.
* نقلا عن “الجزيرة”