كانت ولادة اليسار الديموقراطي اللبناني متزامنة مع ولادة اليسار الديموقراطي السوري ، من خلال الانعطافة النوعية الديموقراطية التي شهدها اليسار العربي، وخاصة السوري واللبناني ، اليسار اللبناني كان أسهل له أن يعلن عن إطار تنظيمي منشق عن الحزب الشيوعي الستاليني الأصل ، لكن هذا اليسار الديموقراطي في سوريا عبر عن نفسه من خلال حركات المثقفين المستقلين عبر البيان (99) ، ومن خلال لجان إحياء المجتمع المدني، ومن ثم إعلان دمشق …بينما الحزب الشيوعي (الذي سمى نفسه حزب الشعب الديموقراطي كاسم اليسار الديموقراطي اللبناني، ممثلا برمزية السجن الطويل لرياض الترك الذي يوجد العشرات من المناضلين في سوريا من كان سجنهم أطول من الترك.. )..
لم يكن الحزب الشعب الشيوعي (الرياض تركي)، أي أسهام حزبي في تشكيل هذه المحطات الديموقراطية الثلاث (بيان 99 وبيان لجان إحياء المجتمع المدني، ومن ثم إعلان دمشق ..) حيث لم يكن لهم أي إسهام كحزب إلا عبر المشاركات الشخصية لبعض أفراده شخصيا ……
لقد كانوا معادين لهذه النشاطات اليسارية الديموقراطية المستقلة، لأنهم كانوا يعتقدون أنها تنافسهم وتطرح نفسها بديلا لهم، حتى اضطررت شخصيا أن أقسم أغلظ الإيمان بما فيها الطلاق …بأنني وبعض من أمثالي ضمن الأسماء (16 ) الذين وقعوا على بيان لجان إحياء المجتمع المدني الذ كان أول بيان تقرع الأسدية طبول الحرب ضده ، لم نكن نريد من بياننا هذا سوى القاء حجرة في المستنقع السياسي السوري الراكد، حيث أعقب نفوق روح الوحش الأسدي، بعض الانفراج السياسي والافراج عن المعتقلين اليساريين خلال فترة التسعينات قبل النفوق لجثته الكلبية النتنة النهائي ومجيء كلبه النباح (بشار) الأكثر نباحا من أبيه على حد تعبير المتنبي، حيث طالما تباهى الأب بانتسابه لبني كلب …
الأخوة اللبنانيون من اليسار اللبناني : إما هم الشيوعي الستاليني على الطريقة البكداشية (خالد بكداش الكردي السوري) الذي كان زعيما مشتركا للحزبين الشيوعيين السوري واللبناني، حيث قيادتهم كلهم يشتغلون مراسلين وحجاب عند ( نصر الله ) وبيت الأسد كالحزب الشيوعي السوري (العائلي الأسدي الذي يتقاسمه ابن خالد بكداش عمار وصهره قدري ممثل المخابرات الروسية لدى المخابرات الأسدية)، وإما الجناح الثاني المنقسم عنه بعد الانقسام الشيوعي السوري (رياض الترك عن خالد بكداش) بحوالي أربعين سنة، فهم يعتمدون هذا الحزب الشيوعي (التركي)، كجمهور يساري، ليكونوا هم قادته ونخبته ،ولذا ليس في الإعلام العربي والفرنسي في فرنسا، سوى شاب لبناني يساري يتحدث باسم المعارضة السورية..
وعندما اختلفنا مع المعارضة الشيوعية ( التركية بعد البكداشية) قاطعنا هذا الرجل اليساري اللبناني، في حين أنا حدثناه عن المشكلة بيننا وبينهم، وتوقعنا أن يسعى للمصالحة والتفاهم بيننا وبينهم على الأقل على الساحة الفرنسية، كما كنا نفعل نحن الديموقراطيين السوريين خلال فترة انشقاقهم الطائفي (الشيعي- المسيحي ) منذ أكثر من عشرة أعوام حتى الآن …لكن الرجل وجدها فرصة ليقودهم كمفكر أستاذ جامعي بالجامعة الأمريكية، وليقاطعنا بالمطلق كما قاطعنا الحزب بعقائدية مبدئية شديدة بدؤوها بالحديث عنا كطائفيين ،عندما بدأنا منذ قيام الثورة بوصف النظام بأنه (نظام ديكتاتوري عسكري أمني وأضفنا “طائفي” !!!)
لكن على الطريقة اللبنانية التي ترد على قمعية السلطة الأسدية لهم بمعاداة الشعب السوري بوصفه (شعبا حورانيا عتالا حمالا)، بل إن زعيم حركة اليسار اللبناني، لا يستطيع (شعوريا أو لا شعوريا ) رغم ملاحظات المثقفين السوريين له وعليه، أن يتحدث عن النظام الأسدي الذي قتل أباه منذ أربعين سنة، سوى بقوله (السوري ) …دون أن يقول حتى (النظام السوري) الذي أسقطنا نحن المثقفين السوريين عنه- منذ ما قبل الثورة- صفة (السوري ) إعلاميا وسياسيا، لنسميه (النظام الأسدي الطائفي……. والجيش الأسدي الطائفي) …
بل إن صديقنا وأستاذنا شيخ اليسار الديموقراطي اللبناني أمد الله بعمره، لم تلهمه الثورة السورية في شهورها الشبابية المدنية الديموقراطية السلمية، سوى بتأليف كتاب عن (ثورة سلطان باشا الأطرش)، وقد أرسله لنا مشكورا كمخطوط لا بداء الرأي…فعندما أبدينا له رأينا ، قاطعنا ولم نعد نره عندما يأتي لباريس كعادته من قبل …رغم أنا لم نقل ما يسيء لشيخنا إلا بما يليق بمكانته ومكانة سلطان باشا الأطرش، لكن ما قلناه أن الثورة السورية هذه ثورة ( عولمة الثقافة الكونية المعلوماتية ما بعد الايديولوجية ، ثورة الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان ) فهي لا تستلهم سلطان الأطرش أو ابراهيم هنانو (وراثيا وطنيا بل تراثيا روحيا)، إذ تعبر عن روح التمرد السوري، بوصف سوريا الأم الطبيعية كإقليم، وهذا ما يميز بين الاستقلال السوري واللبناني عن فرنسا بين سوريا ولبنان ..
وأن الثورة السورية لم تعد قابلة لانتاج أمراء وطنيين من النخبة الاجتماعية (سلطان الأطرش أو ابراهيم هنانو أو سعد الله الجابري أو هاشم الأتاسي) ،لأن النخبة السورية العليا رشاها النظام الأسدي ودمجها في بنيته الطفيلية اللصوصية …ولهذا لا ترى ولن ترى نافذة تتحطم لهذه البيوتات العليا الصامتة فيما يسمى بالأحياء الراقية في دمشق وحلب وحمص رغم تحول مدنها حولها إلى مقابر …
فالشباب من كل الفئات الاجتماعية الوطنية الوسطى والدنيا هم قوة ثورات الربيع العربي …ولم يعد هناك أمراء كالأمير سلطان الأطرش، بل إما ثوار أمراء ثقافة مواطنة كونية حديثة شباب، أو أمراء حرب مشتقات داعشية وقاعدية، وهذا ما برهن عليه لاحقا تحطيم تمثال ابراهيم هنانو في ادلب وبقاء أحياء الأمراء الحلفاء الأسديين فكرا وروحا وثقافة دون تحطم زجاج نافذة …