حق علينا أن نعيد فلسطين لذاكرة الأقلام بعدما جفت ،وطمست (الذاكرة الداعشية ) وحروب الطوائف حروفها من رؤوس العرب ،ومسحت معها آدمية الإنسان وأحالته إلى آلة متعطشة لسفك الدماء ،وإشعال الحرائق بذريعة التدين ، فالإنسانية والتديّن لايمكن فصلهما ،ولانستغرب العنف ،والظلم من حزب شيطاني ،أوحاكم فاجر،لكن أن يأتي الظلم ،والإفساد في الأرض ممن يعتقدون أنهم يملكون الوعدالإلهي لسياسة البشر ،فيدمرون كل ماتقع عليه أعينهم حجرا ،وبشرا ،وتراثا إنسانيا ،فهذا الذي لايستساغ لإن تعاليم الله رحمة ،وعدل ،وبناء للأرض والإنسان ، وماعدا ذلك فهو إرث لتعاليم الشيطان الملتبسة على البشر،فمتى ماصادفنا سلوك جمعي غيرإنساني فلنعلم أنه نابع من فكرة غير إنسانية ،مهما تم قولبتها لتكون صالحة فلن يكون بمقدورها الأستمرار، إلا وفق قدرتها على البطش وتبنيهالإستراتيجية الرعب والتوحش ، وليس كونها صالحة كمعطى إنساني ،وبالتالي فإن سقفها للتمدد والبقاء محدودا حد التلاشي ،وقس هذا على كل التجارب الحية والمندثرة في الأيدلوجيا والسياسة . أخطر مابالفكرة غير الإنسانية هو تجريد الإنسان من علاقته بربه ،ليكتشف أنه مهما عبدالله على بصيرة، فلايردح مع الرادحين ،ولايفجر مع المفجرين ، ومع هذاقد يتحول بأي لحظة من لحظات الجنون إلى مجرد رقم في قوافل المرتدين -حاكما كان أو محكوما- ،إذ يستطيع أي غلام من غلمان الصحوة أن يخرج له (كتابا) ليقرأ في ثنايا سطوره تجريده من إيمانه وصلواته ،وسيوقفه عند أي من المنعطفات العشر التي بموجبها سيتم الإلقاء به في قعر جهنم خالدا مخلدا .
كم هو مؤلم قدر الشعوب العربية التي لم تختار تاريخها ،ولاحتى جغرافيتها ،بل يتم صناعة التاريخ لها بأنيابه ،وأظافره ،لينهش أجساد أبناءها، مرة بأنياب الأممية ،ومرة بأظافر أيدلوجيا الحزب ،أو العشيرة ،وأخيرا بكلابيب التدين السياسي التي تتخطف الناس لتكون أقسى ترجمة لضياع هوية الأرض والإنسان ،وتجرع كؤوس الظلم من أيدي الطغاة .
أخرجوا -من قبل -بذريعة الإنعتاق والتحررمن خوازيق (الخلافة العثمانية)-رغم أنها خلافة أسرية شأنها كشأن الإمبراطوريات الأسرية في التاريخ التي تلبس ثياب الباشوية أكثر من لباس التقوى ،ولم تأت بأكثر مما تأتي به (داعش)وأخواتها من السبي ،والقتل ،فأرسل لهم الغرب قادته وجواسيسه مبشرين ومنذرين، ليقودوا حركة التحرر العربي القديم ،فركبوا حصان الجهل العشائري وقيمه الورقية ،حتى صنع لهم الغرب برسله الجدد وجواسيسه جيشا لتحرير أرضهم ومقدساتهم فإستيقضوا على أشلاء الأرض وضاعت فلسطين ومعها القدس عروس عروبتهم -كمايقول مظفر النواب -وبقيت عنوانا للمزايدات السياسية والشتائم بين الفرقاء إلى أن نكمشت جغرافيا إلى شريط يتقاسمه (شيوخ) فتح وحماس ، كما انكمشت من قبل في ذاكرتهم السياسية، عندما وقعت الشعوب العربية على خوازيق الطغاة الوطنيين. وضربت الشعوب المظلومة بالأسلحة الكيماوية الوطنية، الأمر الذي كان الإستعمار معه أكثر نظافة ،وأكثر إنسانية، وأكثر حضارة.
نشأت تلك ألأوطان المأزومة ،والتي إلى ماقبل عام 2011 بقيت شعوبها -المغلوبة على أمرها- تحلم مرة أخرى بالإنعتاق من الإستبدادالسياسي وتاريخه الدموي الذي كان يمارسه عليها الحزب الواحد في تونس ،ومصر، وسوريا، وليبيا ،والعراق من قبل واليمن من بعد ،فأخرجت الشعوب من ديارها في رحلة التيه ،كرة أخرى ،لتساق لهم الأماني في الكرامة والحرية، وكان القادة هم نفس القادة ونفس الملامح مع إختلاف المسميات والأدوات ، فبدلا من لورنس العرب كان بريمر، ثم برناردليفي ،وبدلا من الرسائل المتبادلة بين العقل الذي يخطط وبين الجهل الذي ينفذ كانت قناة (الجزيرة) هي صوت الربيع المنتظر وشركات توظيف القتلة وشحنهم هم رسل الأمة الجدد.
أتت ثورة الربيع الدموي لتعيدهم إلى نعيم (دولة الخلافة ) مرة أخرى بألسنتها المتعددة ،وأشكالها الغريبة ولتجلسهم على خوازيقها، وتعدهم -كما يعدهم الشيطان- بأشلاء مفخخيها ومفخخاتها ، وكل ممارساتها المباركة على أيدي الجلاوزة الجدد ،فذهب ضحيتها ثلث الشعوب العربية تهجيرا ،وتفجيرا ،وقتلا، كما بشر وبرر لذلك الموتورون ، فإنتهكت أعراضهم ،ومات أطفالهم في البحار في رحلة الهجرة أو في مخيمات الشتات ،وحل محلهم شذاذ الآفاق من كل حدب وصوب ،في تطابق عجيب لما حدث لأهل فلسطين أبان نكبتهم التي دفعوا كل استحقاقاتها ،لكن نكبة العرب بربيعهم أشد وأنكى لأن نكبة فلسطين جاءت (بالعلمانية السياسية لليهود ) التي حمت اليهود من بأس بعضهم ،وقامت بتحييدالشارع عن حسابات الفكر (الحاخامي ) مما يمكن التعاطي مع الكيان إنسانيا، والتعايش ثقافيا ،وحتى سياسيا ، كحال مايسمى بالخط الأخضر.
بينما نكبة الربيع العربي الأخيرة جاءت(بالإرهاب ) الأسود الداعشي /الخامنائي وخلفائه المددجين بآلات الموت ،الذي يرتدي عباءة التدين السياسي بأبشع صوره، ومشبعة بكل أنواع الإهانات للإنسان،الأمر الذي أصبحت معه نكبة العرب بفلسطين مجرد مزحة عابرة ،عندما نقارنها بممارسات رايات الإسلام السياسي.
إن فكر التدعيش الديني (بثوريه المتناطحين) وهما مجللان بأسمال التاريخ ،وبرك الدماء التي تسيل بين قرنيهما إنما هو خطر وجودي على الإنسانية ،يجب أن يقف العالم الحر ضده ليحافظ على مكتسباته الإنسانية ،كما وقف ضد النازية وجرّمها ،رغم أنها لم تأت بربع ما أتت به هذه الحركات الأصولية بعمائمها الصفوية وسراويلها الكشميرية ،التي ستلبس العالم لباس الجوع ،والخوف ،وترفع رايات الجهل ،والتخلف ،وتحترف تدمير الحضارات ، ولم يستفد منها سوى الزعماء الذين يبنون أوهامهم وعروشهم على هذا الإرث الطائفي المقيت ،فلا فرق في ذلك بين (نوري المالكي )ومريديه ومن خلفهم وبين (البغدادي) ومريديه ومن خلفهم .
ليبقى هذا الإنسان العربي المسكين الذي يحلم بالعيش الكريم على أرضه منهوبا ،ومنكوبا ،وهو الضحية أمام لصوص الدين ،والتاريخ ،كما كان ضحية للصوص الحزب الواحد والحاكم المطلق من قبل.
أمام كل هذا القتل والتهجير في العرب الذين تقطع رؤوسهم في السكاكين الحادة ،أو تفجر بطون نساءهم جراء إلقاء البراميل المتفجرة يصاب المرء باليأس ،والإحباط وهو ينظر إلى أطفاله من حوله ،ولايمكنه أن يحلم إلا بالمخلص الذي تبشر به كل الديانات ،ليكون هو الحلم الوحيد الذي قد ينقذ هذا الإنسان المحطم والتائه في سراديب الفوضى.
كيف لإنسان هذه الأمة أن ينهض مجددا وقد مرت على ظهره كل سياط الجلادين من مستعمر وطني إلى مستعمر غازي ،فيقف حائرا وهو يرى كل هذا العصف السياسي والديني الذي هب شرقا وغربا ليعصف بالعرب،عندما إستنشقوا روائح السموم الطائفية ،التي مزقت صفهم ،وبعثرت أوراقهم ،وجعلتهم ينتحبون على جدار مبكاهم العربي يلفهم ليل طويل الأكمام.
رحم الله نزار قباني عندما قال:
أمشي على ورق الخريطة خائفا
فوق الخريطة كلنا أغراب
أنا ياصديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب
ماذا كان سيقول لو شاهد العرب وهي تهجرمن ديارها وتسبى نساءها بفعل هذاالمرض الطائفي.
إن العرب أمة أصبحت رهينة لمثلث الشر، عندما زرعت لهم طائفية إيران في الشرق ،بآياتها ،وقنواتها لتصبح شرا شرقيا ،وزرعت لهم من قبل إسرائيل بحاخاماتها ورؤوسها النووية لتصبح شراغربيا ،وبينهما تم زراعة داعش بهمجيتها وبربريتها ،لكي يصبح معها أهون الشرين هو الخيار الأمثل للعرب ولاخيار!!!!
لن ينعم العرب بالأمن والإستقرار إلا إذا دق رأس الأفعى المذهبية -في إيران -وتم تفكيك محركاتها الطائفية التي تقود بها عربة الفوضى للشعوب ، فالشعب الإيراني يستحق نظاما أكثر عقلانية وأكثر إنسانية ،حينها ستموت كل محاور الشر في الشرق والغرب وتفقد كل الشرور مبررات وجودها وستعود عواصم العرب للعرب !!!!!!
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :