دخلتُ عليهنّ بعد غياب طويل لأجد حلقتهنّ هي ذات الحلقة , وأحاديثهنّ هي نفس الأحاديث دون أن المس أي تغيير يذكر لا بطريقة تفكيرهنّ ولا بأسلوب حياتهنّ وذاته هو التكرار والدوران في حياة اعتادوها , وبالتعويد وبالتكرار قضينّ حياتهنّ .
حاولت أن اغيّر من ميكانيكية الحوار لديهنّ فحولته إلى حقوق المرأة المسلوبة وخضوع البعض منهنّ للظلم وللحيف الواقع عليهنّ والمشكلة هنا ليس بخضوعهنّ بل بعدم إدراكهنّ بواقع الظلم عليهنّ وصار فعل طبيعي لديهنّ .
فباغتتني إحداهنّ بسؤال , امرأة مغيبة كغالبية النساء ,نامت لسنوات ولا تزال تنام في كهف العبودية المظلم , باغتني سؤالها كونه صدر عنها هي بالذات بعد أن صرخت بكل قوتها وكأنها صاحبة الحق , متصورة بأن سلب حقوق المرأة حق طبيعي ولا يمكن الطعن به ,أو هي لا تعتبره سلب لحقوقها بل هو فعل طبيعي ,ودليلها هو مجتمعها الذي سار على هذا النهج منذ قرون فاعتبرته النهج ألطبيعي لنا , والطبيعي بنظرها هو ما نمارسه من فصل وتجزئة وتقسيم وتمايز طبقي ليكون هناك طبقات مستغِلة وأخرى مستغَلة وجنس أدنى من الآخر , مفاهيم رسخت في ذهنها منذ الطفولة ,الفصل والتمييز ما بين الجنسين ومن ثم تقسيم الحقوق والواجبات بينهما كما قسّمتها الطبيعة ,مع الاحتفاظ بقيمة كل من المرأة والرجل على اساس دونية أحدهما على ألآخر, فالرجل هنا هو القائد والمسئول عنها ,سواء كان والدها أو أخيها أو زوجها بل وحتى ابنها , فهي تحمل اسم الأب ولا يذكر أسم الأم سوى بأمور السحر والشعوذة ,ومن ثم ستحمل أسم الزوج فيطلقون عليها حرم فلان أو عقيلة فلان , وبنهاية المطاف ستحمل اسم ابنها الذكر فيطلقون عليها أم فلان ويمحى اسمها بمسّاحة الجهل هذه .
سألتني كمن تريد ان تتصدى لموضوع أثارها منذ زمن ,لكن ثورتها جاءت عكسية .
لِمَ جاءت عكسية ؟هذا ما سأورده لاحقاً في مقالي هذا , فعلينا ان نتوقف لنسأل عن السبب في إن السؤال صدر عنها هي بالذات ,بالوقت الذي به كنت أتصور ابتهاجا وتأييداً لها مني وإنها ستكون ممنونة لكل من ينادي بحقوقها , لكنها انتفضت سائلة : وهل المرأة لم تأخذ حقوقها لغاية يومنا هذا؟ !! ثم هل انتهت مشاكلنا ولم يبقى سوى قضية المرأة التي هي لا تستحق من الأساس ان تكون قضية , فهي بحاجة لمن يقمعها ويوقفها عند حدّها لما تكشّفت عنه من استهتار فاق كل الحدود .
سألتها عن ماهية استهتارها الذي قصدته خصوصاً وهي لا تخرج إلا موافقة زوجها وتصريحه ,ومن ثم سأرجع لبقية بنود سؤالها .
فأجابتني بأنها متحملّة على بعض النسوة المستبدات بنظرها واللواتي طغين كل الطغيان ,فرجعت استفسر منها عن كنه هذا ألطغيان وأنا مستنكرة لقولها أشد ألاستنكار لعلمي بحال المرأة المتردي وواقعها المزري وهي مكبّلة بالقيود وبهذا القانون المتعسف لها وكذلك هي تقضي أغلب وقتها بالعمل خارج البيت وداخله.
ليأتي جوابها على شكل سؤال : ألا ترين النساء وكيف طالت السنتهنّ وأصبحنّ متمكنات من أزواجهنّ لغاية ما اصبح الزوج غير قادر على مواجهتهنّ ,والفتيات وما يرتدين في الشارع وما يضعنه من حفنات للماكياج وعيونهنّ تتطلع هنا وهناك.
سألتها :وهل أصبح ارتداء الملابس والماكياج حق مسترد , ثم هل اقتصرت الحقوق بما يرتدين هؤلاء الفتيات فقط رغم إن السنتهنّ مقطوعة وستقطع رؤوسهنّ وستحجب عن الأنظار بعد الزواج ليلتفتنّ للبيت والتسوق وإعداد الطعام ومن بعدها سيأتي الحمل والإرضاع ومتابعة الأبناء وخدمة الزوج وجميع متطلبات البيت الأخرى .
جوابها كان حسب ما يردده الأغلبية , هذا عملهنّ الطبيعي فهل تنتظرين من ازواجهنّ فعل هذا ؟ قلت لا انتظر طبعا في مجتمع تخلف لقرون عن الركب ,واستمر يلهث بمدار موروثه دون جديد.
سألتني توضيحاً فقلت لها ,لا يوجد عمل يحدده الجنس حيث وزعت الأدوار وقسمت الأعمال دون اية علاقة لهذا التوزيع بالفروق البيولوجية بل تم التقسيم بعد ظهور الملكية واكتشاف الصناعة فتقلص دور المرأة واقتصر على اعمال البيت ومراعاة الأبناء واستغلال طبيعتها وكان الحمل الأكبر من نصيبها, وربما سيطمع غيري بالمطالبة بالمساواة التامة والتي تعني العدل في تقسيم الأعمال دون مراعاة للجنس ولكن بعد ان يحين وقته ووقته سيتطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب لكي نمحي آثار تلك القرون والموروث .
أما عن فقرة هل انتهت مشاكلنا ولم يبقى سوى قضية المرأة التي هي لا تستحق من الأساس ان تكون قضية ,فأقول لكِ لا بالتأكيد لن تنتهي مشاكلنا بل نحن نختنق بها لحد الغرق ولهذا تبدو هذه القضية تافهة أمام الكم الهائل من المشاكل , ولكنها قضية اساسية زادت من مشاكلنا لكوننا نعمل بإضعاف نصف مجتمعنا ,وستخف مشاكلنا تدريجيا وسيبطل عجبنا فيما لو عرفنا سبب مشاكلنا وشعرنا بحجم الكارثة .
ولأبرز لها بعض من تعسف مجتمعها بينها وبين الرجل سألتها :هل تستطيع المرأة السير بالشارع دون ان تكون مراقبة بمجهر يتربص لكل حركة تقوم بها ومن ثم يأتي دور العيب والنقد دون الرجل ,فلا يحق لها أن ترفع صوتها كما يفعل الرجل ولا يحق لها الكثير مما يحق للرجل . أجابت ,وهل مسألة رفع الصوت ضرورة لهنّ فقلت لها ليست هي بالضرورة ولكن لأبين لكِ جزء صغير جدا من القمع والفروق التي لا تراها عينيكِ لكون تأمّل مثل هذا يحتاج لعين مراقبة لكل ما يدور حولها من سلوكيات لا تراه اعين الغالبية .
وأضفت لها مثالاً :هل يحق لهنّ الزواج من اربع رجال كما يحق للرجل ؟ ضحكتْ من سؤالي متصورة بأنني امزح ,أكدت عليها السؤال وكررته ,ففتحت عيونها لهذا القبح الذي اريده للمرأة غير مدركة بأن الفعل القبيح يبقى قبيحاً سواء كان صادراً من المرأة او الرجل , فسألتني وهل تريدين من المرأة ان تتزوج من اربع رجال ؟ استفزني سؤالها وعدم فهمهما لتلميحي فقلت لها بأنني لا اريده لها بالتأكيد كما لا اريده للرجل ايضاً , ولكن ما الضير لو وضعناه بدلها ليستشعر مدى الإهانة التي ستلحق به .
أضفت لها سؤال :هل يحق للمرأة أن تقتل وتضرب وتؤدب زوجها في حالة ممارسته لفعل الخيانة أو عدم الطاعة لها ؟
قالت طبعا لا يحق لها ولا تريده لنفسها كون هذه الأفعال لا تصدر من إنسان طبيعي , فقلت لها وهل الطبيعي أن تصدر عنه ضدها ؟ أم انها صارت جزء من حياتنا بفعل التوهان الذي قادنا للتعود على الذل والهوان ؟ قالت بأن الضرب هو للتأديب والقتل هو غسلا للعار والخيانة لا تجلب العار للرجل حين ممارسته لها ,أو إنها ستكون أخف وطأة عن خيانة الزوجة التي لو جاءت منها فستجلب له العار الأكيد , قلت لها نعم ستجلب له العار لكنه لا يجلب لها العار كونها مجرد تابعاً له فلا هي لها علاقة بالكرامة ولا علاقة لها بالحس والشعور كون كرامتها من كرامته ,اليس هذا ما تقصديه ؟ فتذكرتْ سبباً يبرر للرجل خيانة زوجته ,فصرختْ به , لكنني صمتت عنه كوني احترت من اين ابدأ معها لشدة سذاجته وسألتهاً إن كان لهنّ الحق في تطليق ازواجهنّ فنفت بالطبع هذا الحق وقالت هل تريدين للدنيا ان تنقلب بنا ويصير حق النساء في تطليق أزواجهنّ عندما تكون لديهنّ الرغبة بهذا ؟
لو كان بيدي لقلبت راس هذه الدنيا على عقبها ,أجبتها ,عسى ولعل في أن أعدل حالها , فأنتِ تلغين رغبات النساء وجميع حقوقها كإنسان وهذه جريمة مسكوت عنها في مجتمع كثر فيه ما هو مسكوت عنه , فهل سمعتِ بمحاولات اقصاء النساء بكافة المجالات وحتى محاولة اقرار تزويج القاصرات فنفت سماعها كونها لا ترغب بإزعاج اذنها بمثل هذه الأخبار وتفضل الاستمتاع بالمسلسلات ومشاهدة الأفلام الكوميدي .
اكملت عليها اسالتي ..اسأله كثيرة لا تنتهي.. لكنها انتهت لديها منذ الولادة ,فاستقرت على افكار هي ليست أفكارها ب لُقنت بها تلقيناً منذ الطفولة وصارت تتصور وتدّعي بأنها افكارها هي ,ومن ثم وصلت بها القناعة أن اعتبرتها كنزها الثمين ,اليس القناعة كنز لا يفنى , متصورة بأن ليس هناك في الكون سوى ما جُبلت عليه هي , واسأله مثل هذه لا تستحق عناء الشك والتفكير بها .فجاء سؤالها كعرض من اعراض هذا المرض , مرض استعذاب الذل والعبودية ,واستسهال الرضوخ , هو نتاج لوباء نظام اجتماعي عالمي فاسد لحد النخاع , أحتل به اسم الأب الدور الأول بعد أن انتزعت حقوق الأم بفعل نظام الرق ومن ثم الإقطاع وأخيراً رأس المال الذي اعتمد على تقسيم الناس لطبقات ,كبر وتنامى عن طريق استغلال الشعوب وقمعها وخداعها , وكل ما طُرح عليها من اسأله كانت غريبة عليها ,وكيف لا تكون غريبة وكل ما جاء بها من أفكار هي غير مألوفة لديها ولم تسمع بها من قبل ولكونها تُظهر مدى قبح وسيادة الرجل عليها ,وكلمة رجل هي مضخمة في رأسها ومقدسة لها , فلا تريد لحقيقة مثل هذه أن تدخل عقلها وتهز استقرارها وقناعتها بعد ان فقدت الأمل ,كل الأمل في مجتمع يسوده العدل , ولهذا صرخت بسؤالها وجاءت ثورتها عكسية دون أن تدري بأنها قد سلّمت العصا بيديها لجلاديها ,مستعذبة عبوديتها وجلدها لذاتها , فصارت العبودية هي الحرية بنظرها .. والحرية هي عبودية لها .
بوعينا نستعين ..فدمتم به سالمين