الى جميع المهاجرين في العالم اقرأوا هذا النص الذي وردني من صديق :
كنت عائدا يوما بسيارتى من امريكا داخلا كندا حيث إقامتى وعلى الحدود أعطيت جواز سفرى الكندى الى الموظفة ففتحته وبالطبع كان فيه أنى مولود بمصر فقالت:
كيف مصر؟
بخير ونرجوا الله ان تبقى بخير
منذ متى وانت تعيش فى كندا
أوشكت ان تنتهى السنة العاشرة
متى زرت مصر
منذ ثلاثة أعوام
فنظرت إلىّ وهى تبتسم وسئلتنى …
من تحب اكثر مصر ام كندا؟
فنظرت اليها وصمت قليلا ثم قلت لها:
الفرق عندى بين مصر وكندا كالفرق بين الام والزوجة .. فالزوجة نختارها ونرغب فيها الجمال ونحبها ونعشقها ولكنى لو تزوجت بأجمل نساء العالم فلن تنسينى امى .. اما الام فلا نختارها ولكنى مِلكُها فحبى لأمى له مذاق اخر .. فأنا لا ارتاح الا فى أحضانها ولا أبكى الا على صدرها ولا اتمنى الموت الا فى تراب تحت أقدامها.
فأغلقت جواز سفرى وراحت تنظر لى بشئ من العجب وقالت:
نسمع عن زحامها وحرها وضيق العيش فيها فماذا تحب فى مصر قلت لها أتقصدين أمى فابتسمت وقالت ولتكن أمك فقلت:
احب فيها طفولتى .. احب فيها ذكرياتى …. احب ضربها لى وانا صغير تعلمنى .. احب حتى وانا مريض على صدرها .. قد لا تملك أمى ثمن الدواء ولا أجرة طبيب يعالجنى ولكن حنان أحضانها وهى تضم جسدى الملتهب ولهفة قلبها وانا ارتعش بين يديها يُشفيني بلا دواء ولا طبيب.
فراحت تدقق بنظرها فى وجهى وهى تسئلنى:
١٠ أعوام ومازال الحنين باقى فى قلبك لها ومازلت تذكر ذكرياتك فيها
فقلت لها:
أنا إن نسيت تُذكرنى الاماكن والأشياء فهذا الشارع ان سرت فيه يذكرنى حين كادت عربه ان تصدمنى ووقعت برأسى على هذا الحجر من هذا الرصيف .. وهذا المطعم ان مررت عليه يناديني ويحكى لى كم أكلت فيه مع أصدقائى وكم ضحكنا وكم ملكنا الدنيا فى شبابنا .. وهذه الشجرة يروى لى ظلها كم جلست فيه ساعات وساعات .. حتى بحرها ما ان يرانى حتى تجرى أمواجه مسرعة نحوى تسئلنى تطمئن على احلامى التى كنت احكيها لها ثم تمسح بمياهها على ظهر قدمى تواسينى فكم من هموم بُحت بها لها وكم من دمع سقط فيها وراح يضرب الصخر معها. حين ازور مصر فان اجمل ما فيها هذا الحوار الصامت بينى وبينها سيدتى أنا إن نسيت فأمى لا تنسى
فمالت قليلا الى الامام على مكتبها وقالت لى ” صف لى مصر”
فقلت هى ليست بالشقراء الجميلة ولكن ترتاحى اذا رأيت وجهها وليست العيون بالزرقاء ولكن تطمئنى اذا نظرت اليها .. ثيابها بسيطة ولكن تحمل فى ثناياها طيبة ورحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ولكن فى عنقها عقد من سنابل قمح تطعم به الجائع . سرقها كل سارق واغتصبها كل مغتصب ولكنها ما زالت تبتسم بل وتسامح.
وضعت جواز سفرى على مكتبها ثم وضعت كلتا يديها عليه وقالت لى:
أنا زرت مصر منذ ٤ أعوام ولم ارى ما وصفت لى
ذهبت بخيالى بعيداً ثم عدت إليها ونظرت فى عينيها وقلت لها:
انت زرت مصر التى تقع فى شمال شرق افريقيا على الخريطة اما أنا فأتحدث عن مصر التى تقع فى أوساط وديان قلبى
فمدت يدها تعطينى جواز سفرى وهى تقول:
أراك تقول شعرا فى مصر وارجو ان يكون وفائك لكندا مثل وفائك لمصر ثم ضحكت وقالت اقصد وفائك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك فأمسكت بجواز سفرى وأشرت اليه قائلا:
أنا بينى وبين كندا وفاء وعهد ولست أنا من لا يوفى بعهده .. واعلمى ان الوفاء بالعهد هذا ما علمتنى إياه أمى
فلمعت عيناها وأشارت بيدها كى ادخل كندا فقلت لها:
لقد هيجتى فى قلبى شجون تحتاج ايام وأيام كى تهدء .. وانصرفت.
…………………………
.
أنا قد نسيت الحنين زمناً .. كيف أنكِ اليوم أيقظتِ أشعارى
وأشعلتِ بعينيكى فى القلب شوقاً .. حارت فيه كل أفكارى
تسألينى عما بقلبى فيجيبك صمت وجدانى وهمس أسرارى
وطنى مزقنى الرحيل عنه وعذبنى أحبة فيه ماملّوا إنتظارى
والقلب يشجيه يوم أعود فيه لدفء عُشى وحضن أوكارى