حين انطلقت عاصفة الحزم العربية بقيادة السعودية لإنقاذ الشرعية اليمنية من براثن الانقلاب الإيراني بلباسه الحوثي، اختارت إيران الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ليكون لسانها الدعائي. جرت بموازاة ذلك محاولة اختراع نصر الله يمني، بشخص عبد الملك الحوثي الذي ظهر في خطابات مرتبكة ومكررة وكأنه نسخة بائسة من نصر الله. ثم أزيح الحوثي عن الشاشات، ليبقى نصر الله اللسان العربي الوحيد في مواجهة العرب.
عاصفة الحزم التي شكلت مفاجأة مدهشة للإيرانيين كشفت في ثنايا خطابات نصر الله عن اليمن حجم الارتباك واللغو اللذين واجه بهما نظام الملالي، الاستحقاق العربي المستجد، والمتمثل بالاستعداد للحرب وخوض غمارها متى دعت حاجات الأمن القومي.
يومها دافع نصر الله عن الدور الإيراني في اليمن باتهامه العرب بأنهم «كسالى وتنابل» وصرخ بأعلى صوته على مدى أكثر من خطاب أن الهزيمة السعودية «أوضح الواضحات» عنده، وسخر من التحضيرات الجارية للعمليات البرية في اليمن بتلميحه أن جيوش الخليج جبانة، ما يدفع بالحكومات إلى «استئجار الجيوش» لتحقيق أهدافها. كل ذلك في خدمة استراتيجية توهين الحزم العربي، بلسان عربي ناطق بالمصالح الإيرانية، وفي خدمة امتصاص المفاجأة التي شكلها القرار العربي بمواجهة إيران عسكريًا في اليمن.
لكن تطورات اليمن عرت الدعاية الإيرانية التي تصدرها نصر الله بشخصه، لدرجة تراجعه عن الخوض في هذا العنوان إلا بشكل عرضي وعلى سبيل تسجيل الموقف العام، بعد أن كان رأس حربة المواجهة بخطابات متتالية بدا معها اليمن وكأنه قدس جديدة!
لسوء حظ إيران وأداتها الأبرز في لبنان، أن عاصفة الحزم ثم عملية إعادة الأمل حققتا نتائج ميدانية لم تكن في حسبان أحد حتى حلفاء دول مجلس التعاون. ويروي لي سياسي عربي أن المفاجآت الميدانية، لا سيما العملية النوعية للقوات الخاصة الإماراتية لتحرير مطار عدن بعملية إنزال من البحر، شكلت صافرة إنذار للكثير من أجهزة الرصد الدبلوماسي والعسكري، لا سيما في موسكو التي باتت تملك تصورًا دقيقًا عن مستوى الحرفية العسكرية الإماراتية، والتي جعلت من هذه الدولة الصغيرة نسبيًا قوة ضاربة في قلب الخليج.
ولعل من أبرز نتائج ما تحقق حتى الآن تحرير جنوب اليمن بشكل شبه تام، وعودة الشرعية إلى عدن ثم التقدم باتجاه تحرير صنعاء رغم فارق القياس بين المعركتين.
ولمن لا يذكر، كانت الدعاية الإيرانية تستبعد، ليس تحرير صنعاء وحسب، بل إمكانية أن يعود أي ملمح شرعي إلى عاصمة جنوب اليمن. وبلغ الغي يومها بمسؤولين إيرانيين للحديث عن اليمن بوصفه ولاية نفوذ إيراني في قلب الخليج، ضمن خيط العواصم الأربع إلى جانب بيروت ودمشق وبغداد!
تحرير الجنوب وعودة الشرعية إليه هشم جانبًا مهمًا من الدعاية الإيرانية وصفع الاستعلاء الذي مارسه نصر الله صفعة قاسية أظهرت على الملأ حجم المبالغات التي يعتمدها في خداع جمهوره قبل خداع الآخرين.
في هذا السياق من انهيار أكاذيب إيران، جاءت عملية قصف أحد مراكز تجمع قوات التحالف ما أدى إلى «استشهاد» 45 إماراتيًا و10 سعوديين و5 بحرينيين في ضربة هي الأقسى التي تتعرض لها قوة عسكرية خليجية.
وإذا كان تحرير الجنوب لا يعطي القوات الخليجية حقها في تظهير حجم الوجود والجهد في ميدان معركة اليمن، جاءت ثلة «الشهداء» العرب على أرض عربية دفاعًا عن شرعية عربية لتفضح زيف ادعاءات نصر الله ودعايته وتعري العقلية النمطية التي ينظر من خلالها إلى دول الخليج وشعوبها وحكوماتها وجيوشها. فهؤلاء «الجبناء» الساعون إلى استئجار جيوش تقاتل عنهم يزفون «شهداء» الواجب الحقيقي، دفاعًا عن عروبة اليمن، ويعمدون بالدم شراكة عربية في هذا البلد الذي أرادت إيران استلحاقه ضمن مشروع التوسع المذهبي الذي تقوده في المنطقة.
على نصر الله وإيران من خلفه أن يخاطبا جمهورهما بالعقل والمنطق والوقائع بعد أن أشبعاه أكاذيب وأوهامًا، «فالجبناء» يقاتلون و«يستشهدون»، والشرعية التي يفترض أن التاريخ طواها، تعود رويدًا رويدًا إلى أرضها ومنبتها. ماذا بقي من أكاذيب وأوهام؟
السؤال الذي على نصر الله وإيران أن يجيبا عنه، لماذا سيكون صادقًا في سوريا من كان كاذبًا في اليمن؟
درس اليمن فضيحة في اليمن وفي سوريا، والمقبل من الأيام سيكشف حجم الأوهام التي زرعتها إيران وأدواتها في عقول شرائح عربية، وسيتضح حجم الدمار الذي ساهموا فيه سعيًا وراء سراب حماية نظام بشار الأسد.
انظروا إلى اليمن واستخلصوا العبر في سوريا قبل فوات الأوان.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”