استدرك حكم المحكمة العسكرية الذي صدر البارحة بحق ميشال سماحة، خطيئة تخلية سبيله قبل بضعة أسابيع، والتي كان من الواضح انها اشرت في تلك الفترة لوجود “مناخ” معين في المحكمة يميل الى اصدار حكم مخفف بحقه، بالاكتفاء بمدة توقيفه كحكم بالسجن. والحقيقة ان الموقف الحاسم والقوي الذي ووجهت به المحكمة ومن كان يقف وراءها، أدى الى عدول المحكمة عن التمسك بـ “المناخ” المشار اليه. فقد كان واضحا ان افلات سماحة بما تمثله قضيته الارهابية من عقاب منطقي متسق مع جريمته، ما كان ليمر مرور الكرام، وكان من شأنه ان يؤثر بسلبية كبيرة على المؤسسة العسكرية، ومصير كل المحاكمات امام المحكمة العسكرية في المستقبل.
بالطبع يستحق سماحة عقوبة أكبر من ثلاث عشرة سنة (بقي منها ست سنوات ونصف سنة فعلية)، وكان على المحكمة العسكرية ألاَ تخشى تشديد الحكم أكثر مما فعلت. ولكن للانصاف، نقول إن الحكم بثلاث عشرة سنة معقول، على عكس التوجه السيئ الذي سبق. ولا شك في ان وقوف كل قوى ١٤ آذار ومعها الحزب التقدمي الاشتراكي موقفا واحدا من القضية، ومواجهة “المناخ” السابق، منع تهريب سماحة من عقوبة كان يستحقها، كما منع “حزب الله” من مواصلة الضغط على المحكمة العسكرية من دون رادع.
أما وقد صححت المحكمة العسكرية الخطئية السابقة، فقد حق لنا ان نثير موضوع محاكمة أكبر وأهم، هي محاكمة قتلة رفيق الحريري أمام المحكمة الخاصة بلبنان، التي نراقبها وهي تعمل بمنهجية وهدوء للتوصل الى إصدار أحكام بحق القتلة، وربما من يقف وراءهم. فهذه المحكمة الواقعة في إحدى ضواحي مدينة لاهاي الهولاندية، تسير خطوة خطوة نحو هدفها القاضي بإحقاق عدالة دولية في قضية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وعدد آخر من الجرائم الارهابية التي يتوقع صدور قرارات ظنية في شأنها قبل نهاية العام الحالي.
لا يشك عاقل واحد في أن مصطفى بدر الدين وشركاءه الظاهرين في القضية، وغيرهم من الشبكات المتورطة في العملية، يقفون خلف اغتيال الحريري. ولا يشك أحد في أن بدر الدين لم يقم بالعملية وحده من دون قرار مركزي من قيادة “حزب الله”. ولا يشك أحد في أن قرار اغتيال الحريري اتخد على أعلى مستوى في قيادة الحزب الامنية، بالشراكة مع النظام السوري. ولا يشك أحد في أن بدر الدين نفذ أمرا مركزيا باغتيال رفيق الحريري. ومع أن أحدا لا يتوقع أن تصل المحكمة في لاهاي الى تفكيك كل خيوط الجريمة، وان تتوصل الى وضع يدها على ادلة دامغة في حق كل من تورط في الجريمة من القرار الى التنفيذ، فإن مجرد صدور حكم متوقع في حق بدر الدين ورفاقه سيكون بمثابة الإصبع التي تتوجه بالاتهام المباشر الى “حزب الله”، بإعتباره منفذ جريمة اغتيال الحريري وربما غيره من الشخصيات. وإيماننا انه مهما طال الزمن سيأتي يوم وتنتصر العدالة، إما بالقبض على المجرمين ومن وراءهم، وإما بنزول سيف العدالة الالهية عليهم في يوم ما او في مكان ما.
* نقلا عن “النهار”